شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

عمال لكنهم عساكر حين قرر الحسن الثاني تعيين قيادات عسكرية على رأس العمالات والأقاليم

عند بزوغ فجر الاستقلال، كان لابد من وضع هياكل دولة بمقومات حداثية، مستوحاة من نظام فرنسي غادرنا دون أن نغادره، لكن بوادر الأزمة ظهرت مبكرا ولم تمهل الشعب المغربي لكي يستمتع بنشوة الاستقلال، تطلبت الأزمة تعاطيا جديدا من قبل القوى السياسية بعيدا عن «رفقة السلاح» لكن الصراع فاق كل التوقعات، إذ كانت الانطلاقة خاطئة كما يسميها قانون سباقات السرعة، وأخلف المغرب موعده مع التاريخ في أكثر من مرحلة سياسية، بعد أن لاحت فرصة إحداث تغييرات في بنية النسق السياسي المغربي مع الحكومات المتعاقبة على الحكم خاصة مع حكومة عبد الله إبراهيم، أو في حكومة التناوب التوافقي.

كلما ضربت أزمة سياسية البلاد، يستعين الملك الراحل الحسن الثاني برجال أشداء لا يترددون في تطبيق التعليمات بحذافيرها، إيمانا منهم بالمبدأ العسكري الشائع: «نفذ أولا استفسر لاحقا». حتى في تدبير الشأن المحلي أصبح للعساكر حضور ومقاربات بطعم الصرامة، خاصة في مواجهة المد اليساري الذي كان يشكل أحد بؤر القلق في مغرب ما بعد الاستقلال.

في تعيين مكونات أولى الحكومات تقرر إشراك رجال أشداء معادين للاتحاد الوطني، إذ منحت للجنرال محمد أوفقير حقيبة وزارة الداخلية للمرة الأولى، وأصبح ثاني رجل عسكري بعد المذبوح وزير البريد السابق يتحمل مسؤولية حكومية، وسينضاف عسكري آخر إلى وزارة الدفاع في شخص الجنرال محمد أمزيان خلفا لعسكري سابق وهو المحجوبي أحرضان الذي أسندت له حقيبة وزارة الفلاحة، أي أن وزارة باحنيني ضمت أربع قيادات عسكرية عليا، ولأن وزير الداخلية كان عسكريا فمن الطبيعي أن يعين عساكر مقربين منه على رأس عمالات.

منذ نشأة القوات المسلحة الملكية ظل الخطاب الرسمي يقر أن الجيش لا سلطة سياسية له، لكن لا وجود لقانون يمنع العسكري من تولي الإدارة الترابية، لذا تم تعيين عدد من القيادات العسكرية في مناصب السلطة الإقليمية، لكن عددهم قليل ولا يرقى إلى الجزم بعسكرة العمالات.

إقالة أحرضان من منصب عامل للرباط بعد أن أصبح زعيم حزب سياسي

كان المحجوبي أحرضان ضابطا في الجيش الفرنسي، قاتل في صفوفه ضد الجيش الألماني النازي. في إحدى المعارك تعطلت بندقيته ولم يجد بدا من استعمال بندقية عسكري ألماني كان رهن الاعتقال، احتفظ بهذه البندقية حتى أوفي بوعد قطعه على نفسه.

هذه البندقية ستكون هي السبب في اللقاء بالسلطان محمد الخامس، ذلك أن المحجوبي تعهد بأن يقدم بندقية العسكري الألماني إلى السلطان، وبعد عودته إلى المغرب أقيم حفل بالمناسبة، لكن الفكرة الوحيدة التي كانت في ذهنه هي كيفية الوصول إلى السلطان.

شاءت الصدف أن يكون أول لقاء بين الضابط أحرضان والملك محمد الخامس، عندما كان طالبا في المدرسة العسكرية بمكناس، حيث التقاه في القصر الملكي بمدينة مكناس. يقول الضابط الأمازيغي في مذكراته: «عندما وقفت أمامه انحنيت لكي أقبل يده، لكن محمد الخامس أوقفني وقال لي «العسكري يلقي التحية العسكرية ويقاتل»، هذه الجملة ستؤثر في كثيرا.

بحث المحجوبي عن مسلك آخر يقوده للملك، فالتقى فقيها يدعى مولاي هاشم، الذي توسط له لمقابلة محمد الخامس سنة 1943، فكانت الفرصة مواتية لتقديم السلاح/ الهدية. قال السلطان: «سأعتبر أن هذه البندقية هي دليل على تشكل وعي جديد لدى المغاربة، ولكن في انتظار الوقت المناسب سأعتبرها عربون وفاء لشخصي وللوطن»، كان الرد دبلوماسيا بشهادة الحاضرين.

شاءت الصدف أن يلتقي الرجلان في موقع آخر، فقد كتب للعسكري أن يؤسس حزب «الحركة الشعبية» رفقة عبد الكريم الخطيب والحسن اليوسي ومبارك البكاي وآخرين عام 1959 لمواجهة ما أسموه بـ «هيمنة الحزب الوحيد»، في إشارة إلى حزب الاستقلال.

يقول عابد الجابري، إن المحجوبي أحرضان قد أعلن عن تأسيس الحركة الشعبية في أكتوبر 1957، وكان عاملا على إقليم الرباط. وقد أقيل بسبب ذلك من منصبه، وأخذ عليه أنه أسس حركة سياسية بطريقة غير مشروعة، وقد اعتبرت هذه الحركة امتدادا لحركة اليوسي فبقيت شبه مجمدة إلى ربيع 1958». ويروى أن إقالته جاءت بعد مذبحة سوق الأربعاء التي كانت تابعة له.

استقبل محمد الخامس أحرضان رفقة ولي عهده المولى الحسن، عندما شارك الحزب في أول انتخابات جماعية في تاريخ المغرب عام 1960، كما استقبله حين دخل الحكومة التي كان يرأسها الملك محمد الخامس ثم بعده الحسن الثاني، حيث تقلد أحرضان منصب وزير الدفاع.

يذكر أن أحرضان أمازيغي ولد عام 1921 في قرية ولماس بالأطلس، التحق بالمدرسة العسكرية بمكناس، وتخرج فيها عام 1940 برتبة ضابط. وفي العام نفسه عين قائدا بولماس، كما شارك كضابط في الكفاح المسلح من أجل استقلال المغرب وكان عضوا بالمجلس الوطني للمقاومة. وتقلد أحرضان عدة مناصب حكومية، حيث سبق أن عين وزيرا للفلاحة، ووزير للدولة مكلفا بالدفاع الوطني، ووزير دولة مكلفا بالبريد والمواصلات، ثم وزير دولة مكلفا بالتعاون، وكان عضوا بالمجلس الوطني للأمن سنة 1979، كما كان عضوا بمجلس النواب لسنوات.

بنعمر..عينه الحسن الثاني عاملا على الدار البيضاء فأصبح بطل حرب الرمال

ولد الجنرال إدريس بنعمر العلمي يوم 26 شتنبر سنة 1917 في مدينة زرهون، وتلقى دراسته الابتدائية والثانوية في مدينة مكناس قبل أن يلتحق عام 1935 بالأكاديمية العسكرية مكناس، وتخرج منها برتبة ملازم أول في سنة 1939.

بدأت علاقة إدريس بنعمر بالمحيط الملكي في ليلة 29 فبراير 1960، حين أشعر الملك محمد الخامس بخبر الزلزال المدمر الذي ضرب مدينة أكادير وأحال الجزء الأكبر منها إلى خراب.

ما إن لاح الفجر حتى أعلن الملك عن تكوين خلية أزمة على رأسها ولي العهد آنذاك الحسن الثاني، وضم إليها كلا من الأميرة للاعائشة رئيسة التعاون الوطني، والأميرة للا مليكة رئيسة الهلال الأحمر المغربي. وأوكل الجانب الأمني للقوات المسلحة المغربية حديثة النشأة بقيادة الجنرال إدريس بنعمر، فيما أشرف العامل محمد بنهيمة ومساعده الباشا لحسن بونعماني على الأمور الإدارية.

ظل إدريس يجسد كل القيم النبيلة في مهنة الجندية، وعلى رأسها الوفاء المطلق للوطن والاستعداد للموت من أجله، وهو من الذين شاركوا ببسالة في الحرب العالمية الثانية بجانب العديد من المغاربة الذين شاركوا بقوة مع الفرنسيين لإنقاذ بلادهم من الاحتلال النازي ومن أجل سيادة الحرية.

تدرج الجنرال إدريس بنعمر العلمي عبر مسؤوليات ومناصب سامية همت مجالات واسعة في القيادة العسكرية والمجالات المدنية، وشارك في الحرب الهندية الصينية، بعد أن برز كضابط شاب في معركة «مونتي كاسينو» لتحرير إيطاليا ثم فرنسا من براثن الفاشية والنازية.

حين حصل المغرب على استقلاله، عينه الملك محمد الخامس سنة 1956 حاكما مدنيا وعسكريا لإقليم مكناس، حيث ظل في هذا المنصب لمدة سنتين، قبل أن تتم ترقيته سنة 1959 إلى رتبة مقدم، إذ أسندت إليه قيادة الدرك الملكي في شهر نونبر 1960. وفي يونيو 1961 عينه الملك الراحل الحسن الثاني عاملا على الدار البيضاء، وكان يقضي وقته خارج مكتبه كجندي، مصرا على ارتداء زيه العسكري، لكنه ظل في هذا المنصب مدة عامين ليعود إلى الجبهة العسكرية.

برزت كفاءته أكثر في حرب الرمال وقيل إنه قبل على مضض الامتثال لأمر الملك القاضي بتراجع الجيش المغربي إلى مواقعه بعد توغل كبير في الأراضي الجزائرية سنة 1963. ومنذ ذلك التاريخ، لقب الجنرال إدريس بنعمر العلمي بـ «بطل حرب الرمال»،

وتوفي يوم الجمعة 18 أبريل سنة 2002 بمدينة الدار البيضاء بعد معاناة مع المرض دامت سنتين. بعد وفاته استقبل الملك محمد السادس ابنه المهدي في القصر الملكي، حيث قدم هذا الأخير العزاء للملك في وفاة الجنرال الوحيد الذي تغنت به «العيطة».

المذبوح عاملا على الدار البيضاء ضد اليسار

في عز الصراع السياسي الذي عرفته التيارات السياسية التي شكلت الحكومة منذ نهاية الخمسينات، كان اسم الكولونيل المذبوح حاضرا، في تلك الفترة كانت تنقصه بعض النياشين والرتب، لكنه كان مكتمل الحضور على كل حال.. حضور مزعج.

كان علال الفاسي قد وجه اللوم إلى عبد الله إبراهيم لأنه قبل أن يترأس حكومة يوجد ضمنها اسم عسكري خدم الوجود الفرنسي بالمغرب قبل أن يصبح من أعمدة الجيش المغربي بعد الاستقلال. لم يكن علال الفاسي يقصد بتلك الجملة أحدا آخر سوى المذبوح، الذي كان وقتها وزيرا للبريد، والمناسبة كانت خطبة ألقاها علال الفاسي داخل مقر حزبه بالرباط في 11 يناير 1959، أرغى خلالها وأزبد وانتقد الحكومة التي أوكلت رئاستها إلى عبد الله إبراهيم.

لكن المذبوح لم يكن من النوع الذي سينضبط «حكوميا» على الأقل. صحيح أنه تدرج في الجهاز العسكري، وكان من بين الضباط المغاربة السابقين في الجيش الفرنسي، ممن حاربوا جيش التحرير في جبال الريف.

وفي صيف 1959، أي في نفس السنة تحديدا، وشهورا بعد موقف علال الفاسي المعادي للوجود العسكري داخل الحكومة، قلب المذبوح الطاولة واستقال. غادر الكولونيل الحكومة احتجاجا على ملتمس صادر عقب مؤتمر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، طالبوا فيه بتطهير الجيش الملكي من الخونة وإخضاع القوات المسلحة للسلطات المدنية وتجنيدها للبناء والتشييد بدلا من حضور وإحياء «الحفلات والسهرات».

ماذا كان الجواب على هذا «الملتمس»؟ بعد ذلك التاريخ، أي بعد مغادرة الكولونيل المذبوح لحكومة عبد الله إبراهيم بفترة، أصبح الكولونيل عاملا على الدار البيضاء، بالضبط في يوليوز 1960، بينما تم تعيين أوفقير مديرا للأمن.

بقي المنصب الثالث الذي آل إلى المذبوح، وهو قائد الحرس الملكي. بعده سيصبح برتبة جنرال، وهي الرتبة التي سيحول موته، دون انتزاعها من كتفه بطريقة مهينة، كما وقع لـ 9 جنرالات آخرين لحظات قبل إعدامهم، عقب انقلاب الصخيرات الفاشل، والذي كان للمذبوح دور في نسج خيوطه التي تشابكت وتقاطعت في أكثر من محطة.

الجنرال الصفريوي عامل يقود تجريدة عسكرية إلى سوريا

تقلد الجنرال عبد السلام الصفريوي، عددا من المناصب المدنية والعسكرية والدبلوماسية، منها منصب عامل على إقليم أكادير ووجدة، ثم البيضاء، فقائدا للواء الخفيف للأمن، ثم مديرا للأكاديمية العسكرية الملكية، فالرجل الأول على رأس الحرس الملكي، لينتهي به المسار، في السلك الدبلوماسي، حيث كان سفيرا للمغرب لدى المملكة الهولندية.

يوصف الصفريوي، بأنه من العسكريين الأوفياء للملك، وكان من المستهدفين، وفق ما ورد في كتاب «ضباط صاحب الجلالة»، للمحجوب الطبجي، الذي كان مساعدا للصفريوي في حرب الجولان، إبان محاولة انقلاب 1971 في قصر الصخيرات، فأصيب برصاصة في ركبته.

عاشت الثكنات العسكرية حالة تأهب بناء على تعليمات ملكية، فقد قرر الملك، أيضا، إرسال جنود مغاربة إلى صحراء سيناء، بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب بين العرب وإسرائيل، بعدما تم تجميع المجندين داخلها، في 14 ماي 1973، أي حوالي ستة أشهر قبل إطلاق الرصاصة الأولى لحرب أكتوبر. كان الملك الحسن الثاني، حسم في مشاركة المغرب، واحتضنت الرباط، خلال ذلك اليوم، استعراضا عسكريا للتجريدة المغربية التي ستغادر إلى سوريا، وهو الاستعراض الذي تزامن مع احتفالات الذكرى 17 لتشكيل القوات المسلحة الملكية، وفيه اختار الملك، باعتباره القائد الأعلى للجيش وأركان الحرب، الجنرال عبد السلام الصفريوي، قائدا عاما للبعثة العسكرية.

خلال الحفل سلم الحسن الثاني للجنرال الصفريوي بزيه الميداني وعلى رأسه الخوذة العسكرية، راية التجريدة المغربية، لحظات بعد توجيه الملك الأمر اليومي للقوات المسلحة الملكية، وخطابا خاصا قال فيه: «تجريدتنا التي ستسافر بعد قليل للالتحاق بالواجهة للدفاع عن الوطن العربي، منذ تأسيس الجيش الملكي لم أعش ساعة تأثرت فيها أكثر مما تأثرت في هذه الساعة، وأنا أسلم التجريدة المغربية علمها الأصيل وعليها أن تظهره في أحسن مظاهره، وأبهى عناوينه. عليها أن تجعلنا نحن هنا نفتخر به ونفتخر بمن سيستشهد حوله»، بدا وكأن الملك كان يعرف مصير عدد من أفراد البعثة.

الطاهر أوعسو.. ضابط عين عاملا على عبدة ومراكش

يصنف القائد الطاهر أوعسو لوليدي، في خانة رجالات المخزن وأحد النماذج مكتملة الأوصاف للنخب السياسية الأمازيغية، ولد عام 1924، درس في ثانوية آزرو الشهيرة التي أنجبت كبار رجال الدولة وتخرج منها العديد من أقطاب السلطة في مغرب ما بعد الاحتلال الفرنسي.

عاش الطاهر عن قرب مخاض استقلال المغرب، حين عينته الإقامة العامة الفرنسية ضمن مجلس «حفظة العرش» عام 1955، بعد الإطاحة بالسلطان البديل بن عرفة، وكان المجلس يتكون أيضا من محمد المقري الصدر الأعظم وامبارك البكاي باشا صفرو ومحمد الصبيحي باشا سلا.

ساهم الرجل في تهيئة الأرضية لاستعادة محمد الخامس لأدواره السياسية، ومكنه منصبه في مجلس «حفظة العرش» من لقاء السلطان في اجتماعات استمرت إلى ساعة متأخرة من الليل، ونسج بالتالي علاقات مع المحيط الملكي، وكان صديقا لولي العهد مولاي الحسن.

أظهر الضابط الطاهر أوعسو صرامة في التعامل مع ما تبقى من الموالين للحماية الفرنسية والمنتفعين من وجودها، خاصة بعد أن اقترح عليه الملك محمد الخامس منصب عامل على عبدة وشبهه بالقائد الشهير «بنعيسى»، قبل الضابط العرض ونال ظهير التعيين من يدي محمد الخامس، كأول حاكم عسكري يعين عاملا على مدينة آسفي غداة نيل استقلال المغرب في مارس 1956.

قضى الرجل سنوات في هذا المنصب قبل أن يعينه الحسن الثاني عاملا على إقليم مراكش، وهو المنصب الذي قربه أكثر من الملك بحكم تردد هذا الأخير على المدينة الحمراء. لكنه سرعان ما سيقرر وزير الداخلية آنذاك الجنرال أوفقير تنقيله إلى مدينة وجدة في قرار اعتبره الطاهر تعسفيا.

يروي الصحافي مصطفى العلوي في كتابه: «أحداث الصخيرات.. المذبحة السياسية» مبررات تنقيل العامل أوعسو، وهو صديق حميم للكاتب، وكيف قبله الحسن الثاني على مضض:

«هناك حالة تتعلق بالعامل الطاهر أوعسو، وكان عاملا على مراكش. في تلك الظروف، كان حاصلا على ثقة الحسن الثاني. ذات يوم، لاحظ وزير الداخلية أوفقير العلاقة المتينة التي تربط الطاهر أوعسو بالحسن الثاني، وبادر أفقير إلى تعيينه عاملا في وجدة. وباعتباره رجل سياسة بدأ في عملية البحث والتنقيب، فتوصل إلى حقيقة تفيد أن العامل الذي كان قبله هو الشلواطي، الذي نظم انقلاب الصخيرات انطلاقا من وجدة. وهكذا اكتشف الطاهر أوعسو باعتباره رجل أمن ما يحضره الشلواطي في وجدة، إذ كان الأخير يجمع المال ويجري الاتصالات ويختار الناس الذين يرتبط بهم».

طلب الطاهر مقابلة الملك، لكن القصر طلب منه الاكتفاء بتقرير سري، أرسله إلى الحسن الثاني، خلص فيه إلى القناعة التالية التي ختم بها تقريره: «يا صاحب الجلالة إن الشلواطي كان في وجدة مشغولا في التحضير لانقلاب بالمغرب». لكن الرسالة أحيلت على أوفقير.

الشلواطي..عامل وجدة الذي خطط من الشرق لانقلاب الصخيرات

بدعم من الجنرال أوفقير، عين الحسن الثاني الكولونيل العربي الشلواطي عاملا على إقليم وجدة في ربيع سنة 1965، «لكن الرجل تفرغ للأعمال الإدارية ولجمع المال، خصوصا وأنه على مقربة من مسقط رأسه في إقليم تازة، وأن إخوته الاثنين، أحمد ومحمد، من أنشط العناصر أيضا في تلك المنطقة»، كما جاء في مذكرات الصحافي مصطفى العلوي.

مكنته مهامه كعامل في إقليم وجدة من أن يزيد صداقته بالجنرال أوفقير وزير الداخلية متانة، وذهب إلى أبعد من ذلك، فتصاهر مع محمد بن العالم، كاتب الدولة في الداخلية، والرجل الذي كان يقال عنه إنه ظل الجنرال أوفقير، «كان زفاف أخ الكولونيل الشلواطي، المهندس الفلاحي الشلواطي بابنة ابن العالم، حدثا اهتز له الإقليم، وتقاطرت الهدايا الفاخرة على العائلتين اللتين كانت لهما وقتها الكلمة العليا على الإقليم». يقول نفس المصدر.

كان الكولونيل العربي الشلواطي أيضا واحدا من الذين عايشوا الحدث، بل وكان من ضحاياه. فإذا كانت نهاية البوهالي متمثلة في إصابته برصاص اعبابو، الذي قاد الانقلاب، في قلب العاصمة الرباط، بعد أن كلفه الحسن الثاني شخصيا بملاحقة الانقلابيين وإطفاء شرارة الانقلاب بشكل نهائي، فإن نهاية الشلواطي كانت أكثر مأساوية، خصوصا وأنه كان من الذين صدر ضدهم حكم بالإعدام ساعات بعد إفشال انقلاب الصخيرات.

يقول المحجوبي أحرضان، وهو بالمناسبة كان قد شغل منصب وزير للدفاع خلال سنوات الستينات، إن علاقته بعدد من الأسماء التي تم إعدامها بعد انقلاب الصخيرات كانت متينة، وكغيره، فقد صدم عند علمه بتورط هذه الأسماء، ومن جملة ما جاء في مذكراته المثيرة للجدل، أن الشلواطي كان منتشيا جدا، ومقبلا على الحياة في الليلة التي سبقت الانقلاب.

حين كان الشلواطي يساق إلى فضاء الإعدام، بعد أن ثبت تورطه في المحاولة الانقلابية الفاشلة للصخيرات، قال لكوكبة الجنود المكلفين بإعدامه، وهو يمر أمامهم: «غدا ستتبعونني».

اختار شقيق الشلواطي الهجرة إلى فرنسا، وكانت تسكنه رغبة الانتقام لأخيه، أسس في وسط باريس مطعما سماه مطعم أمازيغ، أثثه بالطريقة الأمازيغية، وجعل منه منتدى للمعارضين.

من الثكنات إلى العمالات

يضيق المجال لسرد جميع القيادات العسكرية التي تمت إحالتها على العمالات لتدبيرها، لكن يبدو أن حالة مبارك لهبيل تستحق أن تكون نموذجا للانتقال من الثكنة إلى الباشوية قبل الجلوس على كرسي الوزارة الأولى.

كان مبارك لهبيل على رأس السلطة الإدارية للمدينة، حين عين باشا للمدينة الراقدة على سفوح الأطلس الصغير، كان يدبر الشأن المحلي رفقة الحاكم العسكري الفرنسي. قضى مبارك أربع سنوات كحاكم للمدينة، لكنه سيتنازل عن منصبه ويعلن استقالته من باشوية صفرو مباشرة بعد نفي محمد الخامس، حيث هاجر إلى فرنسا ومكث هناك قرابة عامين، وقام باتصالات بعدة شخصيات في سبيل إرجاع جلالة محمد الخامس وأسرته إلى أرض الوطن.

عاد الملك إلى بلاده في 16 نونبر 1955، وشكل حكومة وطنية كان البكاي على رأسها، وفي سنة 1958 استقال من منصبه، وانشغل بتكوين حزب سياسي، أطلق عليه التجمع الشعبي الذي سيتحول إلى حزب الحركة الشعبية.

عسكري آخر تولى منصب عامل على تافيلالت لكن نهايته كانت مأساوية، إنه عدي أوبيهي، الذي قاد تمردا سنة 1957، إذ جند ثلاثة آلاف رجل ووزع عليهم السلاح، وأعطاهم أوامر باحتلال مركز البريد وإلقاء القبض على أفراد من حزب الاستقلال وحكام السدد، لكن ولي العهد مولاي الحسن قاد خلية أزمة وكلف الجنرال الكتاني بالأمر ليتمكن من السيطرة على الوضع، ومن العودة إلى الرباط ومعه عدي المتمرد، حيث مات بعد أن حكم عليه بالإعدام، قبل أن يتلقى عفوا لم ينعم به طويلا.

ومن المفارقات الغريبة أن تخصص الحكومة للمتمرد جنازة «رفيعة» المستوى، حيث أبنه المحجوبي أحرضان الذي قال: «إذا مات عدي وبيهي فكلنا عدي وبيهي»، وبعد أربعة أشهر أصبح أحرضان وزيرا للدفاع الوطني».

يعتبر الجنرال عبد الحفيظ العلوي أبرز داعم لحملة تعيينات العسكريين في مناصب مدنية، ولقد اعترف بذلك قبل رحيله نادما على أياديه البيضاء على كثير من العساكر الذين حولهم من الثكنات إلى مقرات العمالات.

يضيق المجال لسرد جميع الضباط السامين الذين عهدت لهم مهام مدنية كبرى، كالجنرال بلعربي الذي كان عاملا على إقليم الرباط والجنرال بوكرين عاملا على إقليم فاس والكولونيل هدة عاملا على ورزازات وأكوداد على إقليم كلميم وحسني بنسليمان عاملا على إقليم الغرب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى