عملة صعبة للغاية
كل الاقتصاديين يركزون في تحليلاتهم لمرحلة ما بعد حالة الطوارئ على احتياطي العملة الصعبة، ومعهم كل الحق، لأن هذا الاحتياطي هو أوكسجين الاقتصاد المغربي.
صحيح أن احتياطي المغرب من العملة الصعبة سيعرف انخفاضا بسبب توقف النشاط السياحي. ففي السنة الماضية مثلًا بلغت عائدات السياحة، حسب بيانات مكتب الصرف، 73.19 مليار درهم.
لكن صحيح أيضا أن ربع هذا المبلغ، أي حوالي 18.86 مليار درهم، كان “يضيع” بسبب المغاربة الذين يفضلون قضاء عطلهم السياحية في الخارج بالعملة الصعبة، فانطبق علينا القول المأثور الذي يقول “الطلاب يطلب ومرتو تصدق”.
وفي إسبانيا وحدها يقضي 500.000 سائح مغربي عطلتهم فيها سنويا. أضف إليها تحويلات الحجاج المغاربة، 32.000 حاج سنويا، والمعتمرين، حوالي 100.000 معتمر على مدار السنة. ومن الفوق يجي واحد فمو خانز بحال فهد الشميري ويكول ليك نتوما عايشين بالسياحة، وهاد المغاربة اللي كايخسرو الفلوس عندكم على طول العام شنو سميتهم؟
قرار إغلاق الحدود يعني أن الخزينة ستربح منذ بداية سريانه وإلى غاية فتحها نسبة مهمة من العملة الصعبة كانت عادةً تخرج يوميا.
هؤلاء مئات الآلاف من السياح المغاربة سيكون عليهم هذا الصيف أن يكتشفوا المنشآت السياحية لبلدهم التي كان يتفطح فيها السياح الأجانب الذين لن يكون ممكنا استقبالهم هذا الموسم، وسيكون عليهم أن يتحلوا بالروح الوطنية ويصرفوا الدرهم عوض الأورو لإنقاذ مناصب الشغل في هذا القطاع المهدد بالسكتة القلبية.
الدولة مطالبة اليوم بأن تتعامل مع احتياطي العملة الصعبة مثل الحليب فوق النار، وكل منتوج لا يعطي قيمة مضافة للاقتصاد الوطني يجب التخلي عن استيراده. ويمكن وضع لائحة صارمة لهذه المواد التي يمنع استيرادها.
كل ما ننتجه أو نستطيع إنتاجه علينا استهلاكه، هكذا سنصبح مثل الأتراك الذين يستحيل أن يستهلك أحدهم منتوجا آخر غير منتوج بلده حتى ولو قتلته.
هذا سينعش المقاولات المغربية وسيصبح المنتوج المحلي مع الوقت منتوجا مطلوبا. طبعًا لا يمكن منع استيراد كل المنتجات الأجنبية لكن يمكن رفع التعريفات الجمركية عليها وبالتالي سترتفع أسعارها في السوق وآنذاك من يريد أن يشتريها فهو حر.
وعندما نتحدث عن تبديد العملة الصعبة في استيراد
المنتوج الأجنبي، خصوصا إذا كنا قادرين على إنتاجه محليا، فإنني لا أتحدث فقط عن المنتجات الغذائية أو الصناعية بل أتحدث أيضا عن الصناعة الدرامية.
ولو علمتم كم من ملايير يتم تحويلها بالعملة الصعبة لشركات إنتاج ووسطاء في الخارج من أجل اقتناء حقوق بث كل تلك المسلسلات المصرية والسورية والتركية والمكسيكية والهندية والكورية التي تشاهدون على شاشات قنوات القطب العمومي لأصابكم الدوار والغثيان، ليس بسبب محتوى المسلسلات فقط بل من حجم التحويلات أساسًا.
لدينا الممثلون ولدينا الأستوديوهات ولدينا التقنيون ولدينا الكتاب ولدينا المخرجون ومع ذلك يترك علماء القنوات العمومية كل هؤلاء المغاربة يشمشون أطرافهم في المقاهي في الوقت الذي يذهب فيه سماسرة قنوات القطب العمومي لشراء مسلسلات بمليارات الدولارات مكبدين بذلك احتياطي العملة الصعبة خسارة كبرى.
اليوم لم يعد ممكنا أن تسمح الدولة لقنوات عمومية ممولة من جيوب دافعي الضرائب أن تهدر العملة الصعبة في شراء منتوج رديء لا يعكس مقوماتنا الحضارية ولا ثقافتنا الاجتماعية ولا معاييرنا الأخلاقية، مع وجود شركات إنتاج وطنية تختنق بسبب البطالة ومع وجود الآلاف من الشباب المغربي الموهوب والمكون والقادر على إنتاج محتويات درامية تستطيع أن تنافس بقية البلدان. لقد كان علينا أن نكون اليوم نحن من ينتج ويصدر المسلسلات للبلدان العربية وليس العكس، جاو الناس غي من مورانا وفاتونا.
وعوض أن تقوم قنوات القطب العمومي باستغلال كل هذا الاحتياطي الهائل من المواهب المغربية تركت القناة السعودية MBC5 توقع عقود إذعان مع فنانين مغاربة لكي تحتكرهم لنفسها، فأصبحت تتصل بفنان لاستضافته فيعتذر منك ويقول لك إن عقده مع القناة السعودية يمنعه من التعامل مع أية قناة أخرى. هل هناك استعباد أكبر من هذا؟
هكذا وبعد سنوات قليلة سيصبح المكان الوحيد الذي يمكن أن نشاهد فيه منتوجا دراميًا أو فنيًا مغربيًا هو MBC5. وهذه فضيحة ما بعدها فضيحة.
واللغز الذي لا أحد يستطيع فكه هو كيف تلجأ القناة الثانية مثلًا لاقتناء كل تلك المسلسلات بالعملة الصعبة مع أنها تشهر إفلاسها في كل مرة ومع أنه لديها الموارد البشرية والتقنية لإنتاج مسلسلات مغربية عالية الجودة وبكلفة أقل بكثير مما تدفعه مقابل كل تلك الانتاجات الأجنبية الرديئة.
أما ميدي 1 تيفي فرغم كل الأموال التي تضخ فيها منذ سنوات، ولا نتحدث طبعًا عن ثمانين مليارًا التي وهبها لها الإماراتيون، فها هو مديرها حسن خيار، الذي هو في الوقت نفسه مدير الوكالة الإشهارية التي تحتكر إشهارات دوزيم وميدي 1 تيفي، والذي يقال إن تعويضه من القناة ومحطتها الإذاعية ووكالة الإشهار “ريجي 3” يصل لثلاثين مليونا شهريا، يعمم بلاغًا على مستخدميه يتباكى فيه من الأضرار التي أصابت الشركة بسبب الجائحة، وأنهم سيركزون مستقبلًا حول الأخبار، وكأنه يقول لهم إن سياسة شد الحزام ستبدأ، وهي السياسة التي لا يبدو أنها ستطول حزامه.
إنه ليعز علي أن أرى كيف أن المغرب وملكه وشعبه وحكومته يتعرضون للقصف من كل حدب وصوب، وفي الوقت الذي كان يجب أن تكون فيه قنوات القطب العمومي في الصف الأمامي للدفاع عن البلد ومؤسساته وصد هجومات الخصوم والحساد، ها نحن نرى كيف أن مغاربة الفيسبوك، الذي يريد البعض تكميم أفواههم، كانوا هم أول من تولى الدفاع باستماتة عن البلد ومؤسساته، وأسمعوا حقيرا مثل فهد الشميري خل أذنيه في شبكات التواصل الاجتماعي إلى أن أعطى حماره واعتذر وانسحب مذلولا مدحورا.
كما أنه مخجل لنا كمغاربة ندفع من ضرائبنا ميزانيات هذه القنوات أن نرى كيف اختبأ مدراؤها ونجومها في جحورهم عندما انطلقت جحافل ذباب “الأشقاء” تطن حول بلدنا تاركين الساحة لإعلاميين أجانب كالمصري معتز مطر والفلسطيني الدكتور أسامة فوزي يدافعون عن المغرب.
لماذا يصلح كل هؤلاء المدراء الذين يتقاضون عشرات الملايين لكل واحد منهم إذا لم يجعلوا قنوات الإعلام العمومي التي يشرفون عليها منذ عشرات السنين سلاحًا مسننا وشرسا للدفاع عن البلد عندما يتعرض ملكه ومؤسساته ورجاله ونساؤه للهجوم والسب والقدح والتجريح؟