عمر بنجلون.. نقاش حول التقرير الإيديولوجي الاشتراكي ينتهي بجريمة قتل
ما زال مقتل القيادي الاتحادي عمر بنجلون لغزا على الرغم من مرور أزيد من أربعة عقود على الجريمة، بل إن بعض الاتحاديين يعتبرون تصفية عمر نسخة منقحة من عملية الإجهاز على المهدي بن بركة، مع اختلاف في الشخوص وفي والزمان والمكان. لكن قبل أن يسقط «شهيد صحافة الاتحاد الاشتراكي» نجا مرات عديدة من القتل، وظل يردد في كتاباته أن التهديدات لا ترعبه، وأنه ماض في نضاله ضد من أسماهم الظلاميين.
ظل عمر عرضة للاغتيال في أي لحظة، بل إنه واجه أحكام الإعدام وتهجمات الخصوم السياسيين والنقابيين، وعنف المخزن وعذاب المعتقل السري دار المقري ودرب مولاي الشريف، وخرج سالما من «لعبة» الطرد الملغوم.
في يوم الخميس 18 دجنبر 1975، على الساعة الثانية بعد الزوال، توقفت سيارة عمر بالقرب من بيته بالدار البيضاء، استوقفه رجلان ملتحيان تعرفا عليه، كانا في عقدهما الثاني، ويتعلق الأمر بمصطفى خزار وأحمد سعد.
تبادلوا التحية رغم أن عمر كان يبدو مستعجلا من أمره، غير مستعد لحوار في عز الظهيرة، لكن المتهم الأول في ملف مقتل بن جلون كانت له رواية أخرى، حيث أكد أمام المحققين أن الموعد كان متفقا عليه سلفا مع عمر، «ضرب لنا موعدا عبر الهاتف للقائه في الساعة الثانية بعد الظهر، بادرناه بالتحية ورد علينا بمثلها، لكن التوتر خيم على الحوار الدائر حول ما كان يكتبه عمر في عموده اليومي بصحيفة «المحرر»».
انتهى الحوار على نحو غير مرتقب، فقد اخترق «تورن فيس» بطن عمر، معلنا نهاية النقاش بين ملتحيين وصاحب التقرير الإيديولوجي لحزب الاتحاد الاشتراكي. بدا من خلال التحقيقات الأولية أن الجريمة لم يكن مخططا لها، بدليل استعمال «مفك براغٍ» بدل سلاح أبيض أو أداة فتاكة سريعة القتل، والإصرار على ملاقاة الضحية في الشارع العام بالقرب من محطة وقود.
كان الهدف من اللقاء هو إسداء النصح لعمر كي يقلع عن «استفزاز» الإسلاميين بمقالاته التي تحولت إلى منتدى نقاش حول الدين والحياة، وطلب الرجلان من بنجلون موعدا فاستجاب بسهولة وكأنه يعرف أن القدر شاء، كما منحهما عنوانه عبر الهاتف وهو يحاول أن يقربهما من خريطة المكان.
حين تطور النقاش وتجاوز حدود الجدل الفقهي والسياسي، ركض خزار نحو سيارة عمر وحمل آلة مفك، وغرسها في بطن القيادي الاتحادي الذي انهار وسقط في بركة دماء، وحينها أطلق الملتحيان سيقانهما للريح، إلا أن مطاردة بعض الشباب أسقطتهما في حصار وسط دروب لا يعرفان كيف يتحركان داخلها.
وجهت تهمة القتل إلى تنظيم الشبيبة الإسلامية بقيادة عبد الكريم مطيع، لكن هذا الأخير ينفي التهمة ويقدم رواية أخرى: «لا علاقة لي شخصيا ولا علاقة لأحد من شيوخ حركتنا والمنتمين إليها بمقتل عمر بنجلون، لكن قبل أن نسأل عن علاقتنا بهذه القضية، كان الأجدر أن نسأل عن أول دليل موثق بالصورة والصوت في قناة مغربية، يتهم فيه الدكتور عبد الكريم الخطيب بالتورط في اغتيال عمر بنجلون، ويؤكد أن ملف التحقيق يحتوي على وثائق إثبات ذلك، ثم بعد إحالة الملف على القضاء، وجد أن هذه الوثائق التي تدين الخطيب قد سحبت، وذلك ما جعل الخطيب يحاول جاهدا أن يبعد التهمة عن نفسه، مستعينا بعبد الإله بنكيران، الذي كان يرافقه إلى السجن في زيارات عديدة لهما إلى المعتقلين المتهمين، من أجل تنسيق إبعاد التهمة عنه، وجعل الخطيب يتكفل بالإنفاق على المتهمين وعائلاتهم ما يقرب من ثلاثة عقود، وجعله يتعاقد مع المحامين المدافعين عنهم ويؤدي أتعابهم، وجعله يخفي النعماني أكثر من سنتين إلى أن هربه، وبقي يرعاه في الخارج ويغطي حاجاته ويرسل إليه في باريس رسلا معروفين واحدا تلو آخر، إلى أن قرر إخفاءه بدعوى موت غير محقق أمانة عند بعض حلفائه».
في شتنبر 1980 بالدار البيضاء، أدين مصطفى وسعد بالقتل العمد وحوكما بالإعدام، كما كان الحكم ذاته من نصيب كل من عبد الكريم مطيع وإبراهيم كمال. ولأن القضية سياسية، فقد طالب خزار، بعد مغادرته المعتقل، الحكومة بمنحه تعويضات مالية عن المدة التي قضاها في السجن، من خلال ملف عرضه على هيئة الإنصاف والمصالحة..