عودة الشعراء إلى المدرجات
حسن البصري
يفكر القائمون على الكرة في عودة تدريجية للجماهير إلى مدرجات الملاعب. يتطلعون ليوم يعود فيه الدفء إلى «الفيراج» وينتهي حكم «الويكلو» الذي جعل المباريات بلا طعم ولا رائحة، ونقطع مع الصمت الرهيب الذي ضرب فضاءات الفرجة.
الحسم النهائي يتوقف على الحالة الوبائية ودرجة مؤشر التعافي والإقبال على التطعيم، والكلمة الأخيرة للجنة اليقظة التي تعلم أنه لا مشاهدة ميدانية للكرة دون مناعة جماعية، لأن المتعة تقتل أحيانا.
لقد نسيت فصائل الإلتراس أشعارها، وقضى كثير من منظريها بسبب وباء كورونا، ومن مخزن اللافتات ومعدات التشجيع تنبعث رائحة نتنة تدعو القائمين عليها لاستبدال العتاد والتخلص من المتلاشيات.
لكي تفتح الملاعب أبوابها تحتاج إلى بوابات إلكترونية جديدة مزودة بآليات كشف سريع لحاملي الفيروس المتسللين، لكي تدخل الملعب وتستعيد ذكريات زمن ما قبل زيارة الوباء، لا يكفي الحصول على تذكرة أو الإدلاء ببطاقة الاشتراك أو الانخراط، لأن جواز التلقيح أضحى شرط عين.
ستقدم الكرة خدمة كبيرة للجنة اليقظة، ستدفع بآلاف المشجعين للتلقيح الفوري، حتى لا تحرم من متابعة المباريات من المدرجات وتعيش حالة «زهو» افتقدتها بسبب الجائحة.
يحن أنصار الفرق المغربية لرائحة مدرجات الملاعب لصخب المباريات للتدافع والتراشق بالكلمات والموشحات، يحنون لشعر النقائض لزمن جرير والفرزدق والشعراء الصعاليك.
بالكرة سنصل إلى المناعة الجماعية سنعلن استعدادنا لأخذ جرعتين أو ثلاث، لأن جاذبية المباريات لها مفعول لا يوصف. سنرتدي الكمامات بألوان الفرق التي نعشقها ونبلل أيدينا بمحلول معقم ونمارس التباعد الجسدي، لكن حين يسجل هدف في مرمى قلوبنا نتمرد على الإجراءات ونتعانق ونلغي المسافات وننخرط في استحضار دروس محفوظات من زمن ما قبل الوباء.
صحيح أن حضور المباريات سيصبح مكلفا، لكنه سيعيننا على رفع عدد الملقحين ويقربنا من مناعة جماعية تبيح لنا التصدي لجائحة صادرت في نفوسنا الحق في الفرح وحرمتنا من وجوه رياضية لطالما تغنت بها حناجر الجماهير في المدرجات.
صحيح أيضا أن القلم لن يطاوع شعراء الملاعب الذين نظموا قوافي الفصائل، فقد طال الأمد وعانوا كباقي اللاعبين من ضعف التنافسية، لكن قريحة الشعر وملكته تستجيب لنداء العودة لأن صياغة القوافي جزء من الأحلام وشاعر الملاعب كائن حالم خارج تغطية منطق الأشياء.
ولأن المقارنة جائزة، فإنه لا بأس من الوقوف عند التجربة الإنجليزية لأنها أول دولة فتحت المدرجات في وجه الجماهير، بعد تلقيح أزيد من سبعين في المائة من السكان، وعلى نفس الوتيرة سارت فرنسا وإسبانيا، ولأننا تجاوزنا سقف الخمسين في المائة من الملقحين، فإن علينا انتظار تجاوز هذه النسبة أولا واستكمال التدابير اللوجستيكية ثانيا حتى تصبح ملاعبنا معتمدة من وزارة الصحة.
هي فرصة لكبار قوم المشجعين من أجل استنفار حناجرهم وطبولهم لدعم فرقهم، ودخول عملية إحماء تتخللها «بروفات» لتكييف قوافي التشجيع مع الميزان الوبائي المستجد، والاهتمام بصيانة معدات التشجيع، والتأكد من «نغمة» الطبول وسلامة أدوات العمل، وتنظيم مباراة لتشغيل «كابو» تتوفر فيه مواصفات قائد أوركسترا لزمن ما بعد الانفراج.
لا تحتاج مدرجات ملاعبنا اليوم إلى قوات لحفظ السلام، بين العائدين من المقاطعة، والرافضين خيار العصيان، بل نحتاج لفرق طبية تنشر ثقافة الوقاية خير من العلاج، ومصحات وأجهزة كشف عن المتسللين.
سيرحل الوباء يوما عن بلدنا، ويعود المناصرون إلى مواقعهم بعد أن تحولوا إلى مشجعين افتراضيين يناصرون فرقهم من منصات التواصل الاجتماعي وهم يستبدلون لعبة كرة القدم بلعبة «البلاي ستايشن».
المشكل ليس في عودة الجماهير إلى المدرجات بل في مدى القدرة على عودة الروح الرياضية بين المشجعين، فليس في قلوب الأهالي متسع لنكبات أخرى، وليس لهم احتياطي من الدموع يكفي للبكاء على الضحايا.