شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

عن عودة روسيا إلى إفريقيا

باسل الحاج جاسم

 

لم تكن الأولى، القمة المشتركة بين روسيا وإفريقيا التي استضافتها، قبل أيام، سان بطرسبورغ الروسية، واستغرقت أعمالها يومين، بحث فيها قادة من إفريقيا والرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعزيز الشراكة بينهما في أكثر من مجال، إلا أن توقيت هذه القمة الثانية يأتي في ظروف شديدة التعقيد على طرفيها.

طرأت متغيرات كثيرة في العالم طرأت منذ قمة سوتشي الروسية الإفريقية الأولى عام 2019، وتلاها تكثيف نشاط الدبلوماسية الروسية في العواصم الإفريقية، سيما بعد اشتعال الأزمة الأوكرانية، وتشديد العقوبات الغربية على موسكو، بالتزامن مع ازدياد المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا، وعدم تمديد اتفاق البحر الأسود للحبوب، الذي حافظ على التوازن في الأسعار، ومنع وقوع أزمة غذاء عالمية، وتعتبر روسيا من الدول الأولى التي تصدر القمح إلى القارة السمراء، وأكدت أنها مستعدة لتوفير الحبوب مجانا لست دول الأكثر احتياجا في إفريقيا.

وكان الكرملين قد نشر في 23 الشهر الماضي (يوليوز)، قبل أيام من القمة الروسية الإفريقية، رسالة من الرئيس الروسي، أكد فيها عزمه تكثيف العمل في مجالات عديدة، بما فيها التكنولوجيا والطاقة والاستكشاف الجيولوجي، إضافة إلى النووي والصناعات الكيمياوية واستثمار المناجم والمواصلات، واعدا أيضا بـ«توسيع شبكة السفارات والمكاتب التجارية» الروسية في إفريقيا.

وفي إشارة واضحة إلى تزايد النفوذ الروسي في القارة السمراء، بعد مرحلة انكفاء خلال السنوات التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي، امتنعت قرابة 20 دولة في مارس 2022 من التصويت لصالح قرار أممي يدعو روسيا إلى سحب قواتها العسكرية من أوكرانيا، ومن هذه الزاوية اكتسبت القمة الروسية الإفريقية بعدا إضافيا أرادت روسيا تحقيقه، وإثبات الوجود في وقت تحاول فيه الدول الغربية تعزيز العزلة الدولية التي فرضتها على موسكو، وتعاني كذلك حكومات إفريقية من سوء إدارة وفساد، وفي بعض الأحيان عزلة دولية، ما يوجِد بيئة تسمح لروسيا بممارسة نفوذها في القارة السمراء، واستخدام روسيا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، لصالح حلفائها يجعلها ذات أهمية إضافية لبعض دول إفريقيا الخاضعة للعقوبات الغربية.

ترغب روسيا من تعزيز نفوذها في القارة السمراء، في إيجاد أسواق بديلة عن أوروبا وأمريكا، بعد العقوبات الغربية الاقتصادية. ورغم غنى إفريقيا بالموارد الطبيعية، وكونها سوقا كبيرة يمكن أن تساعد روسيا في تجاوز العقوبات الغربية، لا يزال التبادل التجاري بين الطرفين، باستثناء تصدير الأسلحة، ضعيفا. وفي رسالته إلى الدول الإفريقية، كتب بوتين إن التبادلات التجارية بين بلاده وإفريقيا ارتفعت في عام 2022 لتصل إلى 18 مليار دولار، عكس الصين التي سجلت 282 مليار دولار من التبادلات مع إفريقيا، والاتحاد الأوروبي 254 مليار دولار وأمريكا 83 مليار دولار.

تعتمد روسيا اليوم على تاريخ طويل للعلاقات مع دول القارة السمراء أقامتها موسكو السوفياتية منذ ستينيات القرن الماضي، ولكن الشراكة مع إفريقيا تراجعت مع انهيار الاتحاد السوفياتي، وانسحبت موسكو الروسية تدريجيا من إفريقيا، بسبب التفاتها إلى أزماتها ومشكلاتها الداخلية. وتستند موسكو في إعادة تنشيط علاقاتها مع إفريقيا، على حقيقة مفادها بأن روسيا لم تكن أبدا قوة استعمارية في القارة السمراء، ولم يكن لها طموحات إمبريالية، كما تولى أفارقة عديدون درسوا في بلدان الاتحاد السوفياتي السابق مناصب قيادية في بلدانهم، وحافظ عديدون منهم على التواصل مع روسيا.

ومن بين مجالات الشراكة التي تريد روسيا تعزيزها اليوم مع القارة الإفريقية قطاع التسليح، وسبق لموسكو أن كشفت في السنوات الماضية عن رغبتها في تعزيز الشراكة العسكرية مع دول عديدة في إفريقيا، والاتفاقيات التي شهدتها قمة سان بطرسبورغ ليست جديدة، حيث كان الاتحاد السوفياتي من أهم موردي الأسلحة إلى الدول الإفريقية خلال الحرب الباردة، كما لم يقتصر الدعم العسكري فقط على توريد الأسلحة.

وبالتوازي، وسعت أيضا مجموعة «فاغنر» العسكرية الروسية الخاصة، رقعة وجودها وتأثيرها في كل من إفريقيا الوسطى ومالي وموزمبيق والسودان وليبيا. ووفق معهد ستوكهولم الدولي للسلام، كانت روسيا مصدر 44 في المائة من الأسلحة التي تم بيعها إلى الدول الإفريقية بين 2017 و2021.

وعلى الرغم من تراجع الصادرات العسكرية الروسية إلى إفريقيا، إلا أنها تشكل إحدى وسائل النفوذ الروسي في المنطقة، وأداة تأثير سياسي على دول في القارة. وفي الوقت نفسه، تكتسب أهمية لدول إفريقية تنظر إلى شراكتها العسكرية مع روسيا على أنها ورقة استراتيجية في ظل رغبتها في التخلص من الهيمنة الفرنسية. وأكد بوتين، في ختام القمة الروسية الإفريقية الثانية، أن روسيا مستعدة لتزويد إفريقيا ببعض الأسلحة مجانا لتعزيز الأمن في القارة، بينما قال رئيس المفوضية الإفريقية، موسى فكي، إن روسيا أول دولة قدمت الدعم لإفريقيا في مواجهة الاستعمار والعبودية، ونوه بالتزام روسيا بالمساعدة والتدريب وتعزيز قدرات الكادر البشري في القارة.

يبقى القول، في ظل استمرار المواجهة مع الغرب، إن الدول الإفريقية لم تكن في منأى عن الضغوط الغربية للحد من التعاون العسكري مع موسكو، بالإضافة إلى حالة الاضطراب وعدم الاستقرار في بعض دول القارة، والتي تجعل إقامة تحالفات طويلة عملية معقدة، مع الأخذ بالاعتبار أن روسيا ليست الدولة الوحيدة التي تحاول تعزيز نفوذها في إفريقيا.

 

نافذة:

تستند موسكو في إعادة تنشيط علاقاتها مع إفريقيا على حقيقة مفادها بأن روسيا لم تكن أبدا قوة استعمارية في القارة السمراء ولم يكن لها طموحات إمبريالية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى