عنف مضاعف
كشف وزير الصحة أمام البرلمان، بداية الأسبوع الجاري، أن 15 في المائة من النساء غير العازبات، اللائي تتراوح أعمارهن ما بين 15 و49 سنة، تعرضن للعنف خلال 12 شهرا الأخيرة. وبحسب تقرير المرصد المغربي للعنف ضد النساء، الذي كشف عن أرقامه أول أمس، فإن 63748 سلوكا عنيفا مورست على النساء خلال السنة الجارية. بالتأكيد هاته الأرقام المفزعة المعلن عنها رسميا بعيدة جدا عن الرقم الحقيقي، فالعديد من حالات الاعتداء على النساء لا يتم التبليغ عنها، ويفضّلن مواجهة تعنيفهن بالصمت، خاصة عندما يتعلق الأمر بالاعتداءات الجنسية أو النفسية.
بدون شك أن وتيرة تعنيف النساء ظلت مستمرة على الرغم من إصدار قانون يستهدف محاربتها والحدّ منها، فثقل البعد الثقافي يتفوق على القانون والنصوص لا تستطيع تغيير الذهنيات، فما زلنا نعيش وسط مجتمع ذكوري يركز على سلطة الرجل على حساب كرامة المرأة وحقوقها. فالنسق التربوي الذي نشأنا فيه منذ الصغر داخل الأسرة والمدرسة والحي، يعطي حظوة للذكر، كما أن الممارسات المتعلقة بتعنيف المرأة تذكيها الأعراف والتقاليد المخجلة. والمؤكد أن الأسباب الجذرية لكافة أنواع العنف الممارس ضد النساء، رغم وجود ترسانة من القوانين المهمة، لا زالت موجودة ولم تتم معالجتها من جذورها بشكل حاسم، وهي، على وجه الخصوص، عدم تكافؤ علاقات القوة بين الرجل والمرأة، وعدم المساواة بينهما، والتمييز في مختلف مناحي الحياة العامة والخاصة. لذلك، فإن تركيز الجهود للحد من رقعة العنف ضد الجنس اللطيف، يجب أن ينصب على إصلاح الهياكل التي يرتكز عليها والمتغلغلة في جميع مناحي الحياة، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، كما لا بد من تغيير الأعراف الاجتماعية التي تتسامح مع العنف وتديمه.
ينبغي أن نفهم أن العنف ضد النساء من أكبر خروقات حقوق الإنسان التي ترتكب بحق المرأة، لأن هذا العنف كسلوك مشين يلغي حقها في المساواة والكرامة والشعور بتقدير الذات. لذلك آن الأوان لكسر هذا الطابو الذي تعيش في ظله عشرات الآلاف من النساء، مسلحات بلغة الصمت وعدم التبليغ عن العنف والتحرش.
إن المظاهر المادية للعنف تجاه النساء متعددة ولا تقتصر على تلك المتعلقة بالاعتداء الجسدي والجنسي والنفسي، لكن أخطر منها مظاهر العنف المعنوي المتمثل في سلب الأمن والطمأنينة، والحط من الكرامة والاعتبار، والإقصاء من الدور والوظيفة، والإخلال بالتوازن والتكافؤ. ويكفي أن ننظر إلى تعيينات حكومتي بنكيران والعثماني في المناصب العليا طيلة سبع سنوات، لندرك أننا أمام حكومات تعاني من مرض «السكيزوفرينيا».. تشهر ورقة محاربة العنف ضد النساء للكسب السياسي، ولا تقدم أي شيء يمكن أن ينهي هذا العنف واستئصاله من جذوره.