ليس مبالغة إن قلنا إن الأسبوع الجاري سيكون حاسما في تقرير مصير السنة الدراسية، وخطورة الوضع أكبر من أن تكون مسألة قطاعية، بل لها علاقة بمصداقية الشهادات المغربية، وخاصة شهادة الباكلوريا، التي تعتبر نقطة الضوء الوحيدة في تعليمنا المدرسي. فامتداد الإضرابات إلى ما بعد هذا الأسبوع، سيفرض على الوزارة حتما إصدار قرار يهم الامتحانات الإشهادية، مع ما يعنيه ذلك من تقليص للبرامج الدراسية المعنية بهذه الامتحانات، وتعديل صيغ هذه الأخيرة لتلائم هذا الشرخ الحادث الآن على مستوى إنجاز الدروس.
المصطفى مورادي:
المؤسف، الآن، أن لا صوت يعلو فوق الانفعالات والمزايدات، ومن يتتبع تعليقات بعض الأساتذة في مواقع التواصل الاجتماعي مع كل منشور أو فيديو سيرى الحقيقة الصادمة، المتمثلة في أن بعض الأساتذة يتحدثون بلغة سوقية لا نجد لها نظيرا إلا في الحانات الرخيصة، لغة تتعدى كل حدود اللياقة تجاه الآراء المخالفة، لتصل حد التخوين وإطلاق الإشاعات الشخصية والترويج لها، فضلا عن الشتم والسب في حق أشخاص، مسؤولين ونقابيين وباحثين، طالبوا بتغليب مصلحة التلميذ.
قد نختلف أو نتفق مع المواقف النقابية التي صدرت أخيرا، لكن لا أحد يملك الحق في تخوين أصحاب هذه المواقف، مهما بدت لنا غير عقلانية، ذلك لأن العمل النقابي عمل مؤسساتي منظم بقوانين وأعراف سياسية، والنضال ليس تحويل النقابات إلى «محلبات» غايتها إرضاء أذواق الزبناء، بل مسؤولية تاريخية، لأن الذي يحدث هو اتخاذ عشرات الآلاف من الأطفال رهائن، في معركة ظاهرها حقوقي ومهني، ولكن باطنها سياسي، تسعى فيها أطراف كثيرة إلى استعراض قوتها على التأثير.
فأن تطالب بعض النقابات بمنح الحكومة حيزا زمنيا لتجهيز عرضها، خصوصا وأن جوهر كل المطالب مالي، فهذا ليس خيانة بل هو تقدير لموقف، قد نتفق معه أو نختلف، لكننا لا نملك الحق أبدا في اتهام نوايا أصحابه. أما أن تتحول تعليقاتنا إلى سب وشتم وتنمر على ألوان وأعراق ومهن المخالفين، فهذا يجعلنا خارج حقل التربية مهما حاولنا أن نثبت العكس.
هكذا تحول الدفاع عن التلميذ إلى تهمة عند الأساتذة، وتحول الدفاع عن الأساتذة إلى تهمة عند الوزارة، والدفاع عن التنسيقيات غدا تهمة عند النقابات، كما تحول الدفاع عن النقابات إلى تهمة عند الجميع.
هناك حقائق ينبغي على الجميع أن يقر بها:
الأولى أن وزير القطاع فقد كل مبررات وجوده، وعليه أن يغادر فورا، ومعه ينبغي إجراء افتحاص مالي وإداري دقيق لديوانه، لأن تجاوزاتهم تتعدى حدود سوء التدبير وتجاوز صلاحياتهم القانونية، بل تصل لاختلالات مالية يقر بها كل المسؤولين المركزيين والجهويين، الذين يتلقون سيلا يوميا من الأوامر الشفهية دون تبرير كتابي، خصوصا ما يتعلق بالوهم المسمى «مدرسة الريادة».
الثانية أنه مهما كان غضب الأساتذة المحتجين معقولا ومبررا، لا بد من منح الحكومة زمنا كافيا لمراجعة النظام الأساسي لتفادي الأخطاء التي تضمنها، وبالتالي فاتخاذ الأطفال رهائن كوسيلة للضغط هو تغليب لـ«التكتيكي» الظرفي على حساب الاستراتيجي بعيد المدى. والاتجاه نحو سنة بيضاء سيعني موتا رسميا للتعليم المغربي، ولا أحد سيقبل أن يشعل النار في مركب يُقله وسط البحر.
الثالثة أن إشراك التنسيقيات المعترف بمظلوميتها أمر لا مفر منه، خصوصا التنسيقيات التي أبدت حسا وطنيا وشعورا بالمسؤولية. واعتماد زيادة عامة تشمل جميع الفئات أمر لا مفر منه أيضا، ذلك لأنه لا معنى أن يتم ربط التحفيز المالي بمشروع قطاعي ظرفي، هو «مدرسة الريادة»، وهو المشروع الذي سيتم التخلي عنه حتما بمجرد مغادرة الوزير الحالي لمنصبه.
نافذة:
بعض الأساتذة يصدرون تعليقات تتعدى كل حدود اللياقة تجاه الآراء المخالفة لتصل حد التنمر وإطلاق الإشاعات الشخصية في حق أشخاص طالبوا بتغليب مصلحة التلميذ
/////////////////////////////////////////
رقم:
4
قرّرت «التنسيقية الموحدة لهيئة التدريس وأطر الدعم بالمغرب» التصعيد في وجه وزارة التربية الوطنية، وخوض أربعة أيام من الإضراب هذا الأسبوع، وبذلك تدخل الاحتجاجات أسبوعها الثالث. وقرّرت التنسيقية نفسها «خوض إضراب وطني أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس المقبلة، مع تنظيم وقفات أمام المديريات الإقليمية والأكاديميات الجهوية يوم الأربعاء ابتداء من الساعة العاشرة والنصف صباحا».
تجدر الإشارة إلى أن قطاع التربية الوطنية يَعيش على صفيح ساخن منذ اليوم العالمي للمدرس (5 أكتوبر الماضي)، بسبب رفض الشغيلة التعليمية لمضامين النظام الأساسي، لتقرر عقب ذلك خوض أشكال احتجاجية، ضمنها مسيرة حاشدة شارك فيها قرابة 100 ألف أستاذ وأستاذة قدموا من جميع المدن والقرى المغربية.
//////////////////////////////////////////////////////
تقرير:
الأسر والإضرابات.. ساعات إضافية ومخاوف على سلامة الأبناء
جمعيات تطالب بإلغاء نقطة الدورة الأولى لضمان تكافؤ الفرص
نافذة:
عبء مادي جديد ينضاف إلى الأعباء ذات الصلة المرتبطة بغلاء الأسعار والمؤسف هنا أن بعض الأساتذة المضربين هم من يقدمون هذه الساعات
بالتزامن مع تواصل إضرابات المدرسين للأسبوع الثالث على التوالي، تعيش الأسر مشكلات غير متوقعة، بعضها ذو طابع تربوي يتمثل في تسجيل الأبناء في حصص للساعات الإضافية، خصوصا في المستويات الإشهادية، وبعضها ذو طابع أمني يتمثل في مخاوف على سلامة أطفالهم جراء الساعات الطويلة التي يقضيها هؤلاء خارج المؤسسات التعليمية بسبب غياب الأساتذة، وأحيانا إغلاق المؤسسات التعليمية.
الساعات الإضافية.. العبء الجديد
وجهت الرابطة الوطنية لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ مراسلة إلى رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، التمست فيها حذف دروس الدورة الأولى من الامتحانات الجهوية والإشهادية، وذلك بعد مرور أكثر من 45 يوما على الإضراب الذي تشنه هيئات التدريس، التي تطالب بتجويد النظام الأساسي لموظفي قطاع التربية الوطنية.
ودعت المراسلة إلى تسريع مجريات الحوار بين الحكومة والنقابات التعليمية، لتجاوز تداعيات تأخر استئناف الدراسة في المؤسسات التعليمية العمومية، مقابل سير الموسم الدراسي بالمدارس الخاصة بشكل عادي.
وتأتي هذه الدعوة في ظل ظهور مخاوف حقيقية لدى الأسر حول المستقبل التعليمي لأبنائهم، خصوصا في ظل الأجواء المشحونة بين الوزارة والأساتذة، وبداية الحديث عن سيناريو سنة دراسية بيضاء.
وعلى الرغم من أن الوزارة ستلجأ لكل الطرق لتفادي هذا السيناريو الكارثي، إلا أن العديد من الأسر باتت واعية بأن هذا التوقف ستكون نتائجه سيئة في المسار التعليمي لأبنائهم، لذلك كثفوا من الساعات الإضافية، وخصوصا في المواد التي لها علاقة بالامتحانات الإشهادية. وهو عبء مادي جديد ينضاف إلى الأعباء ذات الصلة المرتبطة بغلاء الأسعار، والمؤسف هنا أن بعض الأساتذة المضربين هم من يقدمون هذه الساعات، إما في المنازل الخاصة أو في مقرات لجمعيات أو روض أطفال.
مخاوف أمنية
بقاء الأطفال خارج المؤسسات التعليمية خلف استنفارا أمنيا في العديد من المدن، خصوصا بعد تسجيل حوادث تورط فيها تلاميذ احتجوا هم أيضا على توقف الدراسة، آخرها احتجاجهم أمام مدرسة خاصة بسلا، وهو تحول نوعي خطير، يرى متتبعون.
المخاوف ذاتها تشمل الآباء لكون العديد من الأسر أضحت المدرسة بالنسبة لها «حضانة» تضمن سلامة التلاميذ، خصوصا عندما يكون أغلب أفراد الأسرة منشغلين بأعمالهم طيلة أيام الأسبوع.
في السياق ذاته، لا حديث في المجالس الأسرية إلا عن إضرابات واحتجاجات أساتذة المدارس. ويتفاقم غضب الأمهات والآباء بسبب ضبابية المشهد، ويظهر هذا الغضب في النقاش الدائر بمواقع التواصل الاجتماعي، والذي انتقل إلى الواقع على شكل وقفات احتجاجية نظمها الآباء والأمهات مع أبنائهم أمام المدارس في عدد من المدن.
وكانت رابطة تضم جمعيات الآباء وجهت، قبل يومين، رسالة إلى رئيس الحكومة طالبته فيها بسحب النظام الأساسي الذي تسبب في احتقان كبير بين المهنيين، وأشارت إلى أن 195 يوما من الزمن المدرسي ضاعت خلال الأربعة مواسم الدراسية الماضية، وأن التلاميذ حرموا من الدراسة منذ أكثر من شهر ونصف منذ بداية السنة الدراسية الحالية.