عندما يلعب الكابرنات بالنار
لا يمكن وصف افتتاحية شهر يناير لمجلة الجيش، التي تصدرها مؤسسة «الكابرنات»، سوى بأنها إعلان حرب، فالمحبرة التي صيغت بها الافتتاحية تعني الشروع في دق طبول المنازلة العسكرية، لمواجهة ما يسميه الكابرنات «المخططات العدائية» و«المناورات المفضوحة» التي تستهدف الجزائر من طرف المغرب وتتطلب التفاف كل المواطنين الغيورين حول دولتهم وجيشهم.
وتحاول مجلة العسكر أن تقنع الجزائريين بأن بلادهم تشهد تهديدات ومخاطر آتية من المغرب بعد عودة العلاقات المغربية- الإسرائيلية، وأن «مواجهة هذه المخططات العدائية تتطلب التفاف كل المواطنين الغيورين والمدافعين عن بلادهـم حول دولتهم وجيشهم لإفشال وإحباط المناورات المفضوحة التي عودتنا المملكة على انتهاجها كلما ضاقت بها السبل واشتدت عليها الأزمات والمحن».
الجميع، بمن فيهم قادة الجيش، يدركون أن افتتاحيتهم مليئة بالمغالطات والأكاذيب التي يسوقون لها دون حياء، فالمغرب كما قال ملك المغرب لن يكون يوما مصدر خطر وشر على الجزائريين، لأنه دولة لها تاريخ ضارب في القدم، وتفهم جيدا معنى حسن الجوار، وتعي قيمة الماضي المشترك والأخوة في الدين والقومية، لكن مع ذلك فعسكر المرادية يحاول الاصطياد في الماء العكر وجر شمال إفريقيا إلى التوتر بأي ثمن وتحت أي ذريعة.
إن القارئ المتفحص لافتتاحية العسكر، ينتهي إلى أربع حقائق لا مفر منها، الحقيقة الأولى تؤكد أن مؤسسة الجيش هي التي تحكم فعلا في الجزائر مع بعض مظاهر التجميل «المدنية»، وأن القرارات المصيرية كلها تطبخ في مطبخ القيادة العسكرية وبمنطق الغنيمة والحرب. أما الحقيقة الثانية فتعني أن دولة الكابرنات لم تعد تملك خيارات كثيرة أمام الانتصارات الديبلوماسية والاستراتيجية للمغرب أخيرا، فلجأت كعادتها لتسويق نظرية العدو الخارجي المتربص بالجزائر الذي يحاول النيل من النجاحات الوهمية التي يحققها نظام العسكر سياسيا واقتصاديا.
أما الحقيقة الثالثة فتشير إلى الاهتزاز النفسي للنظام الجزائري الذي لا يتعب من رمي المغرب بأقدح الأوصاف والاتهامات الرخيصة، وهو ما يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الرعب من المغرب والخوف من توجهاته الجيوسياسية التي ستعيد الكثير من التوازن الإقليمي، بلغت أهدافها وأن صياح عسكر الجزائر في افتتاحياتهم وإعلامهم يتم على قدر ألمهم.
والحقيقة الرابعة أن النظام العسكري الجزائري يحاول بكل الطرق الهروب إلى الأمام من المطالب الشعبية الداعية إلى تنحي القيادة العسكرية عن الحكم وفتح المجال أمام الدولة المدنية، وهو ما يزعج نظام شرنقيحة ويجعله يصب جام غضبه على المغرب.
تعلم مؤسساتنا السيادية أن عسكر شنقريحة لا يقدرون على خوض الحرب ولا يستطيعون تحمل كلفتها السياسية والأمنية والاجتماعية لأنهم نظام عسكري مارق، ولا يستند لأي شرعية شعبية، لكنهم يقومون بتسويق الوهم وترويج منتوج الأزمة الداخلية الحادة وراء غطاء خطاب الحرب، ومع ذلك يجب القول إن من كتب الافتتاحية ومن أوحى بكتابتها يلعبان بالنار بشكل فج وخطير.