شوف تشوف

الرأي

على هامش المعركة

 

ياسر عبد العزيز

 

في عالمنا اليوم، لا تجد الحرب الكثير من الأنصار، وسيكون هذا مفهوما بطبيعة الحال؛ إذ تطورت المفاهيم الحقوقية تطورا كبيرا، وتعززت قيم السلام، وأضحى من الصعب جدا إيجاد الذرائع الكافية لتفهم الحروب الهجومية، أو تسويغ عمليات الغزو، فى ظل ما تم بناؤه من آليات للتفاوض والتسوية، وإدراك الحلول الوسط بين الأمم المتصارعة.

ومع ذلك، فإن المصلحة التي تتحقق جراء الحروب تحدد اتجاهات الرأي بصددها، وكلما استطاع المحارب أن يربط سياساته العسكرية بالكثير من الحلفاء، أمكنه الحصول على الحد الأدنى اللازم من التأييد لأفعاله العسكرية، حتى لو كانت هجومية، والعكس صحيح بكل تأكيد.

على مدار فترة طويلة، ظهرت نظريات تقول إن الحرب نتاج لسمات كامنة داخل العقل الإنساني، وإننا نشعل الحروب لأننا خُلقنا لنفعل ذلك، لكن حتى هذه اللحظة لم تطرح دراسة علمية دليلا حاسما يؤكد وجود نزعة غريزية تجاه العنف داخل الإنسان. كما تستدعي فرضية أن العنف نزعة إنسانية غريزية، ضرورة وجود هذه النزعة داخل جميع الأشخاص، ما يتنافى مع حقيقة ظهور أصوات معارضة للحروب ورافضة لها.

وكما يقول المفكر الغربي، بريان فيرغسون، فإن النتائج التي خلصت إليها بحوث الحرب تشير إلى أن التباينات في أعمال القتال الفعلية، يمكن تفهمها كنتيجة لفكرة أن مَن يتخذون قرارات الحرب، يفعلون ذلك سعيا وراء تحقيق مصالح مادية واستحقاقات عملية. ويعكس هذا الأسلوب فى التعامل مع الحرب توجها سلوكيا يعنى بتحليل ما يفعله الناس، أثناء الحروب، وليس ما يقولونه.

فأثناء المناقشات الطويلة التي عادة ما تسبق الحرب، يعمد أنصار أي مسار عمل معين إلى طرح تصورهم لما يحقق المصلحة العامة – من وجهة نظرهم- في صورة أخلاقية وقيمية؛ وهنا تظهر أفكار الواجب الديني، أو قيم الشجاعة والجبن، أو ضرورة الثأر، أو أولوية الدفاع عن النفس والمصالح والكرامة. ويجري استغلال القيم المشتركة المترسخة في الجماعة للتبرير وإقناع الآخرين، وبذلك يتم تحويل الحاجات والرغبات إلى أمور صائبة وأخرى مرفوضة أخلاقيا.

لطالما أخذتني الحيرة، حين كنت أقارن بين صورة نابليون وصورة هتلر في التاريخ؛ إذ يبدو أن القائدين التاريخيين اتفقا في استخدام الحرب لتحقيق مصالح مادية، أو إدراك أهداف شخصية تم إضفاء صبغة قومية عليها، ومع ذلك، فإن أحدهما لا يُقدم سوى في صورة القائد الأسطوري البطل الذي لا ينقصه الإلهام، فيما يقدم الآخر في صورة المجرم والمتطرف والعنصري.

يحدد المنظور الذي نتناول القادة من خلاله، وحجم مصالحنا المادية المتحققة مع أي منهم، الصورة التي سنرسمها للقائد الذي يتخذ قرار الحرب، بأكثر مما تقودنا المواقف الأخلاقية، وحسابات الضحايا، والخسائر الإنسانية الجمعية.

فالحرب تعيد إنتاج التصورات الراسخة والعلاقات الاجتماعية القائمة، وفق منطقها، كما أنها تعيد صياغة مستقبل الشعوب والدول، وتلك الصياغة بالذات ليست حتمية، بل متغيرة، وتعتمد على ديناميكيات الحرب وليس على نتائجها.

وكما أن غياب الحرب لا يعني السلام، فإن وجودها لا يمنع تحقيقه، لكن ذلك سيحدث بعد خسائر ومعاناة كبيرة، وهي خسائر سيتم توزيعها من دون أي قدر من العدالة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى