يونس جنوحي
مسلسل تطورات الوضع الوبائي لا يزال مستمرا. هناك ترقب في كل حكومات العالم، وانتظار لما سوف تسفر عنه سياسة العودة إلى الإغلاق وتشديد المراقبة على الحدود، مخافة انتشار حالات جديدة من المتحور «أوميكرون».
خبراء من منظمة الصحة العالمية، يؤكدون ألا أحد إلى الآن يعرف بالضبط كيف يتنشر هذا الجيل الجديد من الفيروس، ولا كيف يفترض أن يتم إيقافه.
قبل عام ونصف العام، كان كلام العالم الفرنسي «ديديي راوول» مطمئنا للغاية، حيث أكد الرجل في مقالاته وتصريحاته للصحافة، أن فيروس كورونا سوف يموت مع حلول موجة الصيف الأولى، أي صيف سنة 2020.
ورغم أن الحرارة كانت مرتفعة خلال موسم الصيف، في أوروبا وفي بقية أنحاء العالم مسجلة درجات قياسية لم تسجل مثلها قبل أربعين عاما، إلا أن فيروس كورونا بقي مستمرا، بل زادت بعض الحكومات من تشديد إجراءات الإغلاق.
هل أخطأ «ديديي راوول»؟ يبدو واضحا أن كورونا بقي منتشرا بعد الصيف، وجاء صيف آخر وانقضى وكورونا ما زال يتجول رغم أنه لم يعد بالحدة الأولى التي كان عليها في البداية. وظهور المتحور «أوميكرون» والنسخ التي ظهرت قبله، دليل على أن الفيروس يطور نفسه، وليس كما قال «راوول» سابقا، حيث اعتبر ظهور المتحور علامة على موت الفيروس تدريجيا.
اتُهم «راوول» بالجنون من طرف بعض خبراء الصحة العالمية، عندما رفض وحارب بشدة البروتوكول العلاجي الذي أقره الخبراء، وتم تعميمه في مستشفيات العالم خلال مارس 2020. ووصفه بعض العلماء بالدجال الذي يبحث عن الشهرة، خصوصا عندما أكد في تصريحات صحافية أنه توصل إلى لقاح ناجع سوف يقضي على الفيروس.
كان مفهوما وقتها أن عالِما في الأحياء ينتقد البروتوكول العلاجي المتبع عالميا، فهذه مسألة عادية في العلم. كلما وضعت قاعدة أو وُثق اكتشاف، يأتي من يفنده أو يقدم إفادات بشأن عيوب أو مضاعفات. وهذا الأمر ليس جديدا في العلم ولا في أوساط العلماء.
لكن المثير أننا بعد كل هذه الأسابيع والأشهر التي مرت، لا يزال العالم متخوفا بشأن ظهور هذه النسخ المتحورة من الوباء، والتي تكون مضاعفاتها فتاكة، خصوصا في صفوف الذين لم يأخذوا الجرعتين الأولى والثانية من التلقيح.
لكن ألا يتحمل «ديديي راوول» مسؤولية إفقاد الناس الثقة في توصيات منظمة الصحة العالمية؟
العالم لديه مشكل كبير في قصور الذاكرة، كما لو أنه مصاب بالزهايمر. هناك شخصيات مؤثرة عالميا تتحمل مسؤولية وفاة آلاف المواطنين، بسبب وباء كورونا، سيما في الولايات المتحدة، وكان ممكنا إنقاذ حياتهم لو أنهم أخذوا جرعة اللقاح. لكن بسبب التخوفات التي غذتها شخصيات مؤثرة على المستوى الدولي، سجلت حالات امتناع، بل في الجنوب الأمريكي رفض مواطنون أمريكيون أخذ اللقاح، وأعلنوا أنهم سوف يلجؤون إلى الكنيسة، لكي يحميهم الصليب من الوباء. وهذا الأمر سجل في الأشهر الأخيرة من حُكم الرئيس السابق دونالد ترامب، وما زاد من صمود هؤلاء الأمريكيين على موقفهم، أن الرئيس الأمريكي وقتها عمد بنفسه إلى الاستعانة برجال الكنيسة وظهروا معه في خطاباته إلى الأمريكيين وهم يتلون الصلوات، وهو ما زاد من ثقة المحافظين الأمريكيين في الكنيسة، ومنهم من لم يتقبل أن يأخذ جرعة اللقاح.
كانت الصحافة الفرنسية أول من دافع عن «ديديي راوول» عندما هاجمه زملاؤه، ومنهم من اتهمه بالنصب على الفرنسيين وعلى العالم. لكن يبدو الآن، بعد كل هذه المحطات التي مرت بها البشرية منذ مارس 2020، ونحن نستعد لاستقبال العام 2022، أن الأمر يتعلق باجتهادات علمية قد تصيب وقد تُخطئ. الحقيقة الوحيدة أن العالم قد بدأ فعلا يتأقلم مع الفيروس، وأن الناس عادوا إلى ممارسة حياتهم العادية بالكمامة وجرعات اللقاح.