عندما مات مغاربة مريرت وآسفي برصاص البوليس الفرنسي
يونس جنوحي
علمتُ، من مصدر داخل حزب الاستقلال، أن الحزب عمل على قرار «إضراب عام» خلال ذلك اليوم، بينما نفى قادة آخرون من حزب الاستقلال ذلك، لأنهم لم يستدعوا العمال في المصانع، بحكم أن الحزب لم يكن قادرا على تحمل تعويض عن أجرتهم اليومية. لكن، بحسب الفرنسيين، فإن حزب الاستقلال لم يستدع عمال المصانع لأنهم لم يكونوا ليوافقوا على خوض الإضراب.
هناك سجلات رسمية للقضايا القانونية التي رُصدت في اليوم نفسه ويمكن تفحصها ومراجعة مضامينها.
الحادثتان الأكثر خطورة وقعتا في مريرت، بالقرب من خنيفرة، وفي آسفي.
وتعمدتُ أن أدرج المدينتين معا في خط مسار رحلتي وأقمتُ مقارنة بين الروايتين المحلية والرسمية.
في بلدة مريرت الصغيرة رفض بعض أصحاب المحلات التجارية قرار الإغلاق. استعمل مناضلو الحركة الوطنية القوة، وتم استدعاء البوليس وحدثت بعض الاعتقالات. خرجت القضية من طابعها السياسي، تقريبا، وأصبحت مسألة قَبَلية. سبق لي أن أشرتُ إلى موضوع استقلال وتضامن القبائل الأمازيغية مع بعضها البعض، ومع وجود بعض رجالها في قبضة الشرطة، كان من السهل إثارة الروح القبلية لدى بقية أفراد القبائل، وأجروا بعض المحاولات لتحريرهم، وبدأوا يرشقون مقر الشرطة بالحجارة ثم حدث الأسوأ. بعد استفزازات من هذا القبيل أعطيت التعليمات للشرطة بإطلاق النار وقُتل تسعة أفراد.
في آسفي، وقع حادث بالطريقة نفسها، ولكن في اليوم الموالي لما وقع في مريرت. هنا قُتل أربعة متظاهرين.
بطبيعة الحال الرجال القتلى أصبحوا تلقائيا شهداء، ولهذا السبب لم تصدر أي تصريحات محسوبة على حزب الاستقلال تعلن عن اعتبارهم كذلك.
هناك نقاش قديم. إذا قُتل الناس في أعمال عنف، فهل يُلقى اللوم على الشرطة أم على السياسيين الذين حرضوا الناس، عن قصد أو بدونه، على ارتكاب أعمال الشغب؟
اعتُقل أكثر من أربعمائة شخص، خلال المظاهرة، ووجهت لبعضهم تهمة ارتكاب العنف وبعضهم اتُهموا بتحريض الآخرين على ارتكابه. حُكم على معظمهم بالسجن وألقي القبض على آخرين لأنهم كانوا جزءا من الغوغاء، ووجهت لهم تهمة رفض التفرق من المظاهرة، عندما أمرتهم الشرطة بذلك، وأغلب هؤلاء أطلق سراحهم بعد التحقيق معهم.
أعلن الفرنسيون أن الاستفزاز كان وراء حالات العنف. لقد حدثت بالتأكيد وكان لا بد من اتخاذ إجراءات قمعية. وقيل إن الأمر يتعلق بتداعيات قليلة ومتفرقة، هذا إن وُجدت أصلا.
مما لا شك فيه أن المناطق المعنية بأحداث أعمال العنف صارت الآن هادئة، وأصبح الناس مستعدين نفسيا لمناقشة ما وقع في ذلك اليوم. يزعم الفرنسيون، أيضا، أن الإجراءات الصارمة للشرطة حالت دون حدوث المزيد من المظاهرات.
عندما كنتُ في المغرب مرت مناسبتان مُهمتان. فاتح شهر ماي، يوم العُمال، وهو مناسبة مفضلة لحزب الاستقلال لاستعراض القوة والهيمنة في صفوف العمال، لكنه كان، أيضا، يوم عطلة عامة وممتعة استمتع بها المسؤولون الفرنسيون كثيرا، ثم يوم السادس عشر من ماي، ذكرى الظهير البربري الذي يكرهه الوطنيون، بشدة، أكثر من أي عمل آخر قام به الفرنسيون.