شوف تشوف

الرأيمجتمع

عندما يموت المُصورون..

يونس جنوحي

عندما يموت الأثرياء، تقسم ثروتهم على عائلاتهم. لكن عندما يموت المُبدعون، تتفرق ثروتهم بين القبائل.

وهذا ما وقع لأكثر من مصور عالمي عمل في المغرب. مناسبة هذا الكلام، عرض بعض الصور النادرة عن المغرب للبيع في مواقع عالمية لبيع الصور، بأثمنة خيالية، رغم أن الذين التقطوا هذه الصور ماتوا على الأقل منذ أكثر من ثمانين عاما.

صور توثق للحياة اليومية للمغاربة في مغرب الثلاثينيات والأربعينيات، التقطها مصورون من جنسيات مختلفة. مصورون فرنسيون وآخرون أمريكيون وإيطاليون وألمان، وحتى فيتناميون.

صورة التقطها مصور من فيتنام، توقف في المغرب سنة 1942 عندما كان مسافرا على متن باخرة شحن أمريكية قطعت به المحيط الأطلسي، وتوقفت في ميناء الدار البيضاء في شتاء تلك السنة، للتزود بالمؤونة، ثم تواصل طريقها في اتجاه قناة السويس ومنها إلى موطنه الأصلي.

هذه الصورة توثق، رفقة ألبوم من خمس صور أخرى، للحياة اليومية داخل حي «بوسبير» الشهير في الدار البيضاء. حيث التقط صورا لنساء الحي وهن يجلبن الماء من السقاية، وحولهن أطفال عراة يحدقون في الكاميرا بكثير من الفضول.

هذه الصور تعرض للبيع بمبلغ أربعة آلاف دولار للصورة الواحدة، ولا أحد يعلم كيف وصلت إلى تلك المنصة العالمية لبيع الصور، على اعتبار أن صاحبها، الذي كان يبلغ من العمر حوالي 40 عاما وقتها، يستحيل أن يكون قد باعها بنفسه إلى الموقع.

عدد كبير من المصورين حول العالم، يُعرض أرشيفهم في معارض تقام بملايين الدولارات ولا تنال عائلاتهم أي نصيب من عائدات عرض تلك الصور الأصلية أو بيعها إلى جامعي التحف.

وهناك صور تستعمل في الأرشيف، خصوصا في المجلات المتخصصة، والأفلام الوثائقية، توفي أصحابها قبل سنوات طويلة، ولم تستفد عائلاتهم من عائدات تلك الصور التي غامروا بأرواحهم في سبيل الحصول عليها.

المصورة الأمريكية «فيفيان مايير» قضت أزيد من أربعين عاما في التقاط صور للحياة اليومية في مدينة شيكاغو الأمريكية، خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وسافرت إلى آسيا والتقطت صورا كثيرة هناك. ولم تعرض أعمالها نهائيا، إلى أن توفيت وتركت صندوقا مليئا بالصور، بيعت في المزاد بثلاثمائة دولار فقط، اشتراها شاب كان يريد الحصول على صور لكتاب تاريخي.

هذه الصور تساوي اليوم ملايين الدولارات، وتعرض في معارض دولية في عواصم أوروبية وعالمية، واستعملت في أعمال وثائقية ضخت الملايين في حسابات منتجيها. لكن ماذا نالت «فيفيان»؟ لا شيء.

الأمر نفسه ينطبق على المصورين القدامى الذين عملوا في المغرب. عملوا في ظروف صعبة جدا، والتقطوا صورا تعتبر اليوم لوحدها مرجعا تاريخيا مهما. وتوجد الآلاف منها في المنصات العالمية لبيع الصور. لكن ماذا استفاد أصحابها؟ في أفضل الأحوال تُكتب أسماؤهم بخط صغير جدا، يلزمك مجهر لقراءتها بشكل صحيح.

في سنة 2012، تحركت بعض أسر وورثة مصورين عملوا في وكالات أنباء دولية خلال الحرب العالمية الثانية، وطالبوا بالتحرك دوليا لإعادة الاعتبار إلى ذكرى أجدادهم، الذين عملوا مصورين خلال الحرب، والتقطوا صورا من قلب المعارك. وتلك الصور عرضت في مناسبات احتفالية وأفلام وثائقية ،وبعضها طبعت في واجهات المعارض، ولم تتم الإشارة نهائيا إلى أصحابها الحقيقيين الذين قاموا بأعمال بطولية حاملين معهم الكاميرا. وفعلا اعتذرت أكثر من جهة لتلك العائلات، وتم تصحيح الخطأ.

من يستطيع عندنا أن ينبش في تاريخ المصورين المغاربة؟ أغلبهم ماتوا وهم لا يملكون حتى ثمن اقتناء لتر من ماء تحميض الصور، علما أنهم قضوا أزيد من نصف أعمارهم وراء آلة التصوير، وخلدوا للحظات تاريخية مهمة، وصورهم عرضت في الصحف والمجلات والمعارض، ووثقوا لأحداث من قبيل زلزال أكادير، والمسيرة الخضراء، وأقوى لحظات طواف المغرب للدراجات، واحتفالات فاتح ماي، قبل أزيد من نصف قرن. وبعض أعمال هؤلاء المصورين تباع في منصات بيع الصور، بما معدله خمسمائة دولار للصورة الواحدة على الأقل.. بدون علم عائلاتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى