عندما غادر البرتغاليون «مازاگان» تركوا رجلا منهم لكي يفجّر الألغام بين المغاربة
يونس جنوحي:
توقفتُ عند محطتين مخصصتين لتعبئة الطماطم، إحداهما كانت عبارة عن تعاونية والأخرى كانت مملوكة للخواص وتشتري الغلة من المُزارعين المحليين. الإنتاج كان واسع الانتشار والحقول كانت محمية من الرياح عن طريق أسوار مصنوعة بالقصب.
ثم، ونحن نتجه مُسرعين بالسيارة في اتجاه الشمال، كان محمد يصرخ من شدة الحماس والفرح. كان الرجال يعملون في أشغال الطريق بآلة الأسطوانة البخارية وتعرّف على مجموعة العُمال الذين كان أخوه من بينهم.
قد يظن المرء أن الأخوين افترقا لسنوات. واختار بقية الرجال أن يستقبلوني بطريقتهم الخاصة. كانوا على وشك تناول وجبة منتصف النهار، وأصرّوا على أن ننضم إليهم. طُبخ الطعام على جانب الطريق، في قِدر موضوعة على حفرة صغيرة مشتعلة بالنار. وظهر أن القِدر كانت تحتوي على قطعة صلبة من لحم الغنم، البطاطس والطماطم، ومعها رغائف صغيرة من الخبز.
كانت الخِدمة، بالضرورة، غير مُريحة. كانت تقاليد «الضيافة» طاغية، لكني أشك ما إن كان عُمال الطّرق البريطانيون يستمتعون بوجبة أفضل من هذه.
«مازاگان» مدينة أخرى بها قلعة برتغالية عتيقة. عند وصولنا، لم أتفاجأ عندما أخبرني أحد الأطفال أن «أورسن ويلز» استغلها لكي تكون مسرحا لفيلمه «عُطيل»، ثم اقترح عليّ أن أدفع له عشرين فرنكا مقابل هذه المعلومة. يجب أن يعرف السيد «ويلز» مغربه بالتأكيد، وقد كانت اختياراته فعلا جيدة.
خطط البرتغاليون لاحتلال «مازاگان»، بعكس المدن الأخرى على طول الساحل، لمدة 267 سنة. في الأخير، وتحت هجوم متواصل، قرروا إخلاءها. تخلّف رجل واحد منهم عن الرحيل وبقي في المدينة لكي يُفجّر الألغام بعد أن احتل المغاربة المدينة. لم يستطع أحد أن يخبرني ماذا كانت ديانة الرجل، لكن لا بد أن البرتغاليين، بدون شك، منحوا أرملته معاش تقاعد مناسبا.
كانت المدينة مهجورة لسنوات، ثم جاءت مُستعمرة من اليهود وطلبوا الإذن لكي يقطنوا بها وأحفادهم يعيشون خلف أسوارها المتينة اليوم.
الآن بدأ محمد يعود إلى عاداته القديمة والسبب أن الدار البيضاء، مسقط رأسه، باتت أمامنا.
كان مشهد المدينة مذهلا عند مشاهدتها من المناطق المرتفعة المحيطة. تقريبا كل المدن المغربية تبدو مزدحمة داخل أسوارها العتيقة، لكن الدار البيضاء تمتد فوق مساحة أميال مربعة من الأراضي، ولم يكتمل توسعها بأي حال من الأحوال.
يبدو أن الأمور في غير محلها بالمغرب. بدل ذلك، كانت المدينة تبدو وكأنها فكرة رجل فرنسي مشابهة لـ«شيكاغو» تكتمل بناطحات السحاب ومعارض «لافاييت».
الفصل الحادي عشر:
البيت الأبيض
إنها كازابلانكا، وليست إلا ما يجب أن يكون عليه «البيت الأبيض». ومع ذلك، فإن «كازانوفا» ستكون مناسبة تماما. ومرجع التسمية، هنا، ليس اقتراحا من أحد الليبراليين المتحررين، ولكن لحداثة المدينة وطرازها. البرتغاليون الذين احتلوا ما كان سابقا عبارة عن ميناء عتيق، كانوا يطلقون عليها اسم «كازا برانكا». ورغم كل شيء، الجميع يطلقون عليها اليوم اسم «كازا»، ببساطة.
احتل الفرنسيون المكان سنة 1907، وكانت المدينة وقتها عبارة عن ميناء صيد صغير يسكن بالقرب منه 5000 نسمة. لسنوات، كان الفرنسيون «يَقرِضون» الساحل المغربي إلى أن تمكنت شركة فرنسية، في الأخير، من الحصول على امتياز بناء ميناء في الدار البيضاء.