شوف تشوف

الرئيسيةتعليمسياسية

عن غياب هيأة التكوين في النظام الأساسي الجديد

تحديد وضعها القانوني وعلاقته بتجويد منظومة التربية والتكوين

د. محمد فخر الدين

 

نلاحظ باستغراب كبير غياب هيأة التكوين في النظام الأساسي الجديد إلى جانب باقي الهيآت التي نص عليها، إذ لا يعترف بوجودها كما النظام السابق، وهي هيأة موجودة بحكم الواقع ومعهود لها تكوين وتأهيل مختلف الهيآت من هيأة التعليم والمراقبة التربوية والملحقين وهيأة المتصرفين التربويين وهيآت الدعم، فيما لا نجد لها أي وضع قانوني محدد في الأنظمة الأساسية أو اعتراف بالمهمة الأساسية التي تقوم بها.. ولا ندري الأسباب الحقيقية الداعية إلى الإنكار الإداري لوجود هذه الهيأة رغم ممارستها الفعلية لمهام التكوين والتأهيل في مراكز التكوين المختلفة.. وكأننا نريد تكوينا بدون مكونين..

إذا أردنا تدريسا جيدا وتفتيشا أو مراقبة وإدارة ودعما جيدا لا بد من توفير التكوين الجيد لجميع المتدخلين في المنظومة، وهذا يتعارض مع عدم الإشارة إلى هيأة التكوين والمكون.

في هذا السياق لا بد من تحية كل الجهود التي تهدف إلى تجويد التكوين والرفع من قيمته ومن مستواه لصالح المكون والمدرس والإداري والتلميذ والمجتمع ككل، وجعل تكويننا في مصاف التجارب التكوينية المتميزة التي أدت إلى تكوين أجيال متميزة من المدرسين كفايات وعلما وأخلاقا..

 

التكوين غير التدريس

من أجل جاذبية مهنة التكوين وجودته لصالح الأجيال المقبلة من المدرسات والمدرسين وغيرهم من الأطر بقطاع التربية والتعليم، فإن من الضروري فهم خصوصيته شكلا ومضمونا، لأن التمييز بينه وبين التدريس ضرورة وليس ترفا، رغم ما يقربهما من مشترك تربوي، لاختلاف الأدوار والوظائف والمهام، فدور المكون في منظومة التربية والتعليم يختلف عن دور المدرس، في طبيعة المهام المسندة لكل منهما، وطبيعة المستفيد وأهداف وغايات كل من التدريس والتكوين.

فإذا كان المدرس بما اكتسبه من معارف وقدرات واستعداد وتجارب سواء في مختلف أسلاك التعليم أو في الجامعة، أو في التكوين الأساسي والمستمر، أو من خلال تجربته في التدريس وتعامله مع الوضعيات المركبة في الفصل الدراسي، يعمل على تعليم المتعلم وتزويده بالمعارف والقيم والكفايات اللازمة حسب مستواه التعليمي وحسب الأحوال استجابة لحاجاته النفسية وذكائه الفارقي، فإن الدور الأساسي للأستاذ المكون ومهمته تقتضي منه ـ شيئا ما ـ مهارات مختلفة، ووعيا بممارسته التكوينية وتطويرا لها باستمرار من خلال البحث المستمر، فلا تكوين جيد بدون بحث علمي مواكب للعملية التعليمية الواقعية، وإعادة النظر في الوسائل والأداء والمناهج والبرامج والمقاربات..

علينا أن نقتنع أن وظيفة التكوين غير وظيفة التدريس، فهو لا يتعامل مع متعلمين صغار في السن ينتظرون منه أن يمدهم بالمعلومات والمعارف، إنه يتعامل مع أساتذة أو إداريين متدربين، حاصلين على شواهد عليا، مجازين أو حاصلين على الماستر أو حتى الدكتوراه، مقبلين على المهنة لتملك أسسها وتقنياتها، والمهم هو تهييئهم وإعدادهم لما سيمارسونه من مهام، تزداد تعقيدا وتشعبا مع الوقت، بأقرب المناهج التي تمكنهم من النجاح في عملهم وتطوير أدائهم، عن طريق تمهيد الطريق لهم ومدهم بالكفايات اللازمة لتحقيق العمل والهدف المنشود، وتزويدهم بالمعلومات واستبصارهم بالصعوبات والمشاكل المعرفية والعلائقية والتواصلية التي ستعترضهم، ومدهم بالطرق والاستراتيجيات التي تساعدهم على حل هذه المشاكل، وتقديم الحلول الملائمة المراعية لكل الوضعيات التي سيشاركون فيها المتعلمين أثناء القيام بمهامهم التربوية والتعليمية، بل توجيههم حتى في مشاركتهم الإدارية من باب الانخراط في المجالس والأندية التربوية وتدبير الحياة المدرسية، وتقديم الإرشاد في ما يحتاجه التقويم التربوي من دراية وحنكة، وتحتاجه دينامية مجموعة الفصل من تواصل وتنشيط..

وما قلناه عن تكوين المدرسين نقوله عن تكوين هيآت الإدارة والدعم، مع اختلاف في الشكل والمحتوى لاختلاف المهام، الشيء الذي يقتضي تكوينهم تكوينا جيدا يتلاءم أساسا مع الوظائف والمهام التي سيقومون بها في المستقبل، والمسؤوليات التي ستلقى على عاتقهم من خلال استشراف مستقبلي لمختلف الوضعيات الإدارية والتربوية، ومن تم يصير البحث الإداري التربوي ذا أهمية خاصة في التكوين الإداري، بالإضافة إلى التكوين التواصلي والتقويم المؤسساتي والإداري والمالي والتربوي..

وباختصار شديد، إن عمل المكون هو تلخيص التجارب واختزال الإعدادات ووضع السيناريوهات من أجل إعداد أطر التربية والتكوين من مدرسين وإداريين، لممارسة المهنة باستحضار لكل المستجدات والتصورات والتقنيات، وهذا العمل لا يمكن ان ينعت بأي نعت آخر غير التكوين، لأنه تكوين أساس من أجل ممارسة مهنة محددة ومنظمة، تكوين يمكن المتدرب من فرص النجاح نتيجة الخبرة والتجربة التي راكمها المكون في ميدان التدريس أو الإدارة والتكوين، ونتيجة توفره على مؤهلات لازمة في ميدان البحث العلمي التربوي والدراسات الأكاديمية في مجال التخصص وسواه..

 

الحرص على مواصفات مهنة التكوين

للحرص على الجودة، لا بد من تحديد مواصفات هذه المهنة، والمهارات التي تتطلبها مواردها البشرية، وتمتيعهم بالاستقلالية اللازمة للباحث في مجال تطوير التكوين ورفع مستواه، وقد فطنت الوزارة إلى أهمية التكوين الأساسي والمستمر، وستفطن حتما إلى ضرورة تحصين صفة المكون والباحث في مؤسسات التكوين، الذي إن لم يرسم دوره الحقيقي، لن تكون للتكوين الجودة المنتظرة، فلا يمكن تصور تكوين بدون مكونين، ولا يفيد مكونون موسميون، تسند إليهم الصفة وتتنزع دون استمرارية، وهذا بالضرورة يطرح قضية إعادة النظر في تكوين المكونين ولم لا اعتماد مؤسسة خاصة لهذا الغرض..

وليس هناك داع لاستبدال لفظة التكوين بغيرها، فهذا لن يطور التكوين في شيء، فستظل المراكز تقوم بعملها في تكوين مدرسي وأطر المستقبل، وحتما ستطور من أدائها في هذا السياق، إذا توفرت لها الظروف والشروط المناسبة للعمل…

ستبقى المهمة الأساسية لمراكز التكوين هي التكوين والبحث التربوي والإداري المساند والمطور لمهن التربية والتكوين..

وفي اعتقادي ليس التأهيل إلا جزءا من مهنة التكوين، ولا يمكن أن تؤهل شخصا ما مهنيا بدون أن يتلقى تكوينا أساسيا في المهنة ذاتها، في هذا السياق لا يمكن وضع التأهيل مكان التكوين إلا كمكمل له، وتلزم العودة بهذه المؤسسات إلى فكرة ووظيفة، تكوين موظفي القطاع تكوينا رصينا لا يميز بين العملي والنظري في إطار سيناريوهات تكوينية واضحة، لممارسة مهماتهم على أحسن وجه محيطين بكل المستجدات والإكراهات المستقبلية، منفتحين على ثقافة المجتمع والأفراد والمناطق والجهات مع العودة إليها لإنجاز بحوث في مستوى الدراسات العليا للبحث في الحلول لإشكاليات واقع المهنة ومتطلباتها..

إن التكوين عمل مزدوج يقتضي تأهيلا مزدوجا، فإعداد المتدربين لممارسة المهنة يقتضي أولا معرفة بالتدريس وثانيا معرفة بالتكوين.. ومعرفة بالإدارة والتكوين الإداري، والملاحظ أن مهمة أستاذ مكون إن وجدت على مستوى الواقع والممارسة، فإنها لحد الآن غير معترف بها كهيئة مهنية، مما يدعو إلى تدارك ذلك، لصالح جودة التكوين..

فأن تسند إلى المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، وهي الوريثة لمؤسسات التكوين الوطنية أقصد المركز التربوي الجهوي وتكوين المعلمين والمدارس العليا…التي أمدت القطاع بخيرة الأطر، مهمة التأهيل دون التكوين، فأمر يلزم أن يعاد فيه النظر…

إن التكوين وإعداد المتدرب لممارسة المهنة ليس بالأمر الهين، فلا بد للمكون من ممارسة وتجربة وتأهيل علمي مهني خاص.. لتمكين المتدرب كان مديرا أو أستاذا من قدرات متعددة لامتلاك وتقمص شخصية المهنة، وهي المهمة التي ستوفر الكثير من الجهد والوقت، وتنشر ثقافة الثقة والأمل في المؤسسات التعليمية، وتنقذ الكثير من المتعلمين من شطط ما أو أخطاء مهنية مفترضة وصراعات زائدة.. وتحارب الهدر والعنف وغيره من الظواهر اللاتربوية..

إن إدراك أهمية مهنة التكوين وخصوصيتها، سينعكس حتما على جودة التكوين، فلا يمكن تصور تكوين بدون مكونين..

وهذه المؤسسات بطبيعة عملها البحثي والأكاديمي، والمستوى العلمي للمستفيدين فيها من التكوين، من مستوى ما بعد الإجازة، لا يصلح بها إلا أن تكون مؤسسة للتعليم العالي ـ كما كانت في السابق ـ بمعنى مؤسسة تمارس البحث العلمي في مجال التكوين والتدريس والإدارة، طبعا بشراكة مع غيرها من المؤسسات ذات الصلة، لحل مشاكل التربية والتعليم في بلادنا وللسهر على تكوين الأطر تكوينا جيدا..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى