شوف تشوف

الرأي

عندما يهذي معاليه

يونس جنوحي

يبدو أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يحتاج إلى دروس دعم وتقوية في التاريخ. فقد أثار تصريحه بخصوص العلاقة بين الأمير عبد القادر الجزائري والرئيس الأمريكي جورج واشنطن موجة من السخرية في العالم العربي، إذ إن الأمير عبد القادر لم يولد إلا بعد وفاة جورج واشنطن بتسع سنوات.
والحقيقة أن الأمر يتعلق بإهداء مسؤول أمريكي لمسدسين كتذكار للأمير عبد القادر فعلا، ولكن في منتصف القرن التاسع عشر. ويتعلق الأمر بسياق مجاملة لا غير. إذ إن الأمريكيين كانوا إلى حدود سنة 1900 يعتبرون السواحل الجزائرية منطقة غير آمنة، ويتجاوزونها قادمين من تخوم آسيا ولا يتوقفون للتزود بالمؤن الكافية لقطع المحيط الأطلسي صوب الولايات المتحدة، إلا في مدينة طنجة.
ولا يوجد أي مرجع، حتى لو اضطر الرئيس الجزائري إلى اختراعه أو تأليفه بنفسه، يؤكد أن العلاقات الأمريكية- الجزائرية كانت عميقة في ذلك الوقت.
ولا بأس، إن كان وقت الرئيس الجزائري يسمح بطبيعة الحال، كان الله في العون، لكي نخبره أن حفيد الأمير عبد القادر الذي يفتخر به، عاش في طنجة خلال الربع الأخير من القرن 19 هاربا من الجزائر، حيث اشتغل مترجما ومستشارا لهيئات دبلوماسية أجنبية.
وفي الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة قد فتحت أول تمثيلية دبلوماسية لها في العالم كله وسط المدينة القديمة في طنجة قبل 200 سنة بالضبط، لم تكن أي سفينة أمريكية لتغامر بالوقوف في ميناء بسواحل الجزائر، ببساطة لأن المنطقة لم تكن مطروحة في خريطة القوى الاقتصادية الكبرى.
وبما أن موضوع قِدم العلاقات قد أثير، فلا بد أن يعلم الرئيس الجزائري والذين أخبروه بتلك المعلومة المغلوطة، أن بداية التواصل الجزائري- الأمريكي لم يكن إلا بمبادرة من السلطان العلوي المولى عبد الرحمن. أي أن المغرب كان له دور كبير في ذلك التواصل. فوالده المولى سليمان كان أول من منح بناية المفوضية الأمريكية هدية للأمريكيين حتى لا يضربوا ليبيا وسواحل الجزائر، حيث لم يكن هناك بعدُ أي بلد اسمه الجزائر، بسبب تعرض سفينة أمريكية لهجوم من طرف قادة الجهاد البحري في ليبيا. وجاء الأمريكيون وقتها إلى القصر الملكي ورفعوا احتجاجهم إلى المغرب ليتدخل المولى سليمان بن محمد ويعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية ويفتح باب الصداقة معها مُجنبا ليبيا ضربة عسكرية.
وفي عهد ابنه المولى عبد الرحمن، تدخل المغرب لكي يفتح باب الصداقة بين بعض الجزائريين والولايات المتحدة الأمريكية في عز أزمة الاستعمار التركي للبلاد. حيث طلب بعض الجزائريين اللجوء إلى طنجة، خوفا على أموالهم، وكانت أول بعثة أمريكية زارت الجزائر نزلت أصلا في طنجة وذهبت إلى الجزائر في مهمة برية عادت منها بعد أسابيع إلى مقر المفوضية في المنطقة الدولية بالمغرب. إذ إن الجزائريين الذين كانوا يعملون في إدارات العثمانيين، هربوا إلى طنجة، بعد دخول فرنسا إلى بلادهم سنة 1830، وكانوا يفضلون التعامل مع البريطانيين والأمريكيين على التعامل مع الاستعمار الفرنسي.
وإلى حدود الحرب العالمية الثانية، كان سكان طنجة معتادين على مواعد وصول البواخر العسكرية الضخمة إلى شاطئ المدينة، وكانوا يقفون بعد صلاة العصر قرب البحر لتأمل منظر تلك السفن العملاقة وهي تتزود بالمؤن لكي تواصل رحلتها عبر المحيط إلى أمريكا. وكثيرا ما كان بعض ركاب تلك السفن ينزلون إلى طنجة قصد الراحة من حركات الموج ليومين أو ثلاثة ليجدوا أنفسهم يتخذون قرار الاستقرار النهائي في المغرب ليصبحوا طنجويين.
حدث هذا كله في وقت كان أحفاد الأمير عبد القادر الجزائري يتصارعون في ما بينهم على “المسدسين” اللذين يقول معالي الرئيس، في نوبة هذيان، إن جورج واشنطن أهداهما إلى الأمير، رغم أنهما لم يلتقيا في الدنيا، فيما لا أحد يعلم أصلا مصير أحفاد الأمير ولا مصير المسدسين!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى