شوف تشوف

الرأي

«علم اقتصاد» الأوبئة 2.1

لحسن حداد

هل تتعارض مواجهة جائحة «كورونا» (كوفيد – 19) عبر «العزل الاجتماعي» و«الحجر الصحي» مع المصلحة الاقتصادية للدول والشعوب؟ بصيغة أخرى، هل محاولة حماية الحياة لدى من هم أكثر عرضة، نظرا لكبر سنهم أو ضعف مناعتهم أو معاناتهم من أمراض مزمنة مثل الضغط الدموي أو السكري، وذلك عبر إغلاق كامل للنشاط الاقتصادي ومنع الاختلاط، سيضر بحياة مَنْ هُم في وضعية هشة اجتماعيا، جراء تفقير شرائح عديدة منهم؟ وهذا يؤدي إلى سؤال أشمل هو: هل من الممكن مواجهة الجائحة من دون إغلاق كلي لمظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية؟
النقاش الصاخب حول الاقتصاد مقابل الحياة وضعنا أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما العزل الاجتماعي الشامل ومحاولة منع انتشار الفيروس وتحديد بؤره، والتدخل لمعالجة المرضى عبر حجر صحي مركز. هذا ما سماه ديفيد كاتز «المقاربة الأفقية» («هل مواجهتنا لكورونا أسوأ من الوباء نفسه» – «نيويورك تايمز»، 20 مارس 2020)، أي الإغلاق عبر مسح جغرافي شامل لمنطقة معينة أو بلد برمته. وهذه المقاربة تقتضي قاعدة معلومات متطورة وناجعة للفحص الشامل وإمكانية عزل من خالطهم المصابون، وكذا بنية تحتية مناسبة للعلاج.
في المقابل، نجد ما يقترحه كاتز نفسه وكذا مساندو ما يسمى في علم الأوبئة بـ«مناعة القطيع»، وهو تدخل «جراحي» (نسبة إلى التدخل العسكري المُرَكَزِ في الزمان والمكان بدل الحرب الشاملة)، يستهدف بشكل دقيق ومبني على المعطيات مكامن العدوى وبؤرها وعزل المرضى ومن خالطوهم، بدون إغلاق شامل للحياة الاقتصادية والاجتماعية (هذا ما قامت به كوريا الجنوبية إلى حد ما، وتُجَرِبه السويد حاليا، وحاولته هولندا والمملكة المتحدة، قبل أن تتخلى عنه هذه الأخيرة كليا).
المقاربة الأولى، والمعتمَدة في جل الدول، أدت إلى حجر شامل للسكان وإيقاف شبه كامل لحركة الاقتصاد. وما تأمله الحكومات، هو التحكم في عملية الانتشار والتدخل لتحديد البؤر ومعالجة المصابين والمرضى ومراقبة الحاملين للفيروس غير المرضى، وبعد ذلك الإرجاع التدريجي لعجلة الاقتصاد مع الاستمرار في الرصد والتتبع. التحدي يكمن في أن هذه العملية ستأخذ وقتا طويلا، وتوقُف عجلة الاقتصاد سيؤدي إلى كساد وأزمة شغل وتفقير لشرائح كبيرة من المجتمع.
في المغرب مثلا، قارب عدد من تم تسريحهم من العمل مليون شخص وأغلقت أكثر من 120 ألف مقاولة أبوابها، ومن المنتظر أن يصل عدد من سيتم التدخل لمساعدتهم عبر تحويلات نقدية مباشرة ما بين ثلاثة وخمسة ملايين أسرة. ولا يعرف أحد بعد متى سينتهي الأمر، وهل ستتضاعف هذه الأعداد أم لا؟
أما المقاربة الثانية فتعتمد على فرضيتين اثنتين؛ الأولى، وجود قدرة لدى الحكومات لجمع المعطيات والرصد والتدخل الذكي المبني على معلومات دقيقة ومتغيرة، حسب تطور الوضعية الوبائية. هذا ما فعلته تايوان وسنغافورة وكوريا الجنوبية والصين، والتي استعملت تقنيات «تحليل المعطيات الضخمة» و«الذكاء الاصطناعي» للتحكم في الانتشار (انظر لحسن حداد وفؤاد بكار: استعمال «تحليل المعطيات الضخمة» و«الذكاء الاصطناعي» من أجل محاربة وباء «كورونا»، في مجلة «إم آي تي» للتكنولوجيا، 5 أبريل 2020).
الفرضية الثانية، تكمن في تطور الوضعية الوبائية إلى مستوى تبلوُر «مناعة القطيع»، والتي ستساهم مع التدخل المُرَكَز في الحد من انتشار الوباء. يُعرِّف «التحالف الدولي للقاحات والمناعة»، الذي وضعته وترعاه مؤسسة بيل ومليندا غيتس، «مناعة القطيع» على «أنها الحماية اللامباشرة من مرض مُعْدٍ تحصل حين تصبح ساكنة معينة لها مناعة إما عن طريق التلقيح، أو عن طريق إصابتها السابقة بالمرض»، وهي بذلك تصبح جدرانا عازلة لأعضاء المجموعة الآخرين الذين لم يأخذوا لقاحا أو لم يصابوا من قبل. أي إن الفيروس ينتهي و«يموت» عند صاحب المناعة ولا ينتقل إلى الآخرين، سواء كانت لهم مناعة أم لم تكن. المشكل هو أن مناعة القطيع لا تعتمد فقط على الإصابات السابقة، ولكن كذلك على وجود لقاح: وجود العامِلَيْنِ معا قد يؤدي إلى تطور «مناعة القطيع»، وهي شروط غير متوفرة في الوقت الحاضر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى