شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

عنصري بامتياز

 

محمد إبراهيم الدسوقي

 

الصحافي الأمريكي الشهير «توماس فريدمان» اسم رنان في الأوساط الإعلامية العالمية، وأحد المعدودين على أصابع اليد الواحدة، الذين يحظون بمكانة رفيعة ومقدرة بين كُتاب المقالات، وله باع وخبرة ميدانية عريضة بشؤون الشرق الأوسط، الذي عمل فيه مراسلا قرابة عشرة أعوام متصلة، ومن القلائل الذين تُفتح لهم أبواب القادة والساسة والحكام أينما حل بالقارات الخمس، خاصة بمنطقتنا العربية، فهو مرحب به على مدار الساعة.

الاستهلال السابق بطاقة تعريف لازمة بـ«فريدمان»، الذي ارتكب خطأ فادحا لا يغتفر، أوضح من خلاله عنصريته واحتقاره للآخر، حيث كتب مقالا في صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، استخدم فيه مملكة الحيوانات كمدخل للحديث عن حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، وشبه العرب والإيرانيين بالحشرات والدبابير الطفيلية، واستفاض في التجول بمملكته الحيوانية، واصفا الولايات المتحدة بالأسد، وحركة «حماس» بعنكبوت الباب، ولإضفاء موضوعية زائفة، نعت رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» بـ«القرد».

ربما استقر في عقل «فريدمان» أنه انتهج خطا مغايرا عن الشائع عند الكتابة عما يجري – ولا يزال- من مآس دامية في غزة والضفة الغربية، وأن مكانته السامقة تجعله يفعل ما يحلو له دون اعتراض ولا امتعاض من أحد، وصور له غروره أنه سيكون موضع احتفاء وتصفيق، مثلما تعود من المبهورين دائما بكتاباته وكتبه وأفكاره، التي يتبناها مع الأسف والألم ثلة من النخبة العربية، ويعتبرونها الصواب الكامل.

لكن وصمة العار الأخيرة، ممثلة في مقاله المشار إليه، في رأيي المتواضع، أسقطت عن وجهه القناع الزائف الذي خدع به الكثيرين بكونه ليبراليا متفتحا، ومناصرا للتقارب بين الحضارات والأمم، وأظهر حقيقته ككاتب عنصري بامتياز ينظر للآخرين باستعلاء من فوق السحاب، ويُكن لهم كراهية شديدة لأن هذه الحيوانات، حسبما شبهنا، تجرأت ووقفت بتحد وندية في وجه سادتهم وكبرائهم من الأمريكيين والإسرائيليين، وأشعروهم بالضآلة والضعف، بعدما حسبوا أنهم لن تقوم لهم قائمة، أو يرفعوا صوتهم في وجوههم.

لو كان «فريدمان» موضوعيا ومتوخيا المعايير المهنية المتعارف عليها بوسائل الإعلام، كما يدعي ويزعم، ألم يكن حريا به عوضا عن هراء مملكة الحيوانات أن يُشخص العلة بأمانة ونزاهة، بحكم نفاذه إلى دوائر صناعة القرار بالشرق الأوسط وكواليسها، والمعلومة بالضرورة من الكافة، وهي الاحتلال الإسرائيلي البغيض الجاثم على صدور الفلسطينيين، والبؤر الاستيطانية السرطانية بالأراضي الفلسطينية، وعنف ونازية المستوطنين الإسرائيليين، الذين يعيثون فسادا وتخريبا وقتلا دون رادع ولا زاجر يُوقفهم عند حدهم، وأن «نتنياهو» يسعى فقط إلى حماية نفسه بإطالة أمد الحرب، وهو ما أشار إليه وزير خارجية بلاده «بلينكن» على استحياء عقب آخر جولاته بالمنطقة؟

ولماذا لم يستغل «فريدمان» مساحته الثمينة بصفحة الرأي في «نيويورك تايمز»، لعرض الحقائق الماثلة أمام سمع وبصر الجميع من مجازر ومذابح يتضاءل أمامها ما وقع في «الهولوكوست» لليهود على يد الجيش النازي بالحرب العالمية الثانية، وفضح انحياز واشنطن والعواصم الغربية الأعمى إلى إسرائيل، الممنوحة صكا مفتوحا بأن تفعل ما بدا لها، بصرف النظر عن وضاعته وخسته وغض الطرف عنه، فهم يتركون الفعل ويوجهون تركيزهم كله نحو رد الفعل؟

وعلى قدر غضبي وانزعاجي من مقال «فريدمان»، فإن ما فاق انزعاجي منه كان اللامبالاة حياله من جهتنا بالبلدان العربية، واقتصار التنديد على نفر من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، فيما صمتت الجهات الدولية والعربية، التي تحتفي كل حين بزيارة «فريدمان»، ولم يوجه ولو عتاب أو استنكار مبطن إلى مسؤولي «نيويورك تايمز» لسماحهم بنشر هذا الخطاب العنصري، والذين لا يتجاسرون على نشر كلمة واحدة يُشْتَمُّ منها، ولو من بعيد، أنها ستغضب إسرائيل واللوبي الذي يدافع عنها بالمؤسسات الأمريكية، وهل كبر علينا حتى من باب ذر الرماد في العيون أن نبدي الاستياء والرفض مما خطه «فريدمان»، ولنفرض أن كاتبا عربيا لجأ لنفس طريقته لتشريح مواقف بلاده وحلفائها من باب الحيوانات أيضا، فكيف سيكون الحال حينها، وهل بلغ بنا الهوان هذا الحد البائس؟!

نافذة:

لماذا لم يستغل «فريدمان» مساحته الثمينة بصفحة الرأي في «نيويورك تايمز» لعرض الحقائق الماثلة أمام سمع وبصر الجميع من مجازر ومذابح يتضاءل أمامها ما وقع في «الهولوكوست» لليهود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى