عملية أكتوبر 1988 التي أطلقت العنان للفساد الأمني والعسكري في الجزائر
يونس جنوحي
«خلف كل هذه التحالفات، كان هناك حلف قدماء الجيش الفرنسي، والذين يحركهم خالد نزار، وبنعباس عزيل والعربي بلخير». هذه الفقرة وحدها كافية لمعرفة العلاقة بين جماعة زوجة الرئيس الجزائري السابق، الشاذلي بن جديد وأخيه الأصغر، وبين جماعة الجنرالات.
إذ إن كل الفرق التي اقتسمت خيرات الجزائر منذ 1979، تاريخ بداية مرحلة عسكرية جديدة في البلاد، كانت في الحقيقة تحوم في الدائرة نفسها. إذ رغم المنافسة الشديدة بينها، إلا أنها في الحقيقة كانت تصل إلى الامتيازات وتقتسم الغنائم مع نفس الرأس المدبر لكل تلك التحركات.
شبّه هشام عبود، في هذه المذكرات، ما يقع بمشهد من حلقات الرسوم المتحركة، ووصف الجنرال بلخير بأنه اليد التي كانت تحرك كل الشخصيات. ولم يكن الأمر مبالغة أبدا.
جماعات مفترسة
وصف هشام عبود جماعات النافذين الجزائريين من رجال أعمال وسياسيين يحومون في فلك الجنرالات ويشتغلون لحسابهم، بالجماعات «المفترسة» لأنهم فعلا لم يكونوا يفرقون بين المال العام وإدارات الدولة والصفقات التي تصل «زُبدتها» إلى جيوبهم دون أي عناء يُذكر.
ولم يكن للمعارضة الجزائرية أي دور في التنديد بتلك الممارسات، إذ إنه لا أحد في صحافة بداية ثمانينيات القرن الماضي في الجزائر، كان قادرا على كشف كل تلك الخيوط. هشام عبود نفسه، لولا أنه لم يشتغل من داخل المؤسسة العسكرية، لما تعرف على بعض الروابط المثيرة بين مختلف الشخصيات. لذلك لم يكن قاسيا في الحكم على زملائه وهو يتناول وقائع من تلك الفترة. بل إنه، بين فقرة وأخرى، حاول تمرير فكرة أن كل تلك المعلومات التي توفرت لديه لم يكن ليصل إليها لولا أنه اشتغل في مكاتب الجنرالات ونسق مع موظفين في إدارة الجيش لكي تتعرى أمامه كل تلك الحقائق المرعبة.
تفجيرات أكتوبر
يقول هشام عبود إن تفجيرات أكتوبر 1988 كانت بمثابة ناقوس الخطر. ففي الوقت الذي كان فيه الأمنيون والجنرالات والعائلات النافذة التي تصاهرت معهم مستمتعين ببيع البترول الجزائري في الخفاء وتحصيل عائداته إلى حساباتهم البنكية في الخارج، ضاربين الاقتصاد الجزائري في مقتل، وقعت عملية أكتوبر 1988 التي كانت مُزلزلة في الأوساط السياسية. حتى أن فريق العصابة التي كانت موالية للرئيس ومدافعة عنه، اضطر إلى التضحية ببعض الرؤوس حتى يبقى مستمرا في استغلال منابع الثروة العمومية الجزائرية. ويشرح هشام عبود هذا الأمر قائلا إن عمليات اختفاء لبعض الأسماء وقعت مباشرة بعد تلك التفجيرات، وهو ما يعني أن النظام اضطر إلى التضحية ببعض الأسماء التي كانت تعرف أكثر مما يجب لها أن تعرف، وهو ما كان محيرا بالنسبة للصحافة الجزائرية وقتها، حيث لاحظ الصحافيون اختفاء عدد من الوجوه من دوائر القرار والمشهد السياسي والأمني عموما. وطبعا لم يكن أحد قادرا على التساؤل عن مصير الأسماء المختفية، وما إن كان أصحابها قد أحيلوا على التقاعد أم أنهم غُيبوا بطريقة أو بأخرى.
اضطراب في الهرم
وقع اضطراب في أعلى هرم السلطة بعد الحادث. إذ إن المسؤول حمروش، الذي قال عنه هشام عبود إنه كان من بين الأسماء المستفيدة خلال ثمانينيات القرن الماضي، تقرر في أكتوبر 1988 أن يخلف قصدي مرباح على رأس الحكومة. وهو ما يعني أن «مافيا الجنرالات» قررت استبدال رأس الحكومة برأس آخر يكون على دراية بتفاصيل العمليات السرية التي كانت تريد تنفيذها.
لقد كان الأمر شبيها، بالنسبة للجنرال نزار ومن معه، باستبدال الجوارب. أزيل رأس ووضع رأس آخر مكانه، يخدم المرحلة.
يمكن القول إن تاريخ الجزائر ما بعد أكتوبر 1988 كان بداية الاتجاه نحو دخول مرحلة الحكم العسكري المطلق، ولم يكن مستبعدا نهائيا أن يكون الجيش متورطا في التفجير لكي يجد الذريعة لممارسة عدد كبير من الإعفاءات والترقيات. ماذا كانت النتيجة؟ بطبيعة الحال، يقول هشام عبود، إن النتيجة وراء كل هذه التحولات أن الوضع الأمني في الجزائر ازداد تدهورا، ولم تسفر تلك التعيينات الجديدة إلا عن مزيد من العمليات المسلحة والاغتيالات التي زادت من تأزيم الوضع الأمني والسياسي. وهو ما كان يعني مزيدا من النفوذ للعصابة التي سرّعت من وتيرة نهب الثروات الجزائرية بعيدا عن أعين الحكومة والمعارضة السياسية التي لم يكن لديها أي دور نهائيا في التنديد بما كان يقع على مرأى ومسمع منها.