علاقة عريقة
تواصل العلاقات المغربية الأمريكية خطاها بثبات نحو استكمال شراكة استراتيجية بين البلدين، مبنية على ثقل التاريخ والماضي العريق، ومستندة على احترام السيادة الوطنية لبلدنا. فحينما تصر رسالة الرئيس الأمريكي جو بايدن، على أن بلاده لديها علاقات «عريقة» مع المغرب تمتد إلى 235 عاما، وعندما يعيد وزير الخارجية أنتوني بلينكن، التأكيد خلال استقباله لناصر بوريطة على دور العلاقة التاريخية بين البلدين، فإن الأمر له دلالته الاستراتيجية والرمزية، وليس سيمفونية تقتضيها لغة المجاملات الديبلوماسية.
لقد تكونت عقيدة ديبلوماسية صلبة لدى الإدارات المتعاقبة على المكتب الأبيض، تقوم على أن العلاقات المغربية الأمريكية هي علاقات ضاربة في التاريخ، وقائمة على المصالح المتبادلة، وقادرة على الصمود في وجه التقلبات الجيوسياسية، وتعاقب الإدارات الأمريكية. ورغم الاختلاف في الرهانات وطبيعة الأنظمة، وشكل الحكم، واختلاف الثقافات والتقاليد بين الدولتين، إلا أن الرباط وواشنطن عززتا على مدار أكثر من قرنين ونصف القرن علاقتهما التاريخية القائمة على المصالح الاستراتيجية. ولذلك يجب ألا نتفاجأ من مستوى التقارب الذي أصبح يثير حفيظة الكثيرين.
البعض ممن يكن عداء دفينا للمغرب، كان يمني النفس منذ صعود إدارة بايدن، بوقوع توتر في العلاقة البينية، أو أن تدخل تلك العلاقة في دائرة التأزيم، وهو ما تأمله بعض القوى المتربصة بالمملكة داخليا وخارجيا، لكن ما حدث هو العكس تماما، لقد أخذت وتيرة تعميق العلاقة سرعتها القصوى، من خلال تثبيت بايدين لمرسوم مغربية الأقاليم الصحراوية، ودعمه للاتفاق الثلاثي بالرباط، وتصريفه هاته القناعة في صياغة مسودة قرار مجلس الأمن، تدعم الأطروحة المغربية لحل النزاع المفتعل، لأن المصالح المشتركة الكبيرة والمتشعبة بين الرباط وواشنطن، أكبر بكثير من الحسابات الظرفية وأوهام الانفصال.
ويدرك جيدا صانعو القرار في واشنطن، مكانة بلدنا وموقعه الاستراتيجي ودوره الحيوي في تعزيز الأمن والاستقرار والاستثمار، إقليميا ودوليا، ولن يخاطروا أبدا بالقيام بأي مواقف تضر بهذه العلاقات التاريخية، التي تخدم المصالح الأمريكية مثلما تخدم المصالح المغربية، فعلى المستوى الأمني تعلم الإدارة الأمريكية جيدا أن فعالية التعاون الأمني والاستخباراتي الذي قام به المغرب لمحاربة الإرهاب، وكيف أسهمت مؤسساته الأمنية في إفشال عدد من العمليات الإرهابية التي كانت تستهدف الأراضي الأمريكية نفسها. وعلى المستوى الاقتصادي والاستثماري، فالولايات المتحدة الأمريكية تجد في المغرب بوابتها الآمنة للقارة الإفريقية، في ظل تصاعد الحرب الاقتصادية مع الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، على القارة السمراء.
ولا شك أن هذا الإدراك الأمريكي التاريخي لأهمية المغرب، ضمن أجندتها، هو الضمانة الوحيدة لبناء شراكة استراتيجية، والحائل الذي يقف دون وصول التوتر بين البلدين إلى مستوى يضر بعلاقاتهما التحالفية الوثيقة.