شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

عندما سير العسكر المدن ضباط دبروا الشأن المحلي ببذلات الجيش

عادة ما يظل العساكر خارج التجاذب السياسي، إلا في بعض دول إفريقيا جنوب الصحراء، فباسم المرحلة الانتقالية يغادر الضباط الثكنات ويدخلون مقرات السلطة ويدبرون الشأن المحلي وهم يرتدون بذلات عسكرية.

وبغض النظر عن تقييم أداء المسؤولين المدنيين، فإن البعض يحن لزمن حكم فيه عسكريون المدن والقرى بالضوابط العسكرية الصارمة، بعيدا عن المشورة والليونة والرأي المضاد، فكانت التعليمات تنفذ أولا والملاحظات قد تأتي لاحقا أو لا تأتي.  

في زمن ولى أطاح العسكري بالسياسي، قبل أن يستعيد هذا الأخير كرسي الرئاسة، ويتناوب عليه تارة مع التيقنوقراط. ليست المشكلة في أن يكون الساسة من خلفية عسكرية، العديد من القادة حتى في الدول الديمقراطية العتيدة ارتدوا اللباس العسكري وتدرجوا في الرتب، ولكن آخر عهدهم بنياشينهم كانت تحولهم نحو السياسة، فمن مبادئ الدولة الحديثة أن القيادة السياسية بصبغتها المدنية هي المرجعية، حتى في القرار العسكري.

خلال فترة تدبير العسكر للشأن المحلي، كانت الصرامة والطاعة العمياء، عنوانا للمرحلة، وكان الحوار المجتمعي مؤجلا باسم ضرورة المصلحة. وغالبا ما يتعامل الضباط/ العمال مع المخالف سياسيا تماما كما يتعامل مع العدو في الميدان، أو على أقل تقدير الجندي عند عصيانه للأوامر.

في الملف الأسبوعي لـ”الأخبار” نعيد ترتيب أوراق مرحلة كان فيها العسكر يحكم المدن، وفترة زمنية استعانت فيها الداخلية بضباط بملامح صارمة، أنجبت جيلا من العمال العساكر من قبيل عمر أقوداد والصفريوي والعموني وبلعربي وبن عيسى واللائحة طويلة.

 

حسن البصري

 

بن سليمان.. دركي تصدى للانقلابيين حين كان عاملا على طنجة

يعد حسني بن سليمان من أبرز الأسماء الدكالية التي تبوأت المشهد العسكري، وهو المنحدر من قبيلة أولاد افرج، وتربطه أواصر الدم بعائلة الجباص بالجديدة التي أنجبت آل الخطيب.

ولد حسني في 15 دجنبر سنة 1935 في مدينة الجديدة، وفيها تلقى تعليمه الأولي قبل أن يلتحق بالتعليم العسكري، في مكناس وسانتسير الفرنسية، ليتولى مجموعة من المهام الأمنية في سلك الأمن الوطني كما عين عاملا لأقاليم طنجة والقنيطرة ومكناس، ورقي في أعقاب انقلاب الصخيرات إلى رتبة قائد للدرك الملكي وهو المنصب الذي ظل يتولاه إلى أن أحيل على المغادرة.

حتى وهو يتجاوز سقف الثمانين عاما ظل الرجل يتمتع بقامة وجسد رياضيين، إذ يمتطي دراجته العادية كل صباح في جولة تقوده إلى الهرهورة، يحرص على متابعة أخبار البطولة الوطنية وهو المتيم بحب الجيش الملكي الذي كان يحرس مرماه ويرأس مكتبه المسير، فضلا عن عشق دفين للدفاع الحسني الجديدي، ورئاسته للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم التي زادته حظوة عند الحسن الثاني. نادرا ما ينزع الرجل نظارته السوداء ليرى شمس صباحه العسكري بمقر مكتبه الخاص بالقيادة العامة للدرك الملكي.

التحق حسني بن سليمان بصفوف القوات المسلحة الملكية المغربية بعد أن تلقى تكوينا في مدرسة “سانتسير”. في عام 1965 عين قائدا لوحدات التدخل السريع.

في عام 1967 عين نائبا للمدير العام للأمن الوطني قبل أن يتولى بعض المهام بوزارة الداخلية بعد أن تدرج في عدة مناصب منها المندوب السامي في الشبيبة والرياضة إبان حكومة ابا حنيني، حيث عين عاملا على عدة مدن منها مكناس والقنيطرة وطنجة والتي ارتبط بها بخطابه على موجات الإذاعة خلال الانقلاب العسكري بالصخيرات، لطمأنة الشعب على حياة الملك الحسن الثاني ومن خلال الدور الذي لعبه في الانقلاب، سيصعد نجم حسني ليتولى قيادة الدرك الملكي ومؤسساته ومراقبة الجيش المغربي أثناء إعادة هيكلته من طرف الملك الراحل والجنرال مولاي حفيظ العلوي. وفي عهد الملك الراحل الحسن الثاني تمت ترقيته إلى رتبة قائد للدرك الملكي المغربي. وهو المنصب الذي بقي يتولاه إلى أن تم تعويضه بمساعده محمد حرمو.

 

محمد الخامس يكلف الضابط اليوسي بتعيين عمال الأقاليم 

منذ عودته من المنفى سنة 1955، ربط الملك محمد الخامس علاقات وطيدة مع المكون الأمازيغي بالمغرب، وراهن بقوة عليه مباشرة بعد رجوعه إلى أرض الوطن، لمواجهة تطلع حزب الاستقلال إلى الهيمنة على الحياة السياسية المغربية، حيث كانت للرجل رغبة في إشراكهم في تسيير شؤون البلاد، عوض الاعتماد على رجال حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال، بهدف خلق توازن في القوى السياسية بالبلاد التي كانت حديثة العهد بالاستقلال.

يقول الباحث سعد الحمري، في رصده للصراع الذي كان قائما بين اليوسي وحزب الاستقلال: “اعتمد الملك محمد الخامس على الحسن اليوسي، الذي تم تعيينه كأول وزير داخلية في تاريخ المغرب المستقل، وقد كان أول امتحان وضع أمام هذا الرجل، هو مهمة اختيار عمال الأقاليم، وكان عليه أن لا يثير غضب حزب الاستقلال، الذي كان يرغب في وضع بعض أعضائه عمالا على بعض أقاليم المملكة، فكان اختيار اليوسي للعمال الذين وافق عليهم محمد الخامس منهم المدنيون والعسكريون وجاءت التعيينات كالتالي: أحمد بركاش عاملا على مدينة الدار البيضاء، عبد الحميد الزموري عاملا على إقليم الشاوية، المحجوبي أحرضان عاملا ناحية الرباط، عباس التازي عاملا لمدينة الرباط، محمد جنان عاملا على عمالة مكناس، الفاطمي بن سليمان عاملا على عمالة فاس، محمد الخياري عاملا على عمالة تازة، محمد بن العالم عامل لعمالة وجدة، عبد السلام الصفريوي عاملا عمالة إقليم الجديدة، عدي وبيهي عاملا على عمالة تافيلالت، في حين تأخر تعيين عامل مراكش، لأن الباشا التهامي الكلاوي كان على فراش الموت في تلك المرحلة”.

قام الملك محمد الخامس يوم 19 دجنبر 1955، بتسليم هؤلاء العمال ظهائر تعيينهم كأول عمال أقاليم في تاريخ المغرب المستقل، وألقى فيهم كلمة جاء فيها: “إنكم الآن على أهبة الالتحاق بمقار مناصبكم الجديدة مزودين بتعليمات ضرورية ستمشون على ضوئها ريثما تحدد لكم اختصاصاتكم”، كما أوصاهم بأن هدفهم هو القضاء على فكرة التفرقة بين العرب والأمازيغ.

ويعتبر المرحوم لحسن اليوسي من أهم الشخصيات التي لعبت دورا سياسيا وعلميا وإداريا وروحيا، لم تكن له من عقيدة سياسية سوى وفائه للملك، واستقامته ونقاء روحه الأمازيغية ورباطة جأشه. عاش ابن صفرو حياة الوجاهة خاصة بعد أن عينته السلطات الاستعمارية قائدا على أحواز صفرو، لكنها سرعان ما أقالته من منصبه بسبب مواقفه، خاصة  رفضه توقيع عريضة الكلاوي المؤيدة لنفي الملك محمد الخامس.

لكن الملك سيبدي غضبا من الحسن اليوسي، خلال محاكمة عدي وبيهي عامل إقليم تافيلالت يوم 22 دجنبر 1958، بمحكمة العدل الخاصة بالرباط، بتهم ثقيلة: “المس بأمن الدولة وقطع الطريق على المواطنين وحصار القرى واحتلال مراكز البريد، واعتراض سبيل الجيش المغربي، والتواطؤ مع دولة أجنبية وتوزيع السلاح من أجل التمرد على النظام”. خلال جلسات المحاكمة فاجأ عدي الجميع حين كشف عن مساندته من طرف الحسن اليوسي الذي كان حينها يشغل منصب وزير التاج.

 

الشريف الدليمي.. أول عامل على إقليم وادي الذهب

اسمه الكامل الشريف الدليمي ولد ابراهيم ولد المختار، ورتبته العسكرية كولونيل ماجور وأحد قادة الجيش المغربي في حربه ضد الانفصاليين بالصحراء، وحين توفي بعث الملك محمد السادس رسالة تعزية لأسرة الشريف الدليمي، قال فيها: “نبعث لكم أحر تعازينا وأصدق مواساتنا، في رحيل وطني غيور كان في طليعة المقاومين الأبرار في أقاليمنا الجنوبية العزيزة، الذين أبلوا البلاء الحسن، وقدموا التضحيات الجسام، في سبيل الحرية والاستقلال، واستكمال الوحدة الترابية للمملكة، في وفاء صادق للعرش العلوي المجيد، وتشبث مكين بثوابت الأمة ومقدساتها”.

لقد كان الشريف الدليمي أول عامل لإقليم وادي الذهب، منبث أجداده، حين عينه الملك الحسن الثاني سنة 1979 كأول عامل على إقليم الداخلة وادي الذهب وهو عامل إقليم بوجدور وقائد وحدات العسكرية لأولاد ادليم آنذاك، وأحد رجالات الصحراء الكبار، وشيخ قبيلة أولاد ادليم، وكان من المساهمين في تحرير إقليم وادي الذهب من الاستعمار الإسباني، وشارك في المسيرة الخضراء المظفرة وفي عدة معارك تاريخية، ضد البوليساريو. وكان من بين المجموعة التي قدمت البيعة للحسن الثاني.

لم يكتف الملك بتعيين عامل وادي الذهب، بل كلفه بتشريف إعداد لائحة رجال السلطة المساعدين، فقدم له قائمة بأسماء رجال سلطة مدنيين وعسكريين بلغ عددهم 18 قائدا قاسمهم المشترك حب الوطن. “عرضت اللائحة على إدريس البصري الذي ابتسم أثناء تفحصها وقال مستهزئا “كازا وما فيهاش 18 قائد”، قبل أن يعرضها بدوره على أنظار الحسن الثاني رحمه الله الذي قال له: “دير لي قالك الدليمي الشريف وماشي خسارة فيهم وإلا أرادوا أكثر أعطيهم. ووقع المغفور له على ظهائر تعيينهم في نفس اليوم”.

 

أبو الحمص.. الكولونيل عامل البيضاء الذي قتله اعبابو مرتين

حين كان الانقلابي أعبابو يبحث  في أرجاء قصر الصخيرات عن الملك الحسن الثاني، شرع في تصفية حساباته الشخصية مع الجنرالات والضباط الذين  كانت له معهم منافسة أو خصام.

طلب اعبابو من الجنود إنزال أربعة جنرالات وكولونيل من سيارة رباعية الدفع . نزل الجنرالات الأربعة تباعا،  ثم نزل قائد الدرك الملكي الكولونيل بوعزة أبو الحمص، تبين أن عداوة راسخة بين هذا الأخير وقائد الانقلاب، بسبب التنافس بين الأكاديمية التي يرأسها اعبابو ونظيرتها التي يرأسها أبو الحمص.

دار حوار بين الرجلين:

قال  اعبابو لأبو الحمص  بأدب: “تفضل كولونيل”.

ثم التفت إلى الضابط محمد المرزوقي  وقال  له:

“اقتله، اقتله”.

صدم المرزوقي من هذا الأمر، وفكر في طريقة يتجنب بها التورط في قتل رجل بريء

:  يتذكر المرزوقي في مذكراته تلك اللحظات العصيبة

“تظاهرت  بعطب وقع في رشاشتي وأخذت أجر ما يسمى الكولاس إلى الوراء، أعبابو في هذه اللحظة رمقني بنظرة حادة وكأنه يختبر صدقي، وفي هذه اللحظة تطوع  ضابط تلميذ وأطلق النار على الكولونيل، كان مشهدا فظيعا. سقط أبو الحمص ولكنه لم يمت، كان يحتضر، فعاد اعبابو ووضع قدمه فوق رأسه وأطلق النار وهو يقول: “هكذا يكون القتل”.

لم يكن بوعزة يعتقد أن قدره يقوده إلى نهايته الدامية، كان ضيفا على الملك في عيد ميلاده قبل أن يلقى حتفه من طرف ضابط انقلابي، لكن مدير مدرسة تكوين الدركيين قبل أن يعينه الحسن الثاني عاملا على مدينة الدار البيضاء لفترة قصيرة، ثم قائدا عاما لجهاز الدرك الملكي وهي الصفة التي كان يحملها حين تمت تصفيته في الصخيرات.

بعد شهرين على المجزرة، سيتم تنصيب قائد جديد لجهاز الدرك الملكي حضره كل من الجنرال إدريس بنعمر وباحنيني وزير الدفاع، حيث تم تنصيب الليوتنان كولونيل حمو أرزاز أولحاج قائدا للدرك خلفا للشهيد بوعزة أبو الحمص.

 

محمد منصور.. عسكري وسياسي وأول عامل للحسيمة

قبل أن يحصل المغرب على استقلاله، ظل المقاوم محمد منصور يرفض الأضواء ويجد متعة في خلوته ببيته العتيق بحي الأحباس في الدار البيضاء، وفي أحسن أحواله يشد الرحال إلى منطقة أولاد حريز ليمتع العين بمسح لأراضي “التيرس” الخصبة.

اقترح “سي محمد” على أصدقائه المقاومين الانسحاب من المشهد السياسي مباشرة بعد الحصول على الاستقلال، وقال: “لو قيض لي العيش حتى رؤية استقلال المغرب، سأقترح على زملائي المقاومين الحقيقيين المرور في استعراض أمام الملك الوطني محمد الخامس بلباس أبيض، ثم نعود إلى مواقعنا العادية كمواطنين غفل مثل باقي الناس”.

لكن بعد الحصول على الاستقلال فوجئ باستدعاء استدعاه للمثول أمام وزير الداخلية المحمدي إلى مكتبه بالرباط، هناك أشعره بقرار محمد الخامس القاضي بتعيينه عاملا على إقليم الحسيمة، لكن لحريزي رفض المنصب، فطلب منه الوزير أن يعبر عن موقفه بنفسه لولي العهد مولاي الحسن.

يقول الباحث في تاريخ المقاومة المغربية لحسن لعسيبي، “التقى منصور ولي العهد وأخبره باعتذاره عن ذلك المنصب، فأجابه سموه أن عليه إقناع الملك الوطني محمد الخامس بذلك. فتوجه إلى القصر ليعبر عن ذات الموقف لجلالته، لكنه وجد أمامه المسؤول عن البرتوكول بناني، الذي ترجاه أن يغير لباسه العسكري الكاكي ويلبس اللباس الرسمي لأن مجموعة العمال الجديدة كانت واقفة للقاء الملك، فاعتذر وترجاه أن يضع على الأقل ربطة عنق سلمها له، فقبل. وحين وقف أمام الملك رفقة أولئك العمال وشرع محمد الخامس رحمه الله يوجه لهم تعليماته حول دقة المطلوب منهم، في تلك المرحلة الدقيقة من بناء المغرب الحديث، خجل المرحوم محمد منصور من إبداء رأيه فأصبح عاملا بقوة الظروف على إقليم الحسيمة”.

غادر منصور منصبه بعد الشرارة الأولى لأحداث الريف سنة 1958، واختار العودة إلى الدار البيضاء فيما يشبه الاستقالة غير المكتوبة، بعد أن تباينت المواقف حول سر الحراك والذي كان دعاته يطالبون بحل حزب الاستقلال وإسقاط حكومته.

غادر منصور منصبه كعامل وعاد إلى الدار البيضاء، لكن لا أحد من وزارة الداخلية اتصل به ليخبره بإعفائه من منصبه أو ليستفسره عن سر عودته إلى الدار البيضاء. بعد استراحة سيدفع به الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من جديد نحو معترك السياسة ويصبح أول رئيس لغرفة التجارة والصناعة.

 

إدريس بنعمر.. بطل حرب الرمال كان عاملا للبيضاء ومكناس

ولد سنة 1917 في مدينة مولاي ادريس زرهون،  هو ضابط مغربي سابق، لمع نجمه في حرب الرمال ولقب بـ “بطل حرب الرمال”.

تلقى الجنرال  العلمي دراسته الابتدائية والثانوية في مدينة مكناس قبل أن يلتحق عام 1935 بالأكاديمية العسكرية مكناس، وتخرج منها برتبة ملازم أول.

وفي سنة 1956 وعلى إثر أحداث مظاهرة سي عبدالسلام المزكلدي وما ترتب عنها من انعكاسات سياسية سلبية و خطيرة دولية ووطنية نتيجة وفاة مجموعة من الأجانب الأوروبيين المقيمين بمكناس على يد المتظاهرين.

عينه المغفور له محمد الخامس حاكما مدنيا وعسكريا عاملا لإقليم مكناس لمدة سنتين خلفا للباشا الحاج أحمد الجنان وهي مرحلة بداية ما يعرف بالسورسي بمكناس في كل مجالات التنمية والعمران. وفي سنة 1959 رقي إلى رتبة الليوتنان كولونيل، وأسند إليه الملك الراحل محمد الخامس قيادة الدرك الملكي سنة 1960 وفي يونيو 1961 عينه الملك الراحل الحسن الثاني عاملا على مدينة الدار البيضاء ثم رقي إلى رتبة جنرال في شتنبر سنة 1963، وعين في نفس السنة مراقبا عاما  للقوات  المسلحة الملكية.

توفي رحمه الله بمدينة الدار البيضاء سنة 2002 وهو من الوجوه المكناسية المرموقة التي مرت في صفوف القوات المسلحة الملكية، وقيل إنه خلال حرب الرمال وصل إلى مشارف مدينة بشار وانتظر التعليمات للتوغل في التراب الجزائري، لكن المغفور له الحسن الثاني أمره بالرجوع إلى حدود المملكة المغربية وهذه ملحمة من ملاحم الجيش المغربي العتيد  كانت صراعا مسلحا وحربا اندلعت بين المغرب والجزائر في أكتوبر من عام 1963 بسبب مشاكل حدودية سنة بعد استقلال الجزائر.

 

الطاهر أوعسو.. العامل الضابط الذي نبه الملك إلى الانقلاب

يصنف القائد الطاهر أوعسو لوليدي، في خانة رجالات المخزن وأحد النماذج المكتملة الأوصاف للنخب السياسية الأمازيغية، ولد عام 1924، درس في ثانوية آزرو الشهيرة التي أنجبت كبار رجال الدولة وتخرج منها العديد من أقطاب السلطة في مغرب ما بعد الاحتلال الفرنسي.

عاش الطاهر عن قرب مخاض استقلال المغرب، حين عينته الإقامة العامة الفرنسية ضمن مجلس “حفظة العرش” عام 1955، بعد الإطاحة بالسلطان البديل بن عرفة، وكان المجلس يتكون أيضا من محمد المقري الصدر الأعظم وامبارك البكاي باشا صفرو ومحمد الصبيحي باشا سلا.

ساهم الرجل في تهيئة الأرضية لاستعادة محمد الخامس لأدواره السياسية، ومكنه منصبه في مجلس “حفظة العرش” من لقاء السلطان في اجتماعات استمرت إلى ساعة متأخرة من الليل، ونسج بالتالي علاقات مع المحيط الملكي.

أظهر الضابط الطاهر أوعسو صرامة في التعامل مع ما تبقى من الموالين للحماية الفرنسية والمنتفعين من وجودها، خاصة بعد أن اقترح عليه الملك محمد الخامس منصب عامل على عبدة وشبهه بالقائد الشهير “بنعيسى”، قبل الضابط العرض ونال ظهير التعيين من يدي محمد الخامس، كأول حاكم عسكري يعين عاملا على مدينة أسفي غداة نيل استقلال المغرب في مارس 1956.

قضى الرجل سنوات في هذا المنصب قبل أن يعينه الحسن الثاني عاملا على إقليم مراكش، وهو المنصب الذي قربه أكثر من الملك بحكم تردد هذا الأخير على المدينة الحمراء. لكنه سرعان ما سيقرر وزير الداخلية آنذاك الجنرال أوفقير تنقيله إلى مدينة وجدة في قرار اعتبره الطاهر تعسفيا.

يروي الصحافي مصطفى العلوي في كتابه: “أحداث الصخيرات.. المذبحة السياسية” مبررات تنقيل العامل أوعسو، وهو صديق حميم للكاتب، وكيف قبله الحسن الثاني على مضض.

“هناك حالة تتعلق بالعامل الطاهر أوعسو، وكان عاملا على مراكش. في تلك الظروف، كان حاصلا على ثقة الحسن الثاني. ذات يوم، لاحظ وزير الداخلية أوفقير العلاقة الحميمية التي تربط الطاهر أوعسو مع الحسن الثاني، وبادر أفقير إلى تعيينه عاملا في وجدة. وباعتباره رجل سياسة بدأ في عملية البحث والتنقيب، فتوصل إلى حقيقة تفيد أن العامل الذي كان قبله هو الشلواطي، الذي نظم انقلاب الصخيرات انطلاقا من وجدة. وهكذا اكتشف الطاهر أوعسو باعتباره رجل أمن ما يحضره الشلواطي في وجدة، إذ كان الأخير يجمع المال ويجري الاتصالات ويختار الناس الذين يرتبط بهم”.

طلب الطاهر مقابلة الملك، لكن القصر طلب منه الاكتفاء بتقرير سري، أرسله إلى الحسن الثاني، خلص فيه إلى القناعة التالية التي ختم بها تقريره: “يا صاحب الجلالة إن الشلواطي كان في وجدة مشغولا في التحضير لانقلاب بالمغرب”. لكن الرسالة أحيلت على أوفقير.

 

مولاي حفيظ العلوي.. من خليفة وباشا بمدينة سطات إلى جنرال

ولد حفيظ العلوي سنة 1917، في أحد الدواوير النائية التابعة لإقليم الرشيدية، عاش طفولة قاسية قبل أن يلتحق بالجيش الفرنسي ويقرر استكمال دراسته في ثكنات المستعمر وتحديدا في مدرسة مكناس العسكرية، بل إنه شارك في الحرب العالمية الثانية وهو برتبة “أجودان” قبل أن يغير الوجهة ويحقق أمنيته فيصبح رجل سلطة حيث عين خليفة بالدار البيضاء، قبل أن يتنقل بين مناصب أخرى في مدن أخرى أبرزها مراكش وسطات حيث كان باشا يحكم بالنار والحديد.

تحول حفيظ من اسم نكرة إلى واحد من أشهر خدام السلطة الاستعمارية، وتغير اسمه بتغير ملامح السلطة، إذ انضافت إليه كلمتا الجنرال ومولاي، فدخل بالتالي عالم الوجاهة. لكن حياته تعرضت في أكثر من مناسبة للاستهداف من طرف الحركة الوطنية التي حاولت عناصرها تصفيته إلا أنه ظل ينجو بأعجوبة.

لعب مولاي حفيظ دورا كبيرا في ترسيخ المفهوم القديم للسلطة، حيث قاد أول حالة تمرد ضد الملك محمد الخامس، حين جمع القواد ودعاهم إلى توقيع عريضة الانفصال عن العرش، وهو ما جلب له العديد من المتاعب. لكنه، وفي غفلة من الجميع، سيتسلل إلى محيط القصر حين اختار المصاهرة مع العائلة الشريفة، بعد ذلك سيصبح بدون مقدمات واحدا من أقرب الناس إلى ولي العهد مولاي الحسن، بعد أن تعرف عليه في مدينة طنجة، وينجو من “التخوين” بل إنه أصبح وزيرا استثنائيا للتشريفات والأوسمة، في عهد الحسن الثاني، حيث يعزف على انفراد مقطوعة مخزنية يفرض على كل الداخلين إلى القصر الانحناء لها.

عمل مولاي حفيظ مع مطلع الاستقلال على طي صفحة ماضيه المخدوش وبناء علاقة جديدة مع القصر، إذ أصبح صهرا للعائلة الملكية، حاول إحاطتها بكامل السرية التي كان يطوق بها حياته الخاصة. القليلون فقط كانوا يعرفون أنه تزوج بحفيدة المولى يوسف، والد الملك محمد الخامس، وجد الحسن الثاني، ولم يذكر يوما أن أحدهم شاهدها برفقة الجنرال ولو في لقاء رسمي.

يقول مصطفى حيران في بحثه عن أسرار هذه الشخصية، إن “ذلك الرجل القوي تحول في أواخر أيام حياته إلى مجرد عجوز خائف مثل طائر مبلل، مرتعد من قوة مجهولة”، ويروي المقربون منه عن حكايات اختلطت فيها الحقيقة بالخيال.

في يوم 14 دجنبر من سنة 1989 توفي حفيظ العلوي، بعدما ترك وصية استغرب لها الكثيرون، سيما بعض العارفين، وهم قلائل جدا من رجال البلاط، بشأن الثروة الهائلة التي تركها وراءه، بل كانت وصيته هي أن لا يوضع جثمانه في صندوق، وأن لا تقام له ذكرى وفاة لا في اليوم الثالث ولا في اليوم الأربعين.. أي أن يموت وكفى.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى