جمال أكاديري
تثير الانقلابات الأخيرة في بوركينا فاسو ومالي والتوترات السياسية في غينيا كوناكري، مخاوف بشأن أوضاع الاستقرار والتكامل الإقليمي في غرب إفريقيا. على الرغم من أن الانقلابات العسكرية ليست محصورة في هذه المنطقة، إلا أن العديد من المؤشرات تعلن أن هناك توترات جديدة خطيرة تتلبس الزي العسكري المسلح، تتهيأ لقلب الموازين لصالح حكم الثكنة.
يعمل الانقلابيون في مالي وبوركينا فاسو يدا بيد، ويسعون إلى تنسيق أجندتهم السياسية، ويهددون بسحب بلادهم من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا. وهذا أمر غير مسبوق، ويظهر استعدادا لتحدي المؤسسات الإقليمية الإفريقية، التي طالما أدانت بشدة التغييرات غير الديمقراطية وغير الدستورية للاستيلاء على السلطة.
صمت دولة مسالمة ومستقرة كالسينغال، الوسيط المعتاد في أزمات غرب إفريقيا، يشي بأن الأزمة تفاقمت وصارت عدواها تنتشر في الجوار الجغرافي، مما يتطلب عدم التدخل دبلوماسيا، وإقفال الحدود. لطالما لعبت دول إفريقية من الاتحاد دور الحكيم في المنطقة، لكن عدم قدرة بعضها على التدخل هذه المرة يشير إلى فقدان التأثير، أو عجز في إعادة التقييم الاستراتيجي.
لاحظنا كيف تكاثر تدخل الهيئات الدولية في الفترة الأخيرة، تسارع مثلا فرنسا وروسيا إلى تنزيل أجندات جيوسياسية متنافسة على خرائط غرب إفريقيا، مستغلة نقاط الضعف السياسية والأمنية لتوسيع نفوذهما. يبدو أن الولايات المتحدة في حالة تراجع في الوقت الحالي وتراقب من بعيد ما يحدث وتتكتم في كواليس البيت الأبيض، عن إفشاء ما يصلها من الأسرار المخابراتية.
في نهاية المطاف، يؤدي انتشار الانقلابات وعدم الاستقرار المؤسسي، إلى تقويض جهود التكامل الإقليمي في غرب إفريقيا. التنسيق المتزايد بين الانقلابيين العسكريين وغياب مبادرة الوسطاء التقليديين، عاملان يفاقمان الأزمة ولا يبشران بالخير لشؤون باقي دول ثلث القارة السمراء. وستزيد التدخلات الخارجية من تعقيد الوضع وخلط الأوراق. سيكون الرد القوي والموحد من دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ضروريا، لوقف هذه الديناميكية الدموية غير المسبوقة، التي تهدد الاستقرار والسلام في غرب إفريقيا.
أسباب الانقلابات معقدة ومتعددة العوامل.
تفاقم انعدام الأمن في المنطقة نتيجة اتساع نطاق الجماعات الإرهابية، وعدم الاستقرار السياسي في مالي وبوركينا فاسو.
فشل السياسات العامة، وخاصة في ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية ومحاربة الفساد.
تنامي السخط الشعبي، بسبب الفقر والبطالة وسوء الحكم.
تنامي دور الجيش في الحياة السياسية، نتيجة ضعف المؤسسات المدنية.
عواقب الانقلابات مهمة أيضا، لقد أدت إلى زعزعة الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة، وقوضت جهود التنمية الاقتصادية. كما أنها قوضت ثقة المواطنين في المؤسسات الديمقراطية.
إن موجة الانقلابات في غرب إفريقيا هي جرس إنذار للكل. إنه يظهر أن الديمقراطية هشة في القارة، وأنه من الضروري تعزيز المؤسسات الديمقراطية ومحاربة انعدام الأمن والفساد.
يواجه المجتمع الدولي والاتحاد الإفريقي عدة تحديات في الاستجابة لموجة الانقلابات في غرب إفريقيا. على وجه الخصوص، ينبغي أن يتم:
دعم جهود التحول الديمقراطي في الدول المعنية.
محاربة الفساد وانعدام الأمن…
تقوية المؤسسات الديمقراطية…
تحسين الحوكمة….
الاستثمار في التنمية الاقتصادية.
العمل أيضا لإيجاد حلول دائمة للمشاكل التي ساهمت في الانقلابات، وتشمل هذه مكافحة الفقر والبطالة والاستبعاد الاجتماعي.
مستقبل الديمقراطية في غرب إفريقيا غير مؤكد، أظهرت الانقلابات أن هناك حاجة إلى تقوية المؤسسات الديمقراطية ومحاربة انعدام الأمن الداخلي والفساد المؤسساتي.
إذا التزم المجتمع الدولي الأممي بدعم أسباب الديمقراطية الحقيقية في غرب إفريقيا، فهناك فرصة في أن تتمكن المنطقة من التغلب على الأزمة الحالية، وبناء مقومات التحضر والسلم المدني وتفادي الخراب.