عملية أربد.. تغيير في قوانين اللعبة مع الجماعات «الجهادية»
كل الدلائل تشير إلى أن الأردن الذي غاب عن الأضواء قليلا في الأشهر الأخيرة، لانتقال تطورات الأوضاع في سورية إلى الجبهات الشمالية الغربية، والحدود التركية السورية على وجه التحديد، سيعود إليها أو ستعود إليه، وربما بشكل أقوى مما كان عليه الحال في بداية الأزمة، عندما كانت مناورات «الأسد المتأهب» التي تشارك فيها عشرون دولة تقريبا برئاسة أمريكا، وأكثر من 17 الف جندي، تتصدر العناوين الرئيسية للصحف ونشرات الأخبار المتلفزة عربيا وعالميا.
تطوران رئيسيان قد يشكلان علامة فارقة في المشهدين السياسي والعسكري الأردني فيما هو مقبل من أيام:
الأول: نجاح قوات الأمن الأردنية في شن عملية استباقية للقضاء على خلية لتنظيم «الدولة الاسلامية» مكونة من عشرين مقاتلا، كانت تخطط للهجوم على مقر للمخابرات الأردنية في منطقة أربد، علاوة على قواعد للجيش الأردني قرب الحدود مع سورية.
الثاني: تردد التقارير الإخبارية التي تتحدث عن عزم المملكة العربية السعودية إرسال قوات خاصة إلى الأردن (هناك معلومات عن وصولها فعلا) للانطلاق عبر حدوده شمالا باتجاه الرقة ودير الزور والحسكة للقضاء على «الدولة الاسلامية» وقواتها، تمهيدا لإقامة «إمارة» أو «دويلة سنية» في شرق سورية، تكون ورقة قوية في المفاوضات حول مستقبل سورية، وخريطتها الجديدة وطبيعة نظامها، وذكرت مصارد أردنية مقربة من القصر أن الرئيس باراك أوباما الذي التقى العاهل الأردني أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن أبلغه بالاستعداد للمعركة الفاصلة في الموصل والرقة.
لنترك هذه المعركة الفاصلة جانبا، ونركز على نظيرتها الأحدث، والأقل حجما، وهي «معركة أربد» التي جرت ليلة أمس واستمرت ثماني ساعات، وأسفرت عن مقتل سبعة من الخلية المستهدفة، وضابط أردني، واعتقال 13 آخرين بينهم ستة مصابين.
البيانات الرسمية الأردنية أكدت أن هذه الخلية تتبع «الدولة الاسلامية»، وقد تمترست في عمارة قرب مخيم للاجئين الفلسطينيين في المدينة، في إيحاء بأن معظم أعضائها من اللاجئين الفلسطينيين، وكانت عناصرها «مزنرة» بأحزمة ناسفة، ومسلحة ببنادق آلية رشاشة.
تنظيم «الدولة الاسلامية» لم يسارع كعادته لتبني هذه الخلية، ولم يؤكد وجود أي علاقة له بها وأفرادها، الأمر الذي أضفى الكثير من الغموض عليها، وحصر المعلومات حولها من طرف واحد وهو الأجهزة الأمنية الأردنية.
إذا صحت التقارير الرسمية هذه، وليس هناك أي معلومات أخرى تقول بغير ذلك حتى الآن، فإن هذه العملية لخلية «الدولة» التي تم إجهاضها ستكون الأولى من نوعها، وعلى هذه الدرجة من الضخامة في الأردن، مما يثير المخاوف من احتمال كونها بداية سلسلة من عمليات أخرى تعكس تغييرا في موقف هذا التنظيم تجاه الأردن، يأتي بسبب الدور المتوقع، أو المرسوم له، أي الأردن، في الحرب المقبلة لانتزاع السيطرة في الرقة والموصل من هذا التنظيم.
وتنبع خطورة «عملية» أربد هذه من كونها ليست من تخطيط، أو تنفيذ «ذئب منفرد» لأن ضخامة عدد من تم مداهمتهم في مقرهم (20 شخصا)، ونوعية الأسلحة التي كانت في حوزتهم و«مهاراتهم» القتالية كلها توحي بأن هناك تنظيم محلي أو فرع لـ«الدولة الاسلامية» في الأردن، وربما يزداد الأمر خطورة، إذا كانت هناك خلايا نائمة صدرت أوامر بتفعيلها.
اللافت أنه في ظل تزايد الضغوط والحصارات العسكرية على «الدولة الاسلامية» في الموصل والرقة، وشمال حلب، بفعل اتفاق إقليمي ودولي على اجتثاثها، «صعّد» التنظيم من عملياته الانتحارية في الأسابيع الأخيرة، حيث شهدت مدينة بغداد سلسلة من تفجرات السيارات المفخخة، كما اقتحم انتحاري بحزام ناسف مجلس عزاء عشائري في ديالي، مما أسفر عن مقتل 20 شخصا بينهم أربعة من كبار مشايخ قبيلة تميم المختلطة طائفيا، وبعد حوالي شهر من «تحرير» المحافظة، وإخراج قوات «الدولة الاسلامية» منها.
استهداف الأردن، وفي تزامن مع هذه الأعمال الانتقامية الجديدة، وبعد عام على إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقا بطريقة بشعة (أعدم في فبراير عام 2015)، قد يؤشر بطريقة أو بأخرى، إلى تبني تنظيم «الدولة» استراتيجية دموية جديدة، حيث قاتل أفراد الخلية حتى اللحظة الأخيرة، ورفضوا كل النداءات بالاستسلام لأكثر من 150 رجل أمن كانوا يحاصرونهم، بمعنى آخر فإن «الهدنة» والاتفاق غير المكتوب بين هذا التنظيم والأجهزة الأمنية الأردنية، التي كانت تنص على أن يكون الأردن ممرا إلى الجبهة السورية وليس مقرا، من المرجح أن تكون «انهارت» إذا صحت الرواية الرسمية أن هذه الخلية تتبع لتنظيم «الدولة» الأمر الذي يجب أن يثير القلق في كل الأحوال.
السلطات الأردنية ظلت طوال العامين الماضيين تنفي، أو تقلل من وجود تنظيم «الدولة» على أراضيها، في خطابها الرسمي، ولكن هذه «الضربة الاستباقية الاجهاضية» في أربد فتحت الأعين على حقائق مناقضة تماما لهذا السرد.
المشكلة أن الأردن الذي وجد نفسه لاعبا أساسيا في الأزمة السورية، بضغوط إقليمية ودولية، سواء من خلال مرور المقاتلين، أو استضافة أكثر من مليوني لاجيء سوري على أراضيه، بما يشكله الدوران من أعباء ثقيلة أمنيا وماديا، يجد نفسه شبه وحيد، ويعيش ظروفا مادية صعبة، حيث يصل دينه العام إلى أكثر من 35 مليار دولار، أي حوالي 90 بالمئة من ناتجه المحلي، بينما وصل عجز ميزانية العام الحالي حوالي مليار دولار، في الوقت الذي تمر عشرات المليارات في كل الاتجاهات من فوق رأسه، ونحو دول لا تلعب أي دور في الأزمات الاقليمية والسورية خاصة، وهو أمر محير بكل المقاييس.
الأردن، في اعتقادنا، يحمل أكثر من أربع بطيخات ثقيلة تحت ساعديه، ويحاول الحفاظ على عدم سقوطها، منفردة أو مجتمعة على مدى السنوات الخمس الماضية، ونرى من الصعب أن يستمر في مواجهة التحديات الخطيرة التي يواجهها حاليا وحده، ونأمل أن لا تسقط أي من «بطيخاته» في الأيام أو الأشهر المقبلة، والأمنية منها على وجه الخصوص، لأن استتاب الأمن هو الرصيد الأهم، لاستقراره، ومنع انفجار الاحتقان الذي يعيشه مواطنيه بسبب الغلاء والبطالة والفجوة الواسعة بين الفقراء والأغنياء والقائمة طويلة.