شوف تشوف

الرأي

عندما قاد الخميني ثورته من العراق

وائل عصام
لعل أكثر الفترات التي حرض فيها الخميني أتباعه في إيران للقيام بالثورة، هي الفترة التي قضاها في النجف في العراق من عام 1965 إلى عام 1978.
13 عاما قضاها الخميني تحت حكم القوميين للعراق، منها 10 سنوات كان فيها صدام حسين نائبا للرئيس، ومسؤولا عن أكثر الملفات الحساسة أمنيا، ومنها إشرافه المباشر على وجود الخميني كلاجئ لسنوات، إلى أن طرده من العراق في عام 1978، قبل عام واحد فقط من انتصار الثورة الخمينية.
وهذا ما يؤخذ على صدام حسين حينها، إذ إنه استضاف الخميني لسنوات، وسمح له بالتحريض ضد الشاه، ونشر دعوته في إيران، من خلال أشرطة الكاسيت التي كانت تصدر من النجف، وقبل عام واحد من تسلم الخميني السلطة، قطع صدام علاقته به وطرده وحوله إلى عدو، إرضاء للشاه، ولو تخيلنا أن الخميني عاد منتصرا لإيران قادما من العراق، لكانت هناك فرصة للعراق بإقامة علاقة أقل عدائية مع نظامه، ربما..
ذهب الخميني إلى باريس، لعام واحد، بعدما رفضت الكويت دخوله قادما من العراق، فرأى أنصاره في فرنسا خيارا عاجلا، بسبب أن الإيرانيين حينها لا يحتاجون إلى «فيزا» لدخول فرنسا، فسافر إلى باريس، وبعد دخوله بفترة ناقش الرئيس الفرنسي وجوده كلاجئ سياسي معارض لحكومة صديقة، كحال المئات من المعارضين السياسيين، لحكومات بلادهم الصديقة للغرب، وبعد أن قضى عاما واحدا، نضجت ثورته وعاد قافلا لبلاده بانتظار أنصاره، من الفقراء ومن تجار البازار الأثرياء أيضا، الذين لعبوا دورا محوريا في دعم ثورته والمظاهرات المعارضة لحكم الشاه، ولعل أهمها المظاهرة الصاخبة التي دعمها تجار البازار بعد مقتل مصطفى، ابن الخميني، عام 1977، ولم يتوقف دعمهم لتحركاته، حتى اللحظة التي وطأت فيها قدماه أرض مطار طهران، إذ إن تجار البازار الإيراني تكفلوا حينها بدفع تكاليف طائرة الخميني وحجزها بالكامل من الخطوط الجوية الفرنسية، بل دفعوا مبالغ كبيرة لتأمين الطائرة.
لكن اللافت حقا، هو تقديرات القيادة العراقية، وعلى رأسها صدام حسين، بأن دعم واستضافة الخميني ونشاطه طوال سنوات في النجف، سيؤدي إلى إسقاط الشاه وتكوين حكومة قريبة من حكم البعث في العراق، إذ سمح العراق له بجلب مناصريه ولجوئهم إلى العراق، بل جلب جثمان ابنه مصطفى بعد اغتياله في إيران لدفنه في النجف، بموافقة خاصة من رئيس الجمهورية آنذاك أحمد حسن البكر، وسمح له ببث إذاعة «النهضة الروحية»، التي قدم منها الخميني أفكاره للإيرانيين من النجف وباللغة الفارسية، بل إن وساطته قبلت من صدام حسين بإلغاء حكم الإعدام عن حسين الشيرازي، الذي واصل العمل التنظيمي حتى اغتيل في لبنان عام 1980، كذلك قامت السلطة العراقية بالاصطفاف لجانبه ضد باقي مرجعيات النجف، الذين عادوه بسبب علاقته بالحكومة العراقية ونعتوه بالجاسوس، أي إن الحكومة العراقية فعلت ما لم تفعله حتى الحكومة التركية، التي استضافته على مضض عام 1964 لعام واحد، وضيقت عليه ولم تسمح له حتى بالخروج بالملابس الدينية، في مرحلة كانت علمانية متطرفة ضد أي رموز دينية.
يقول برويس رايدل، الخبير في مركز بروكنغ للأبحاث، ومسؤول مكتب إيران في المخابرات الأمريكية عام 1978، «إن المخابرات العراقية ساعدت الخميني في إدارة عملية «تخريب سرية» من النجف ضد الشاه. وشكلت رحلة حج الشيعة الإيرانيين إلى النجف، غطاء مفيدا للتواصل مع متعاونين من داخل إيران»، ويضيف رايدل، وسط انتقادات بأن أجهزة الاستخبارات الأمريكية قد فشلت في توقع الثورة: «أيا كان إخفاق الاستخبارات الأمريكية، من الواضح أن العراقيين لم يتوقعوا قوة الثورة وحجمها، هذه الثورة التي ساهموا في خلقها، من خلال دعم الخميني طيلة سنوات في النجف». ويختتم رايدل قائلا: «أبعد صدام الرجل الذي كان يعمل لسنوات ضد الشاه، قبل لحظة انتصاره. وكان ذلك خطأ فادحا». ويعلق برويدل أن كل تلك الحروب «كانت نتيجة الأخطاء التي ارتكبها صدام في عامي 1978 و1979».
أما مستشار الأمن القومي، زبيغنيو بريجنسكي، فقال ملخصا السياسة العراقية التي قدرت أنها ستنجح باستغلال الخميني في العراق طيلة 13 عاما في سبيل معارضة شاه إيران، ومن ثم تحول الخميني لعدو يشن الحرب على العراق لـ8 سنوات، وقال بريجنسكي في رسالة كتبها للرئيس الأمريكي جيمي كارتر، بحسب رايدل: «إن العراق ألزم نفسه بأمور لا يمكن تحقيقها».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى