إسماعيل الحلوتي/كاتب
ها هو المغرب يعود اليوم، مرة أخرى، ليبهر العالم أجمع من خلال إقدام المغاربة، من داخل وخارج المغرب، على إطلاق مبادرات إنسانية رفيعة، والإعلان عن حملة تضامنية شعبية واسعة، تمثلت بالأساس في التبرع بالدم وجمع التبرعات العينية من مواد غذائية وملابس وأفرشة وأغطية وخيام وغيرها، وسيل الإجراءات المستعجلة التي اتخذت، بتعليمات ملكية سامية، ليس فقط من أجل إنقاذ وإغاثة ضحايا ومنكوبي الزلزال الأعنف في تاريخ المغرب على مدى قرن من الزمن، الذي ضرب مساء يوم الجمعة 8 شتنبر 2023 بقوة 6,9 درجات على سلم ريشتر عدة مناطق في جبال الأطلس الكبير، وخلف خسائر بشرية ومادية فادحة، بل، كذلك، عبر إصرار السلطات العمومية على إعادة إعمار تلك المناطق المتضررة ودعم ساكنتها ماديا، فضلا عن فسح المجال أمام أبنائها لاستئناف دراستهم.
من هنا يتضح جليا أن المغرب لم ينشغل فقط بإنقاذ ضحايا زلزال الحوز المدمر وانتشال الجثث من تحت الأنقاض وعلاج المصابين، وإنما سارع، كذلك، إلى إنقاذ الموسم الدراسي بتلك المناطق المتضررة، سعيا إلى محاصرة الهدر المدرسي وعدم حرمان التلاميذ المفجوعين من حظهم في الدراسة والتحصيل. حيث حرصت السلطات العمومية ومختلف المتدخلين على اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاستعجالية، وفي مقدمتها إقامة مخيمات ميدانية وتشكيل أقسام دراسية. حيث صرحت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بأن الدراسة، بالنسبة لتلاميذ المناطق المتضررة، ستستأنف تدريجيا، عبر ثلاثة أنماط هي: الدراسة في الخيام، الدراسة في الوحدات المتنقلة، بالإضافة إلى نقل المؤسسات التعليمية من تلك المناطق المعنية بتلامذتها وأطرها إلى مناطق أخرى آمنة.
ففي هذا الإطار، صرح الوزير الوصي على قطاع التعليم، شكيب بنموسى، في اجتماع نظمته لجنة التعليم يوم الجمعة 22 شتنبر 2023 بمجلس النواب، بأن أكثر من ألف مدرسة تضررت جزئيا أو كليا جراء الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز وتارودانت وامتد إلى أقاليم أخرى مثل شيشاوة وورزازات وأزيلال، لذلك، وفي انتظار إعادة بناء المؤسسات التعليمية المتضررة قبل متم الموسم الدراسي الجاري، قررت وزارته، في وقت سابق وبعد توقف اضطراري دام قرابة عشرة أيام، الإعلان عن استئناف الدراسة في الأقاليم التي تعرضت للهزة الأرضية، ابتداء من يوم الاثنين 18 شتنبر 2023 في كل من مدينة أمزميز وأسني بالقرب من مدينة مراكش وبعض القرى في مدينة تارودانت، حيث تم استبدال عدد من المدارس مؤقتا بمخيمات مجهزة بالمعدات التعليمية الضرورية، لتمكين تلاميذ المناطق المنكوبة من متابعة دراستهم. بينما نقل في مرحلة أولى حوالي 600 تلميذ من المدارس التي تضررت كليا إلى مؤسسات تعليمية بمدينة مراكش، على أن يتم في مرحلة ثانية نقل حوالي ستة آلاف تلميذ آخرين على الصعيد الإقليمي، مسجلين في خمس مؤسسات تعليمية أخرى.
وهي المبادرة التي لا يمكن إلا الإشادة بالواقفين خلفها والساهرين على إنجاحها، إذ إنها، وبالنظر إلى حجم الكارثة الطبيعية الكبرى، أثارت مجموعة من ردود الفعل الإيجابية على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أنها نالت، إلى جانب أسر التلاميذ، استحسان الكثير من المنظمات الحقوقية وفعاليات المجتمع المدني، وخاصة الفعاليات التربوية في مختلف ربوع المملكة، لأن من شأنها الحيلولة دون الإعلان عن سنة بيضاء في الأقاليم المتضررة، والحرص الشديد على توفير الحد الأدنى من التعلم لفائدة تلاميذ المناطق المنكوبة في ظل تعذر تأمين دراسة في مستوى ما كانت عليه من قبل الحادث المأساوي الأليم.
والأجمل من ذلك أن الجهود لم تتوقف عند حدود توفير فضاءات للدراسة بالنسبة لتلاميذ الأقاليم المتضررة، بل تم الحرص، كذلك، على تخصيص جلسات للدعم النفسي والاجتماعي لفائدتهم بمعية بعض الأطر التربوية، يشرف عليها خبراء في المجال النفسي لمساعدتهم على تجاوز آثار هذه الفاجعة المرعبة، تتاح خلالها الفرصة لهم في التعبير الحر عن أحاسيسهم ومعاناتهم، سيما أن من بينهم من فقدوا أسرهم أو أحد أفرادها وجيرانهم وبيوتهم، والعمل على تزويدهم بالعلاجات النفسية الضرورية التي تمكنهم من مواصلة أنشطتهم وتعليمهم في ظروف طبيعية.
إننا لا يمكن إلا أن ننوه بهذا المجهود الوطني الخرافي الذي تبذله بلادنا في ظل القيادة الرشيدة للملك محمد السادس وتضامن وتآزر الشعب المغربي قاطبة من داخل المغرب وخارجه، في اتجاه إعادة الحياة إلى طبيعتها في المناطق المنكوبة وبث الأمل في النفوس المكلومة. وعلينا أن نحصن الجبهة الداخلية ونحرص على عدم منح الفرصة لأعداء الوطن في تعطيل مسيرتنا التنموية، وندعو السلطات المعنية إلى الضرب بيد من حديد على كل من ثبت تورطه في إهانة كرامة تلامذتنا والإساءة بأي شكل من الأشكال إلى صورة هذا الوطن الشامخ.
سيعمل هؤلاء المدرسون الجدد على مساعدة أطفال المنطقة بحكم القواسم المشتركة لغويا وثقافيا على استئناف دراستهم والتخفيف من الآثار النفسية للزلزال
المصطفى مورادي:
تنكب لجنة، يترأسها مسؤول مركزي بوزارة الداخلية برتبة وال، على التكفل بكل ما يتعلق بالشأن التعليمي بجهة الحوز تحديدا، خصوصا ضمان استئناف مكفولي الأمة لدراستهم في أفضل الظروف، وأيضا توفير بدائل لائقة للمؤسسات التعليمية المتضررة، كفيلة باستئناف الدراسة لعموم الأطفال الذين يدرسون في هذه الجهة وجهة سوس أيضا. ومن بين المهام التي قامت بها هذه اللجنة، نجد إحصاء عدد الحاصلين على الإجازة ممن فقدوا منازلهم ومواردهم، والحرص على توظيفهم في المباراة القادمة في قطاع التعليم.
التمييز الإيجابي للمتضررين
«التمييز الإيجابي للمتضررين» هو الشعار الذي تنكب عليه لجنة مركزية من وزارة الداخلية مستقرة منذ شهر تقريبا بجهة الحوز. فإلى جانب تمكين مكفولي الأمة، الذين فقدوا ذويهم أو بعضهم وفقدوا منازلهم جراء الزلزال، من تعليم منصف وجيد، تعمل اللجنة ذاتها على إحصاء الشباب الحاملين للإجازة والعمل على ضمان توظيفهم في الجهة نفسها مدرسين ومدرسات.
وتتحدث مصادر الجريدة عن أن استراتيجية الحكومة، بهذا القرار، هي أولا ضمان استقرار اقتصادي واجتماعي للشباب الذين فقدوا موارد عائلاتهم، وهي موارد اقتصادية، زراعية وسياحية. وثانيا إعادة إدماج هؤلاء في جهود إعادة الإعمار، بحيث يتم تعيينهم مدرسين في المناطق ذاتها التي ينتمون إليها، وهي خطوة من شأنها الحفاظ على الخصوصيات الثقافية والعرقية للمناطق المتضررة، بحيث يعمل هؤلاء المدرسون الجدد على مساعدة الأطفال، بحكم القواسم المشتركة، لغويا وثقافيا، على استئناف دراستهم والتفوق فيها، والتخفيف من الآثار النفسية التي تلت الزلزال على الأطفال.
وأضافت المصادر ذاتها أن اللجنة، في خطوتها هذه، تستند لنص قانوني تحاول الاجتهاد في تنزيله، يتعلق بإعطاء امتيازات في التوظيف بالنسبة للمناطق المعنية بالقرار الملكي الخاص بإعلان الطوارئ، فضلا عن القانون المنظم لما بات يعرف بـ«مكفولي الأمة».
ويتواصل المجهود التعليمي بالجهة
في السياق نفسه تتواصل مجهودات السلطات المحلية، بمختلف قطاعاتها، لضمان عودة الحياة المدرسية إلى طبيعتها، علما أن 60 ألف تلميذ مغربي تضرروا مباشرةً من إجماليّ 650 ألف تلميذ ينتمون إلى المناطق المتضررة من زلزال الحوز، كما تضررت منه 1050 مؤسسة تعليمية، منها 60 مدرسة انهارت بالكامل، والباقي منها تعرضت لأضرار جزئية جعلتها غير قابلة للاستعمال، فيما البعض منها يمكن أن تستعمل، لذلك هناك عمليات جارية لفحص الصالح منها للاستعمال حفاظاً على سلامة التلاميذ.
وتقرر تخصيص منح خاصة لإيواء التلاميذ المتضررين من الزلزال بالمناطق المنكوبة، إذ تمكنت مصالح الوزارة من نقل 9 آلاف تلميذ يدرسون بمسار الإعدادي والثانوي، وتحويلهم بمواقفة الأسر إلى الداخليات بمناطق آمنة لتأمين استمرار دراستهم، مع توفير ظروف استقبال 50 ألف تلميذ محلياً.
وكانت الدفعة الأولى من تلاميذ البلدات الأكثر تضرراً من الزلزال في إقليم الحوز (نيعقوب، إيغيل، ويرغان، أنوغال، أزغور) التحقت بالعملية التعليمية، بعد قرار اللجنة الإقليمية لليقظة تحويل هؤلاء التلاميذ إلى داخليات في عدد من المؤسسات التعليمية بمراكش، في سياق ما اعتبر مقاربة جديدة تدخل في إطار البدائل الممكنة لضمان دخول دراسي جيد واستمرارية التعليم.
وشمل القرار حوالى 6 آلاف تلميذ وتلميذة في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، الذين حولوا برفقة أساتذتهم وأطر مؤسساتهم إلى المؤسسات التعليمية العمومية بمدينة مراكش، مع ضمان الإيواء والتغذية إلى جانب أنشطة الدعم النفسي لفائدتهم.