شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

عندما يصبح الوحل لغتهم الرسمية

 

مقالات ذات صلة

 

نعيمة لحروري

 

بماذا تشعر عندما ترى رئيس دولة داخل قبة البرلمان، أمام نواب الأمة، وبين الميكروفونات والكاميرات، يختار التعبير عن أفكاره بلغة يمكن وصفها بأنها “زنقاوية” من الطراز الأول؟

قبل يومين، منحنا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مشهداً فريداً من نوعه، عندما وصف كاتبا جزائريا معتقلا بأنه “لص ومجهول الهوية والأب”.

لو سمعت هذا الكلام في مشاجرة بين اثنين من أطفال الأزقة، قد تتحرج وتسرع لتهدئة الوضع. ولكن، عندما يصدر هذا الكلام من رئيس دولة يفترض فيه تمثيل كرامة بلده أمام شعبه والعالم، فلا تملك إلا أن تتساءل: هل هذا خطاب رئيس أم تفريغ شحنة غضب؟

لم يكن مفاجئا أن تصفق أيادي النواب بحرارة لهذه العبارات. فهؤلاء لم يُنتخبوا ليعارضوا أو حتى يناقشوا. لا، بل وُجدوا فقط ليدعموا “القائد” ويشاركوه حفلة الوحل السياسي. تصفيقهم كان إعلاناً رسمياً عن قبول الوضاعة كمبدأ حاكم في الحياة السياسية الجزائرية.

الغريب أن الرئيس لم يرفع صوته بهذه الحماسة إلا عندما تحدث عن فرنسا وعلاقتها بالمغرب بعد اعترافها بمغربية الصحراء. يبدو أن مجرد ذكر المغرب ومبادرة الحكم الذاتي يدفع النظام الجزائري إلى حالة من الهستيريا التي تجعل الكلمات تفقد كل وقارها وتتحول إلى شتائم لا تليق إلا بمن فقد توازنه تماما.

لا يمكن فصل هذا المشهد عن سياق أوسع. الوضاعة لم تعد مجرد سلوك فردي في الجزائر. أصبحت لغة دولة، أسلوبا معتمدا يُروج له في الإعلام، وعلى لسان مسؤولين حكوميين، وحتى المؤثرين الذين يحتلون المنابر الرسمية. تكريم “نجوم الوحل” أصبح تقليدا رسميا.

لكن، وراء كل هذه الشتائم، يبدو واضحا أن الأزمة أكبر. هي أزمة نظام يشعر أنه يتهاوى تحت وقع النجاحات المغربية.

فبينما تنشغل الجزائر بشتم جيرانها، يستمر المغرب في حصد الإنجازات: من الاعتراف بمغربية الصحراء، إلى مشاريع استراتيجية تربط شمال القارة بجنوبها. هذه التطورات أربكت النظام الجزائري لدرجة أنه بات يبحث عن أي وسيلة لإيقاف عجلة التقدم، حتى لو تطلب ذلك إهانة كرامة مواطنيه أمام العالم.

ما حدث كان درسا مؤلما عن الانحدار، لكنه أيضاً فرصة للتأمل: كيف تحوّلت الجزائر، الدولة التي ألهمت العالم بثورتها، إلى دولة تتحكم بها عصبة ترفع الوحل إلى مستوى الخطاب الرسمي؟

ما أتعس أن تكون جزائريا اليوم، وأنت ترى منصب رئيس الدولة يتحول إلى منصة رسمية لتشريع لغة القاع، وتسويق الشتائم على أنها سياسة خارجية!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى