عودة الثقة
127 مليار درهم حصيلة تاريخية لعملية التسوية الطوعية الجبائية للأشخاص الذاتيين، التي أطلقتها حكومة أخنوش خلال سنة 2024، والتي يمكن القول إنها أحد أبرز مبادرات هذه الحكومة التي ستساهم في رفع مداخيل الميزانية العمومية وتمويل البرامج الكبرى. هذه المبالغ التاريخية التي تتجاوز بشكل كبير تلك التي تم تحصليها خلال العمليات التي تم إطلاقها من طرف الحكومات السابقة، تعكس ثقة المغاربة في الحكومة الحالية وفي النظام الضريبي الذي تعتمده. فكلنا نتذكر كيف فشلت حكومة بنكيران في إقناع المغاربة بالانخراط الكبير في عملية التسوية الضريبية التلقائية بمبادرته التي اختار أن يطلق عليها “عفا الله عما سلف”.
الحصيلة الإيجابية لهذه العملية ستمنح ميزانية الدولة 6 ملايير درهم، ستعزز الموارد المالية لخزينة الدولة، مما سيساعد الحكومة على تمويل برامجها الاجتماعية المتعددة كالدعم الاجتماعي الموحد والتغطية الصحية. اليوم هذه الأموال التي تم تحصيلها رسالة واضحة على أن المواطنين والفاعلين الاقتصادين منخرطون في بناء مغرب المستقبل مغرب الأوراش الكبرى مغرب المونديال.
إن عملية التسوية الضريبية الطوعية تجسد أن حكومة أخنوش، سواء اتفقنا أو اختلفنا معها، ماضية في تنزيل تصوراتها ووضعت اللبنات الصلبة لتحقيق العدالة الضريبية، ومواصلة تنزيل أبرز التوصيات التي جاءت بها المناظرة الوطنية حول الإصلاح الضريبي، وخطت الخطوات الأولى لإدماج القطاع غير المهيكل.
الواضح اليوم أن الحكومة، رغم جميع الانتقادات التي توجه إليها، تظهر أنه عكس ما يروج في مواقع التواصل الاجتماعي، استطاعت مصالحة المواطنين والفاعلين الاقتصاديين من جهة والإدارة الجبائية من جهة أخرى، وأثبتت أنها، في ظل الموارد المالية المحدودة، غير عاجزة عن البحث عن مصادر أخرى لتمويل برامجها الاجتماعية الطموحة التي تحتاج إلى تمويلات مهمة.
وبالرغم من مواجهة الاقتصاد الوطني لدينامية دولية مطبوعة بنمو معتدل، بسبب تزايد المخاطر الجيوسياسية والمناخية، فقد واصلت الحكومة التزامها من أجل إعادة توجيه مسار ماليتها العمومية نحو المزيد من الاستدامة. وهو ما يظهر جليا من خلال الوضعية المؤقتة لتنفيذ قانون المالية لسنة 2024، التي تشير إلى أن عجز الميزانية واصل منحاه التنازلي ليستقر في 4 في المائة من الناتج الداخلي الخام، برسم سنة 2024 مقابل 4,3 في المائة برسم سنة 2023، بفضل تحسن الموارد العادية، بأزيد من 47,4 مليار درهم أي 14,6 في المائة مقارنة بـ2023، والتي تأتت بفضل الارتفاع المطرد للعائدات الجبائية بـ35,9 مليار درهم أي 13,6 في المائة مقارنة بسنة 2023.
إن قراءة بسيطة في هذه الأرقام المهمة تعكس بما لا يدع مجالا للشك بأن المغاربة يثقون في النظام الضريبي وفي صلابة الاقتصاد الوطني الذي استطاعت هذه الحكومة ترسيخه رغم توالي الأزمات، ورغم محاولة البعض نشر خطاب التيئيس والتخوين، الذي يحرص على نشره من لم يتمكن من تجاوز نكبات 2016 و2021، ولم يدرك إلى اليوم أن المغاربة واعون بأن تدبير الشأن العام لا يحتاج فقط إلى شخص يتقن فنون الإمامة والخطابة واللعب بالكلام، ولكن إلى رجالات دولة يعون أولا ما يقولون ويعون دقة المرحلة.