انتهت مباراة نهائي كأس العرش، فرقص الرجاويون فرحا وضرب العسكريون كفا بكف حزنا.
انتهت المباراة مساء الاثنين ولكن يبدو أن عشرات المناصرين خرجوا ولم يعودوا، منهم من تتمدد أجسادهم فوق أسرة المستشفيات ومنهم من يجلسون القرفصاء في الزنزانات، ومنهم من ينتحلون صفة سائحين يعرضون أجسادهم على الشمس والرمل.
وصلت أنباء معركة أدرار إلى الإعلام البلجيكي الذي تناقل صور مشجعين ليسوا كباقي المشجعين، وقوافل سيارات مدججة بالحجارة والسيوف والعصي، ومقتطفات من رشق بالحجارة بين شبان مقنعين يحاربون بحماس كأنهم كتيبة فدائية لفصيل حماس.
تساءل صحافي بلجيكي، عن مدى صحة الصور المفزعة، عن حقيقة مذابح أدرار، عن الجناة من يكونون وعن الضحايا وما ذنبهم وعن القضية التي يسترخصون الدماء من أجلها؟
رد محلل، يشارك في نقاش لا أعرف كيف انتقل من تحليل منافسات كأس أوربا إلى كأس العرش، بلكنة ساخرة: «ربما هي صور كواليس فيلم يجري تصويره في جنوب المغرب»، وانخرط الطرفان في نوبة ضحك.
تسلل السجال إلى المونديال، وقال الصحافي متسائلا: «هل يمكن تنظيم كأس العالم في بلد يعيش على إيقاع التطرف الكروي»؟
بين قسوة السؤال ورعب الجواب، يتحول الربط بين المونديال ودم الملاعب إلى مضاف إليه مجرور. ويصبح مصير ضيوف المونديال معلقا في مشجب الخوف من غاسق إذا وقب.
لكن الصحافة لم تسلم من القصف بالحجارة، قبل وأثناء وبعد المباراة، فحين كان أحد الزملاء ينقل مباشرة لحظة توافد الجمهور العسكري على ملعب أدرار، استهدفته حجارة من سيارة كانت تقل مناصرين، سقط المراسل السوسي مغمى عليه، وحين استفاق اكتشف أن أنفه محطم ومعنوياته مهشمة، فصرف النظر عن المباراة وسجل شكاية ضد مجهول.
حين انتشر مقطع الفيديو الذي يؤرخ للواقعة، وظهرت لائحة الترقيم الخاصة بالسيارة، عاد السائق من حيث أتى، كي لا يسقط في كمين أمني، بينما تفرق رفاقه بحثا عن وسيلة تعيدهم إلى قواعدهم سالمين.
ليس «مول الشجرة» هو الإعلامي الوحيد الذي تعرض لغارات أدرار، فمخافر الشرطة في أكادير تحفظ عشرات الشكاوى التي سجلت ضد معلوم أو مجهول، بينما أقسام المستعجلات حققت أعلى درجات استقطاب لضحايا الكرة.
هل أصبحت أكادير الساحرة بسبب الكرة وجهة رياضية خطيرة لا يجرؤ الكثير من المناصرين العسكريين والرجاويين والوداديين على زيارتها؟
ألا يحتاج الصحافيون اليوم إلى لباس واق وقبعة تقي الرأس من الحجارة؟
ألسنا اليوم في أمس الحاجة إلى دليل علمي للصحافيين في بؤر التوتر؟
في ملاعب الكرة يستباح دم الروح الرياضية، وتصبح للمباريات ذخيرة وعتاد ودخان، في المدرجات يتم ترسيم الحدود بين الفصائل، وتنتشر قوات حفظ السلام في المعابر المقلقة، ويصبح قرار وقف إطلاق الشهب النارية ساري المفعول بعد صافرة النهاية.
سيأتي علينا يوم يبتلع فيه محللو ظاهرة عنف الملاعب ألسنتهم ويعلنون استسلامهم، وسيداهم الندوات التي تدين الشغب كتائب المقنعين فتصادر مكبرات الصوت وتعتقل المحاضر، وتحول المتدخلين إلى رهائن.
لكن كم عدد المتيمين بحب فرقهم، من أتباع الطريقة التشجيعية في زمن أصبح للكرة زهاد ومتصوفة وخوارج؟
على بعد أسابيع قليلة من تنظيم الإحصاء العام للسكان والسكنى، أقترح إضافة سؤال الانتماء الرياضي للاستمارة، حتى نتوفر على بيانات حول عدد مشجعي كل فريق وعقيدتهم الكروية. ولو على سبيل الاستئناس.
أيها المشجع الأعزل: تب فإن التشجيع فحشاء، مع الاعتذار لأحمد مطر.