علاج الشغب بالكي
يؤمن البرلمان المغربي بمبدأ «لا زربة على صلاح»، فقد انتظر شهرا كاملا ليفتح ملف شغب مدرجات مركب محمد الخامس، في اجتماع بين لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة ولجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، حضره لحسن السكوري، وزير الشباب والرياضة، ومحمد حصاد، وزير الداخلية، وغاب عنه أهل الكرة، تجسيدا للمقاربة التشاركية المفترى عليها.
قرأ فقيه المنظرين «البرة سبع ايام وقاليهم الخط عيان»، قبل أن يترك الكلمة للسكوري الذي زف النبأ السار لممثلي الأمة، وكشف عن تخصيص الحكومة غلافا ماليا قدره 21 مليار سنتيم خلال السنة الجارية للتصدي لشغب الملاعب، وحين شاهد علامات الاستغراب تجثم على محيا الحاضرين، حمل ضمنيا الشركة الوطنية لإنجاز وتدبير الملاعب «سونارجيس»، مسؤولية صرف الميزانية، وقال إنها ستتولى التنسيق اللوجستيكي لجميع مباريات البطولة الوطنية الاحترافية. ولأن الوزير هو رئيس مجلس إدارة «سونارجيس»، فإن الـ21 مليارا ستصطدم بالقائم وتعود فوق طبق من ذهب للقناص السكوري.
أعلنت شركة تدبير الملاعب إفلاسها المالي، وأرسلت في عهد الوزير السابق نداءات استغاثة لمن يهمه الأمر، بل ووصلت الأزمة إلى حد قطع تيار الكهرباء وصبيب الماء عن بعض الملاعب التابعة لها، قبل أن يمنحها الوزير الحق الحصري في تدبير جميع مباريات البطولة الاحترافية، وهي التي لا تشرف إلا على أربعة ملاعب من أصل 16. يبدو أن الوزير بصدد تشميع باقي ملاعب المملكة وتوزيع مباريات البطولة الاحترافية على أربعة ملاعب وتحت وصاية «سونارجيس» التي كادت أن تتخلى عن تدبير الفضاءات الخضراء لفائدة شركة «سوناكوس» المكلفة بجزء من مخطط «المغرب الأخضر».
حفظ المغاربة عن ظهر قلب وصفة الحد من عنف الملاعب، وأصبح موضوع الشغب مطروحا بشدة على مائدة الغداء، وعلى مائدة الحوار الاجتماعي وفي أمسيات التأبين، حين قال واعظ إن المشجعين العراة هم طغمة من الأوغاد. بل إن رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران توعد بوقف دوران الكرة حول نفسها وتسريح اللاعبين والمدربين والمشجعين والصحافيين والمسيرين والحكام وتشميع الملاعب إلى أجل غير مسمى.
بشرنا الوزير بترقيم كراسي الملاعب، رغم أنه يعلم أن أغلب الملاعب مجهزة بكراسٍ إسمنتية صامدة ضد التقلبات المناخية، وبوضع كاميرات مراقبة وأبواب إلكترونية، وهو الذي يعرف أن غياب صنبور ماء في مراحيض ملعب قد يكون دافعا للعنف ضد بقية الصنابير، كما يعرف أن وزارته لا تولي أهمية للدراسات الأكاديمية التي تطرقت لموضوع الشغب.. لذا لن نستغرب إذا علمنا بوجود طلبة سهروا الليالي في تحضير أعلى الشهادات الجامعية، وحين حصلوا عليها شرعوا في «تحضير» الشاي للزبائن.
بدا وزير الداخلية، محمد حصاد، أكثر حزما من زميله، وقال إن «الإلتراس جبادين الدعاوي»، وإن زمن «الباش والتيفو والكابو» قد ولى، قبل أن ينبهه أحد مساعديه بوجود «باش وتيفو وكابو» في آخر مباراة احتضنها ملعب الفوسفاط، ويدعوه لمقاربة جديدة عنوانها «التشجيع مضر بالصحة» مثل التدخين.
لم يدل وزير العدل مصطفى الرميد بدلوه في النازلة، واختزل محاربة الشغب بزرع كاميرات تجسس في مرافق الملاعب، رغم علمه اليقين أن غياب الأمن يصنع الفوضى وغياب العدل يصنع التمرد. أما خلية تدبير المباريات الرياضية فسقطت من الوصفة، رغم أن أفرادها كانوا أشبه بـ«الطراحة» «وجوههم للنار وظهورهم للعار».
اتهم وزير الداخلية علنا رؤساء الفرق بالتدخل لإطلاق سراح مشاغبين، واتهم اللاعبين بمساعدة المشجعين على إدخال الشهب النارية إلى الملاعب، وكاد أن يلوم «نوبل» على اختراعه للبارود، وكولومبوس على اكتشافه أمريكا لولا تقيده بالوقت.
تعدد المدانون وأصبح الجميع شركاء في الشغب، الإعلامي بقلمه ونبرة صوته، والمحلل بتكفيره للراكضين خلف الكرة، والحكم بصفارته وعلمه غير الوطني، والمدرب بخططه المستفزة للمشاعر، والرئيس بتصريحاته المسيلة للذنوب، والمشجع بحفظه لأبشع قوافي الهجاء، ورجل الأمن حين يرى منكرا فيغيره بأضعف الإيمان.
أمام هذه الإدانة الجماعية تصبح المواطنة في مهب الريح.