شوف تشوف

الرأي

عن عودة طارق رمضان

مدى الفاتح
مرت قضية الأكاديمي السويسري طارق رمضان بثلاث مراحل رئيسة، كانت كل منها تحرض على التوقف وتفرض التعليق، لكن حساسية الموضوع وغياب المعلومة الدقيقة كان يجعل أمر تحليل التداعيات المتسارعة صعبا.
أول تلك المراحل كان قبل ما يقارب العامين، إبان ظهور الأخبار الأولى عن توقيف رمضان في باريس، إثر بلاغ يتهمه بالاغتصاب. سرى الخبر سريان النار في الهشيم وسرعان ما تم تناقله بين وكالات الإعلام العالمية بتفاصيله المكررة، التي لم تنس أن تذكر بمكانة الرجل وتخصصه في مجال الإسلاميات.
شكّل الخبر صدمة وسط تلامذة طارق رمضان، ووسط الجالية الإسلامية في الدول الأوربية، خاصة الفرانكفونية. بالنسبة إلى الكثيرين كان رمضان يشكل وجها مغايرا وعابرا للقوالب المعتادة، التي يندرج تحتها عادة المتحدثون الدينيون، كما كان الأقدر بسبب لغته الرفيعة وتعليمه الأكاديمي المتقدم، وخبرته التدريسية في أرقى الجامعات والمنابر العلمية الأوربية، على أن يقدم الإسلام بشكله الحضاري المنفتح، الرافض للعنف والإرهاب، وهو ما أثبته خلال لقاءاته التلفزيونية التي كان يحاجج فيها حول دور الإسلام ونظرته للعلاقة مع الآخرين، ورؤيته للتعايش الإيجابي والاندماج.
تسببت تلك المكانة وذلك الوزن الخاص بصدمة غير مسبوقة، تنوع رد الفعل الأولي عليها بين الرفض التام، وعدم الرغبة في مناقشة ما تم اعتباره مؤامرة دنيئة تهدف إلى حرق الشخصية وللاغتيال المعنوي، والاستقبال الآخر على الجهة المقابلة أو المعادية التي أسعدها الخبر، فتوسعت في تناقله، وإضافة الكثير من التفاصيل وأنواع البهارات المختلفة إليه. أسعد هذه الجهات أن يتم تشويه أحد الرموز الإسلامية، التي كثيرا ما تحدثت عن التقوى والعفاف. كان هذا التشويه يقود، بشكل ما، للتشكيك في الإسلام نفسه، أو على الأقل في جميع المتحدثين باسمه.
المرحلة الثانية كانت مرحلة اعتراف طارق رمضان بعلاقته مع السيدتين اللتين اتهمتاه بالاغتصاب. كانت الصدمة هنا أكبر لكون هذا الاعتراف أتى بعد فترة طويلة من الإنكار، ولكونه جاء على لسان رمضان نفسه، ما جعل أي محاولة للدفاع أو التبرير أو الحديث عن المؤامرة غير ذات جدوى. سوف يشرح رمضان لاحقاً الأسباب التي دعته للكذب في البداية، والتي تتمحور حول محاولته حماية عائلته، بعد أن تم التعامل مع قضيته بشكل استثنائي كقضية رأي عام، يتكفل الإعلام بإتاحة كل مضامينها للشارع وهو يقول، رغم اعترافه بأن الكذب كان خطيئة أخرى، إنه لو كانت الجلسات سرية، أو كان الاعتراف محصورا بين الجهات المعنية لكانت ردة فعله مختلفة.
أما المرحلة الثالثة فكانت بعد الإفراج عن طارق رمضان وعودته إلى الحياة، بعد أشهر قضاها في محبسه. على عكس ما توقع أعداؤه فإن رمضان، ورغم اعترافه بخطئه وتوجهه باعتذار إلى أسرته وتلامذته وعموم الجالية الإسلامية والمسلمين، كان عازما على أن يلتقي بالصحافة والإعلام، فطلب لقاء إعلاميا مطولا ليحكي قصته كما يراها هو، لا كما يحب الإعلام أن تكون. سيحظى رمضان بهذا اللقاء، ولدهشة من تابعه، فهو لم يبد خلاله ميتا أو منكسرا. أكثر من ذلك فإنه لم يترك لمحاوره فرصة للشماتة حتى وهو يصفه بالكذب. كان رمضان يعرف كيف يخاطب المشاهد الغربي، حينما كان يقول إن الجريمة التي وضع بسببها في السجن أصبحت لا تتجاوز، وبعد سحب تهم الاغتصاب، مجرد إنكار علاقات سابقة، وإنه وإن كنا سنلاحق الناس بناء على مثل هذه الكذبات، فإن معظم الشعب الفرنسي سيبيت ليلته في السجن.
سوف ينتقل رمضان مجددا من التلفزيون إلى الإذاعة، وإلى أي منبر متاح.. سيعتذر رمضان مجددا، لكنه لن يسهب في الحديث عن شخصه، ولن يحاول تبرير خطئه، بل سيقود المتابعين إلى الزاوية التي تهم كل من يعيش في القارة الأوربية وكل من ينتمي إلى العالم الذي ينظر إليه على كونه عالما متحضرا ومتقدما. تلك هي زاوية العنصرية والتعامل وفق مناظير مختلفة، وحسب اختلاف هوية المعنيين. سنجد أنفسنا مرة أخرى ونحن نراجع تفاصيل عملية الاحتجاز والمحاكمة في مواجهة السؤال البسيط: هل كانت السلطة والإعلام الفرنسيان سيتعاملان بالطريقة ذاتها، لو كان المعني أوربيا «أصيلا» وليس «مجرد مهاجر» عربي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى