شوف تشوف

الرأي

عن جيل عبد الناصر وصباح الأحمد

مالك التريكي

من عجيب الموافقات أن تتزامن وفاة المغفور له الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح، مع ذكرى وفاة جمال عبد الناصر.
ولم يأت عبد الناصر وصباح الأحمد من عصرين مختلفين، بل إنهما ينتميان إلى الجيل ذاته، حيث لا يفصل بين مولد الزعيم المصري (عام 1918) ومولد الأمير الكويتي (عام 1929) سوى عقد واحد. وأيا كان حكم التاريخ على الجيل القيادي العربي الذي مضى بأكمله، وأيا كانت التقييمات لأدائه في مواجهة تحديات التنمية والحريات، فإنه لا جدال أن ذلك الجيل قد كان يتسم بسمتين: أولا أنه كان جيلا عروبيا واعيا بانتمائه، طامحا إلى تحقيق نهضة ترفع شأن العرب بين الأمم، وثانيا أنه كان يعرف ما الذي حدث في القرن العشرين من جسيم الأحداث وعظيم التحولات عالميا وعربيا. وربما يبدو أن هاتين السمتين، أي عروبية الموقف ومعرفة التاريخ، من الأوليات والبسائط بحيث لا يصح أن تعدا من حميد المزايا.
ولكن الفارق هائل بين جيل يقرأ وجيل لا يقرأ. فقد «نشأ عبد الناصر في ظروف توقظ الوعي الاجتماعي والسياسي مبكرا»، كما روى محمد حسنين هيكل في حوار مع الصحافي محمود المراغي في أواخر شتنبر 1995، بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل الزعيم المصري: «نشأ عبد الناصر فقيرا، فلم يهرب من الفقر. ماتت أمه وهو في الثامنة من العمر، فتألم كثيرا. التحق بالعمل العام من خلال القراءة أولا، فتحسس مجتمعه الفقير بالتجربة، وتحسس مجتمع العالم واستكشفه من خلال القراءة».
ويضيف هيكل أن الصحافي السويسري جورج فوشي، الذي نشر عام 1959 كتابا ذاع صيته بعنوان «عبد الناصر وفريقه» قد وثق عناوين الكتب التي قرأها عبد الناصر أيام الشباب، حيث تقصى فوشي الأمر في كل من دار الكتب المصرية ومكتبة الكلية الحربية، فتبين له أن عبد الناصر استعار من دار الكتب مؤلفات في الأدب (مثل «العبرات» للمنفلوطي) واستعار من مكتبة الكلية كتبا في التاريخ. وحين كان يستعد لكتابة ما يعادل رسالة الماجستير في الكليات العسكرية (وقد كان موضوع رسالته عن الدفاع عن مصر كما تصوره ألنبي في الحرب الأولى) حاول استكشاف النظريات المتعلقة بالدفاع عن مصر ابتداء من الإسكندر الأكبر إلى يوليوس قيصر، فالفتح العربي فالحروب الصليبية والدولة العثمانية. وقد بلغت كتب التاريخ التي استعارها 51 كتابا.
أما الأستاذ توم ليتل فقد كتب، في عدد خريف 1960 من الفصلية الأكاديمية البريطانية «شؤون دولية»، أن أبرز ما يلفت الانتباه في كتاب فوشي هو التركيز على شدة اهتمام عبد الناصر بالتاريخ، وخصوصا بالسير والتراجم، حيث يقول إن فوشي «يعرض بكل عناية قائمة الكتب التي قرأها عبد الناصر، منذ زمن الشباب حتى قبيل انقلاب 1952، كاشفا بذلك شغفه بسير الزعماء والعظماء». وقد كان ضمن الكتب التي قرأها، في ما كان طالبا في الكلية الحربية، كتاب روبرت غريفز عن سيرة لورنس العرب، وكتاب تشرشل «حرب النهر» عن حملة الجيش البريطاني ضد الثورة المهدية في السودان، وكتاب جون بيوكان عن «الجنرال غوردون في الخرطوم»، وكتاب ليدل هارت عن سيرة الجنرال الفرنسي فردينان فوش، القائد الأعلى لقوات الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وكتاب إميل لودفيغ عن سيرة نابليون. والذي يبدو من قراءاته أن أكثر الزعماء إثارة لاهتمامه هم الإسكندر، ونابليون، وبيسمارك وأتاتورك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى