شوف تشوف

الرأي

«علم اقتصاد» الأوبئة 2.2

لحسن حداد
إن محاربة الوباء يجب ألا تكون متناقضة مع الاقتصاد، كما أقر ذلك رئيسان سابقان للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (بن برنانكي وجانيت يالين)، وأربعة وزراء سابقين للخزينة الأمريكية («بيان مجموعة الاستراتيجية الاقتصادية حول جائحة كوفيد – 19 والأزمة الاقتصادية» 25 مارس 2020). بالعكس محاربة الوباء هو عمل اقتصادي محض.
يقول أوستن كولسبي، أستاذ الاقتصاد بمدرسة بوث للأعمال بجامعة شيكاغو والمستشار الاقتصادي السابق للرئيس باراك أوباما، صاحب مقولة «علم اقتصاد الأوبئة»، على موقعه بـ«تويتر» وكذا في مقابلة مع سارة سيلفرشتاين (بيزنيس إنسايدر، 25 مارس 2020) إن القاعدة الأولى في «علم اقتصاد الأوبئة» هي وجوب القضاء على الوباء، قبل أن تقوم بأي شيء في ما يخص الاقتصاد. ويضيف قائلا إن أي تحفيزات ضريبية مهما كان حجمها لن تكون ذات جدوى، لأن الناس خائفون من الخروج (للاستهلاك)؛ على العكس من ذلك فأي علاج ناجع للفيروس «ستترتب عنه كمية هائلة من النشاط الاقتصادي».
ويشير «علم اقتصاد الأوبئة» كذلك إلى أي «إجراءات مختلفة عن الردود العادية التي تدخل في دورات الأعمال والاقتصاد العادية»، مثل تزويد العائلات المتضررة أو العجزة بالغذاء والتحويلات النقدية لاقتناء اللوازم الضرورية (المصدر نفسه). في أزمة عادية، قد تلجأ الحكومات إلى تخفيف العبء الضريبي لدعم الاستهلاك، ولكن في هذه الحالة يتم إعطاء الغذاء أو «إعطاء مُهَلٍ إضافية في ما يخص تسديد القروض، أو إلغاء العمولات الخاصة بها» (المرجع نفسه)، في انتظار وضع حد للوباء، قبل المرور إلى إجراءات تحفيزية اقتصادية محضة.
مرت المملكة المغربية، مثلا، إلى الحجر الصحي مبكرا للقضاء أولا على الوباء، ولكنها رافقت ذلك بمجموعة من الإجراءات مثل التعويض عن فقدان الشغل والتحويلات النقدية المباشرة للأسر الفقيرة والمتوسطة المتضررة، وتأجيل سداد قروض السكن والاستهلاك بدون فوائد، والرفع من السيولة المتوفرة لدى المقاولات للاستمرار في العمل في زمن الأزمة.
الإجراءات الاقتصادية مثل تشجيع البنوك على توفير خطوط اقتراض جديدة لصالح المقاولات، لا تسعى إلى إعطاء دفعة للاقتصاد، ولكن فقط لتمكين المقاولات من الاستمرار في زمن الأزمة، حتى يتم التغلب على الوباء. لهذا فالحجر الصحي يدخل في صميم «علم اقتصاد الأوبئة».
في دراسة قام بها فريق من «إم آي تي»، والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عنوانها «الجائحات تضر بالاقتصاد، لكن الإجراءات الصحية المتخذة لمحاربته لا: دلائل من إنفلونزا 1918»، خَلُص الباحثون إلى القول بأن المدن التي قامت بالعزل الاجتماعي والحجر الصحي، إبان وباء 1918 مثل لوس أنجليس، سياتل، مينابوليس، وكليفلاند، شهدت «أقل عدد من الموتى وارتفاعا في نسب الشغل وكذا في الإنتاج الصناعي، وبيانات مصرفية أقوى في العام الموالي للوباء»؛ بينما مدن مثل سان فرانسيسكو وفيلادلفيا وسانت بول، التي لم تلجأ إلى العزل الاجتماعي، فإنها لم تشهد النتائج الإيجابية نفسها» (ديفيد ليونهارت، «ترامب يغامر بحظوظه في إعادة الانتخاب»، «نيويورك تايمز»، 29 مارس 2020).
«علم اقتصاد الأوبئة» هو مجموعة إجراءات طبية وسياسية واجتماعية للحد من الوباء وآثاره، هدفها تهيئة الأرضية، بعد القضاء على الجائحة، للمرور إلى إجراءات خاصة بدورات الاقتصاد والأعمال العادية. من يضع الاقتصاد مقابل الوباء كما يفعل الرئيس البرازيلي حاليا، أو كما قد يحلو للرئيس ترامب القيام به لولا ضغوط الشارع، وهي المقاربة نفسها التي كان رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون ينوي القيام بها، قبل أن تنفلت الأمور في المملكة المتحدة، من يفعل ذلك فهو يفكر في الاقتصاد من وجهة نظر كلاسيكية محضة.
إن القضاء على الوباء عمل اقتصادي مهم من وجهة نظر «علم اقتصاد الأوبئة»، هذا ما قامت به دول آسيا الشرقية واقتربت من الخروج من النفق.
لنخرج من النفق أولا، وبعدها نتحاور حول الاقتصاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى