على بعد أيام قليلة من الانتخابات الجهوية والجماعية
المصطفى مورادي
يتوجه الناخبون والناخبات بالمغرب، يوم الجمعة المقبل، في أول انتخابات جماعية في ظل الدستور الجديد، وكذا أول انتخابات جهوية يتم فيها الانتخاب المباشر لرؤساء الجهات، بعدما كان النظام المعمول به هو انتخابهم بشكل غير مباشر.
هذه الخطوة، والتي تدخل ضمن الإجراءات التي اتخذها المغرب للبدء في تطبيق الجهوية المتقدمة، تأتي ضمن التوصيات الأساسية التي أوصت بها اللجنة الاستشارية للجهوية التي ترأسها المستشار عمر عزيمان، تجاوبا مع توجيهات الملك محمد السادس الذي دعا في خطاب تنصيبه للجنة في يناير 2010 إلى تقديم اقتراحات «ذات جوهر ديموقراطي». لذلك من الطبيعي وفق هذا التصور الذي يعطي لمشروع الجهوية هذا البعد الذي يتجاوز التقسيم الترابي المحض بأن تشمل ملف التعليم، باعتباره أسبقية وطنية، سلسلة تغييرات، سواء عبر توسيع مجالات تدخل الجماعات المحلية والمجالس الجهوية لتحمل عبء إصلاح المدرسة، علما أن قانون الميثاق الجماعي، بالرغم من كل التعديلات التي خضع لها منذ 2009، لا يعطي لهذا الملف الحيوي المكانة التي يستحقها. ثم إن التقسيم الجهوي الجديد، سيفرض على وزارة التربية الوطنية إعادة النظر في المجالس الإدارية للأكاديميات والتي تعتبر شكلا محتشما جدا للجهوية، لكون مدير الأكاديمية والذي يعتبر موظفا معينا من طرف وزارة التربية الوطنية، (طبعا لا أحد سيصدق مسألة الترشيحات الشكلية) هو المسير والمدبر الفعلي للأكاديمية، دون أن نتحدث طبعا عن استمرار تدخل المصالح المركزية بشكل واضح تدبير الأكاديميات. كما سيفرض أيضا إعادة النظر في علاقة نواب الوزارة بالمصالح المركزية والأكاديميات.
عزيمان طالب الملك بقانون ملزم
وثائق رسمية كثيرة صدرت منذ تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية إلى غاية الآن، سواء تلك التي لها علاقة بالجهوية بشكل مباشر أو تلك التي رصدت العلاقة بين التعليم والجهوية، ومنها توصيات اللجنة الاستشارية والتي أكدت على ضرورة إصلاح المالية المحلية، ثم تقرير الهيئة الوطنية للتقييم والتي رصدت هي أيضا المستوى المحتشم لتحقق الجهوية في التعليم، وكذا ضعف انخراط الجماعات المحلية في ورش إصلاح المدرسة. التقرير صرح بوضوح بأن التعليم «لا يوجد في مركز اهتمام الجماعة الوطنية والمحلية». ثم الرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والتي تناولت هي أيضا هذا الموضوع على شكل توصيات. منها وضع إطار قانوني ملزم للجميع، لاحترام تنفيذ ما تضمنته هذه الرؤية. لكن دون أن تعطي صورة واضحة على الشكل الذي ستستفيد منه المدرسة في ظل الخطوات المتخذة على مستوى الجهوية. مع التذكير أن إلزام الجماعات المحلية بتحمل عبء جزءا من تكاليف توفير التعليم، سواء الأولي أو المدرسي أو المهني أو العالي، مع ما يعنيه ذلك على المستوى الحقوقي بالنسبة للمواطن وكذا على المستوى التنموي، لا يمكن أن يتم دون إصلاح قانون الميثاق الجماعي والذي يعود لـ 2009. وفيه لا تظهر إطلاقا المكانة الحقيقية للتعليم كأسبقية وطنية.
لذلك كانت الخطوة الأولى من تقرير لجنة الجهوية، والتي طالبت بضرورة إصلاح المالية المحلية. التقرير ذاته أكد أن المقتضيات القانونية المنظمة لمالية الجماعات المحلية شهدت تحسينات متتالية منذ سنة 1976. ويعود آخر إصلاح في هذا المجال إلى سنة 2009 وقد شكل قفزة نوعية، إلا أنه لم يُحدث في المجمل، سوى تغييرات تقنية بالأساس. ومن أجل إدراج الحاجيات التي سيوّلدها تطبيق الجهوية المتقدمة ولضمان تناسق مقتضيات القانون التنظيمي لقانون المالية الجديد مع مقتضيات المالية المحلية، تتضح ضرورة إجراء إصلاح شامل يأخذ في الاعتبار العناصر التالية، تنمية الموارد لتمويل الاختصاصات الجديدة للجهات في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة في ما يتعلق بالضرائب المحلية والرسوم شبه الضريبية، وتحديد المقتضيات المتعلقة بالتحويلات ومخصصات الضريبة على القيمة المضافة والتضامن والموازنة، إن اقتضى الحال، وتبسيط المساطر الخاصة بميزانية مختلف المستويات الترابية، وإرساء قواعد ومبادئ تنظم التعاقد من أجل تشجيع تناسق تدخلات السلطات العمومية على المستوى المحلي، وبالتالي، تشجيع الاستعمال الأفضل للأموال العمومية؛ وفي انتظار استكمال هذين المشروعين (إصلاح مالية الجماعات المحلية والقانون التنظيمي لقانون المالية)، تقترح اللجنة كمرحلة انتقالية تزويد الجهات بموارد ذاتية مناسبة تمكنها من الشروع في تطبيق الجهوية المتقدمة في أقرب الآجال.
وبالرغم من مختلف التعديلات التي خضع لها قانون الميثاق الجماعي والذي ينظم واجبات وصلاحيات الجماعات الترابية بمختلف مستوياتها، فضلا عن العلاقة مع السلطات المحلية، فإنها لم تحمل أي مستجد ينص بصريح العبارة على تحميل الجماعات المحلية جزءا من مسؤولية وعبء إصلاح المدرسة. وخاصة على مستوى التمويل والشراكة والحكامة. تاركا المجال للتوظيف السياسوي الذي يلجأ له رؤساء الجماعات المحلية لتحقيق مكاسب انتخابية. لكون القانون المنظم للمالية الجماعية كما قلنا لا يحدد لهم مستوى التدخل.
ماذا يحمل الميثاق الجماعي المقبل؟
من المنتظر أن يتم عرض الميثاق الجماعي الجديد، والذي سيحمل مختلف التوصيات التي أقرتها لجنة الجهوية، على البرلمان لمناقشته، وإذا أخذنا بعين الاعتبار مقترح عزيمان بوضع قانون ملزم للجميع بتوصيات المجلس الأعلى، فإنه من المتوقع أن يحمل قانون الميثاق مستجدات في هذا الشأن. غير أن الاقتراحات يجب أن تتجه مباشرة إلى صلب المشكلات الكبرى التي عاني منها التعليم، وخاصة جهويا ومحليا، سواء على مستوى التمويل أو الحكامة أو الشراكة. ثم لحل مختلف المعضلات التي يعاني منها محليا منها ما رصده تقرير الهيئة الوطنية للتقييم، والتي سجلت أنه طيلة فترة تطبيق الميثاق، فإن عملية تعميم التمدرس لم تكتمل بعد، مضيفا أنه بالرغم من المجهودات المبذولة، فقد بقي نمو سلك التعليم الأولي ضعيفا، وخاصة في الوسط القروي. أما في الوسط الحضري، فإن القطاع الخاص هو الذي يتكلف به على نطاق واسع. ويشكل الطابع الثنائي (تقليدي/عصري) لهذا التعليم عائقا لانسجامه وجودته. ويبقي نمط التعليم الأولي التقليدي مهيمنا رغم الانخفاض المسجل في أعداد تلاميذه. هذا وما تزال الفوارق الاجتماعية والترابية تطبع هذا التعليم، وتؤدي، بالتالي، إلى حرمان الأطفال القرويين، والبنات الصغيرات.
التقرير أكد أنه بالرغم مما تحقق على مستوى تعميم التربية في التعليم الابتدائي، إلا أنه ما يزال غير كاف في سلكي التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي. وهو التحدي الحقيقي أمام المجالس الجهوية بصلاحياتها الجديدة. فضلا عن الأعطاب الكبيرة على مستوى الحكامة الجيدة، بسبب ضعف الجسور والتناسق بين مختلف مكونات المنظومة، هذا فضلا عن استمرار التخطيط من المركز نحو الجهات دون مراعاة للحاجات والأولويات المحلية والمشاكل الخاصة بكل مؤسسة مدرسية.
وتجدر الإشارة إلى أن الجهوية الموسعة تقتضي تأهيل وتأطير النخب السياسية الكفؤة المنتقاة بطريقة ديمقراطية تشاركية تساهم في تكريس مناخ سياسي مبني على أساس الثقة بين الأطراف المتعاقدة سياسيا في تمثيل السكان وإشراكهم في اتخاذ القرارات التي لها علاقة بحياتهم اليومية، عن طريق مجالس جهوية منتخبة عن طريق الاقتراع المباشر وتأهيل وإشراك النخب المثقفة والفاعلين الجمعويين، كما تساهم بشكل فعال في تدعيم مبادئ الحكامة السياسية الجيدة. الشيء الذي يصب في دمقرطة الحياة السياسية بالمغرب ويواكب الطابع التنموي.