عقوق تشريعي
منذ 2016 يرقد قانون التغطية الصحية للوالدين بثلاجة لجنة التعليم التي يرأسها عبد العالي حامي الدين، القيادي في حزب العدالة والتنمية، دون أن يستطيع الخضوع للمساطر التشريعية المؤدية لاعتماده. فهذا القانون الذي كان يسميه بنكيران «قانون رضاة الوالدين» أصبح مثل الجمل الأجرب الذي يفر منه الناس خوفا من انتقال العدوى.
فالحزب الحاكم الذي لطالما وظف قانون التغطية الصحية للوالدين في معاركه الانتخابية واستفاد من عائداته السياسية لم يعد متحمسا للدفاع عنه بعدما امتص دماء شرعيته السياسية، والنقابات أشهرت «الفيتو» في وجهه بحجة أنه سيثقل كاهل الموظف بينما تغاضت خلال حكومتي «البيجيدي» عن قرارات خطيرة أجهزت على مكتسبات الطبقة الشغيلة، والحكومة فقدت أي علاقة بالقانون وتعتبره إرثا من الماضي ليس ضارا، لكنه لا يستحق استنفار الأغلبية لتمريره وخلق جبهة صراع جديدة مع معارضيه.
إن ما يعانيه قانون التغطية الصحية للوالدين من بلوكاج بتواطؤ جماعي، نموذج صارخ لعدد كبير من الشعارات الحكومية رفعها الحزب الحاكم لمغازلة الناخبين وكسب تعاطفهم، وبعد ذلك تم التخلي عنها دون أي أدنى حرج سياسي. فقد جرت العادة أن يطلق الساسة وعودا وردية دون دراسة للجدوى لتحقيق مآربهم السياسية فتتحول تلك الوعود إلى مبررات للتهرب من التطبيق، ثم تتغير اللغة إلى عدم توفر الكلفة المالية للتنفيذ قبل أن ينتهي الأمر بإدخال شعارات الحكومة إلى ثلاجة التجميد إلى حين ظهور سياق يسمح بتوظيفها مرة أخرى.
من الصعب أن يقتنع المرء أن البلوكاج الذي يعاني منه قانون التغطية الصحية للوالدين منذ ثلاث سنوات، مرده إلى غياب الإجماع السياسي حوله فتلك حيلة سمجة لا يصدقها إلا ساذج، فليس مطلوبا أن تمر القوانين بالإجماع وأكثر من 70 في المائة من القوانين التي مرت منذ حكومة بنكيران جرى اعتمادها خارج لغة الإجماع. والحقيقة الواضحة للعيان، أن القانون لم يعد مرغوبا فيه من الحزب الحاكم وتحول إلى كرة تتقاذفها أرجل السياسيين والنقابيين إلى حين رميه بمزبلة القوانين ليصيبه التحلل كما جرى مع العديد من النصوص.
وبدون شك فمصير القانون هو بيد حكومة سعد الدين العثماني وأغلبيتها البرلمانية، وهما القادران فقط على تمرير المشروع إذا توفرت الإرادة السياسية أو إعلان وفاته، أما حيلة الاختباء وراء الإجماع فهي حيلة من لا حيلة له.