يونس جنوحي
«في أكتوبر 1977، أي مثل هذه الأيام بالضبط، بدأت إيران تغلي ضد نظام الشاه. اتهم المتظاهرين بالخيانة والتعامل مع جهات أجنبية، ولم يبادر إلى اتخاذ أي إصلاح. وسرعان ما وجد الشاه نفسه معزولا أمام معارضة غير مسبوقة أرادت رأسه.
استعاد في ذاكرته نصائح الملك الحسن الثاني له، عندما كانت المعارضة تنتقد طريقته في الحكم، ولم يعمل بنصائح الملك، بل تمادى في تكرار الأخطاء نفسها التي منحت الشرعية لمعارضيه.
في رأي العالم، كان الشاه مجرد رجل يهوى المال والثروة والاحتفال، ولم يكن يتوفر على تكوين ملائم يجعل منه حاكما لدولة بحجم إيران.
عن الملك الحسن الثاني وشاه إيران، نفرد هذا الملف للصداقة المنسية التي جمعت بين رجل لقنه التاريخ درسا، وملك مغربي مد اليد الوحيدة التي ظهرت لتنتشل أسرة محمد رضا بهلوي، عندما تنكر له العالم كله».
+++++++++++++++++++++++++
كواليس صداقة أسالت الكثير من المداد
لم تكن شخصية شاه إيران، محمد رضا بهلوي، مرحبا بها في الدول العربية ولا حتى في بعض الدول الغربية. لذلك كان جل الذين لديهم مشاكل مع إيران وحاكمها الذي تناسلت أقوال كثيرة عن مزاجيته، يلجؤون إلى الملك الراحل الحسن الثاني لكي يجد لهم حلا مع شاه إيران، الذي أعرب في مرات كثيرة عن الاحترام الكبير الذي يكنه لملك المغرب.
حتى في الولايات المتحدة الأمريكية، على عهد وزير خارجيتها التاريخي هنري كيسنجر، كانت شخصية الشاه، وإيران عموما، تثير لدى الأمريكيين الكثير من الفضول، خصوصا وأن موقع إيران في المنطقة كان رقما صعبا في معادلة تطبيق السياسات الأمريكية بالشرق الأوسط.
وقبل أن تأتي الثورة الإسلامية لتقتلع الشاه من إيران، كانت بلاده قبلة لعدد من الزعماء حول العالم، وأيضا المشاهير الراغبين في التقرب من الشاه. وقد أسالت علاقة الملك الحسن الثاني بالشاه الكثير من المداد في السبعينيات، حيث كتبت بعض مجلات الموضة تتهم شاه إيران بمحاولات تقليد الملك الحسن الثاني، وجاء وقتها في هذه الصحف أن الشاه يفتقر إلى التكوين العلمي الذي يتمتع به الملك الحسن الثاني وإلى المرجعية التاريخية، بحكم أن والده رضا بهلوي كان قد وصل إلى السلطة بطرق ملتوية.
هل كان الشاه يتضايق مما يُكتب عنه في المجلات الغربية؟ طبعا، بل واتهم بعض المجلات والمنابر الفرنسية خصوصا، بالتعامل مع معارضيه.
لكن حدة الانتقادات ضده ازدادت، عندما نظم حفلا تاريخيا باذخا في قلب الصحراء الإيرانية ووجه الدعوة إلى مشاهير العالم لحضوره، ووجه الدعوة إلى الملك الحسن الثاني، لكن الملك أرسل الوزير الأول وبعض أعضاء الحكومة ممثلين له، ولم يحضر شخصيا إلى حفل الشاه الذي أقيم منتصف السبعينيات، وهو ما جعل المنابر ذاتها تهاجم الشاه، وتتساءل عن سر غياب الملك الحسن الثاني عن حفل صديقه. وبعد سنوات ظهر السبب، إذ إن الملك الحسن الثاني نصح الشاه مرارا لكي يقلل من صناعة التماثيل التي تمجده، وأن يقلل من البهرجة والاحتفالات المبالغ فيها، في ظل وجود مشاكل داخلية لديه، ومعارضة قوية جدا تعيش في الخارج.
المضامين الساخنة عن المغرب في مذكرات زوجة الشاه التي حطمت أرقام مبيعات الكتب
فرح بهلوي، زوجة شاه إيران، سرعان ما أثارت مذكراتها التي صدرت بعد أن كاد ينسى العالم قصة زوجها المطرود من إيران، عقب الثورة الإسلامية ليناير سنة 1979، بعد أن بدأ مسلسل الانهيار بمظاهرات أكتوبر 1977، وتنبأ الملك الراحل الحسن الثاني بسقوط نظام الشاه، بل ونبهه إلى الأمر سنوات قبل وقوعه. في هذه الفقرة أقوى المضامين الساخنة التي تناولت فيها فرح بهلوي تجربة الانتقال مع زوجها الشاه إلى المغرب عقب سقوط النظام في إيران:
«في 22 يناير، بعد ستة أيام فقط من وصولنا إلى مصر، سافرنا إلى المغرب بالطائرة. وجاءت دعوة الملك الحسن الثاني كنجدة لزوجي، الذي لم يرغب في إساءة استغلال كرم ضيافة الرئيس «السادات»، على الرغم من أن الرئيس جدد دعوته. وأوضح بوجه خاص أن مصر أقرب إلى إيران، من أجل تنظيم المقاومة التي كان يعد لها. وكان السادات من بين القليلين من قادة الدول الذين رأوا الخميني على حقيقته منذ البداية، واعتبره بالفعل نصابا.
وكانت علاقات مودة وصداقة تربط بيننا وبين الملك «الحسن الثاني» وأسرته. فبالإضافة إلى الزيارات الرسمية، كنا وجهنا دعوة إلى أبناء الأسرة العلوية الحاكمة للإقامة معنا في بحر قزوين، وتعرفوا على أبنائنا جيدا وصارت بينهم علاقة طيبة. ولا شك أن عناية الملك الحسن بنا نبعت من هذه الروابط. وعند ترحيبه الحار بنا في مطار مراكش، جاءت معه زوجته لالة لطيفة، في استثناء خارج عن البروتوكول الملكي. وأنزلنا في فيلا عصرية جميلة ذات حديقة واسعة، بنيت في واحة خارج البلاد عند مدخل جبال الأطلس. وكانت والدة الملك الحسن الثاني وشقيقتاه وشقيقه في انتظارنا هناك، للترحيب بنا. ومن نافذتي كنت أستطيع مشاهدة النخيل وأشجار البرتقال والزيتون، وتظهر عن بعد قمم الجبال مغطاة بالجليد. وجاء هذا الوضع الهادئ ملائما لزوجي، الذي أصابه الضعف بسبب هذه الرحلة الأخيرة، وعلى الرغم من عبء الأحداث شعرت بسعادة تقريبا عندما رأيته يخلد إلى النوم. كان علينا أن نستمتع بأي شيء طيب تقدمه لنا اللحظة الحاضرة، وألا نستسلم للقلق، الذي كان يدفع بي أحيانا إلى الجحيم.
صار الناس يتحدثون عن العودة الفورية لآية الله الخميني، وجاء أحد الضباط الذين معنا إلى الملك مقترحا إسقاط طائرة هذا القائد الظلامي، قبل وصولها إلى طهران. رفض زوجي بشكل قاطع. ولم تكن هذه الفكرة جديدة، فقد اقترح بعض ضباط القوات الجوية الخطة نفسها على الملك ونحن في إيران، ورفضها بالفعل.
عندما عرضت الفكرة على الشاه رفضها رفضا قاطعا. وراء هذه الجملة ما وراءها، لأن الملك ربما كان يعلم أن نهاية حكمه أصبحت على الأبواب، وأن القرارات السياسية لا يتم اتخاذها في بلد مضيف، وإنما من ساحة المعركة، وهو ما سبق له أن رفضه عندما كان فوق عرشه في بلاده، وعلى أرضه.
في ذلك اليوم 11 فبراير 1979، استمع الملك وجميع الإيرانيين الذين برفقتنا إلى إذاعة طهران ونحن في فيلا مراكش، وبينما كنت أعبر القاعة سمعت: «انتصرت الثورة، وانهار معقل الديكتاتورية». وظننت لثوان أننا انتصرنا، فبالنسبة إلي كنا الأخيار، وهم بالتأكيد معقل الفزع. ولسوء الحظ كانوا هم من فازوا للتو، فقد أطاحوا بآخر حكومة عينها زوجي.
ومثل وصول الأولاد إلى المغرب قبيل عامنا الإيراني الجديد فرحة لنا غير متوقعة، وكان ركبنا قد تأخر في الذهاب إلى مطار مراكش، لذلك التقينا بالأولاد في منتصف الطريق إلى هناك. وتوقفت جميع السيارات، وارتمى كل منا بين أذرع الآخرين في وسط الطريق. ولم أكن قبلت الصغيرين ليلى وعلي رضا، منذ تركا «طهران» مع والدتي قبل شهرين، وكانت الفترة أطول بالنسبة إلى «رضا» و«فرح ناز».
وتركنا قصر مراكش مباشرة إلى قصر رائع بالرباط، وضعه الحسن الثاني تحت تصرفنا. وكان لهذه الأيام القليلة من الحياة العائلية السعيدة كفاصل للراحة في تلك الفترة، التي صار فيها الخطر أكثر سوءا وأكثر تكرارا أثر غير عادي على معنويات الجميع. وانبسطت ملامح الملك، وسمعته يضحك مرة أخرى، بل إنه لعب مع ليلى في الحديقة. واحتفلنا بعيد ميلاد فرح ناز السادس عشر، والسنة الجديدة في الوقت ذاته. وانضم إلينا أبناء الملك الحسن الثاني، وعندما عرض لنا شقيقه فيلم «المغامرات المجنونة للحاخام يعقوب»، بطولة «لويس دي فينيس» في إحدى الأمسيات، سعدت لسماع زوجي ينفجر من الضحك مرة أخرى، وهو ما لم يفعله لأكثر من عام».