عقوبة تعليق المهام كانت تنتظر رافضي «الحرب الأهلية» ضد المدنيين
يونس جنوحي
كان الكوماندان البشير، إذن، من النوع الذي جمع أطراف التناقضات. كان يعمل في جهاز لا يعرف مناقشة التعليمات، وفي الوقت نفسه كان معجبا بالثوري «تشي غيفارا» ويسمع أشرطة الشيخ إمام مع هشام عبود. وحتى عندما أسس الأخير جريدته، لم يكن الكوماندان البشير يمانع في أن يراه رغم أن الخط التحريري لهشام عبود كان جريئا ومزعجا في نظر الجنرالات ومن يدور في فلكهم.
قال عنه عبود باختصار: «إنه لم يكن أبدا يبحث عن إرضاء رؤسائه».
كذلك كان
ما ينقص جنرالات الجزائر الاعتراف بالفظاعات التي ارتُكبت. في هذه الصفحات الأخيرة من مذكرات هشام عبود، حاول ممارسة النقد في حق المؤسسة العسكرية التي اشتغل بها لسنوات والتقى داخلها مع شخصيات من المُعسكرين. أي من الذين كان لديهم ضمير مهني ودخلوا الجيش من بوابة محاربة الاستعمار وتأسيس جزائر جديدة. ثم أصحاب المعسكر الثاني، وهم الأغلبية، حيث حاولوا السيطرة على مفاصل الدولة، واستغلوا الحرب على الإرهاب لشن حرب على الجماعات الإسلامية، وخططوا لعمليات إرهابية حقيقية فاقت محاولات الإسلاميين في حربهم ضد الجيش.
يقول عبود، بخصوص صديقه البشير، إنه كان وجها بارزا بين العسكريين السامين كلما ذكر موضوع العسكريين المعنيين بمكافحة الإرهاب، رغم أن المتورطين الحقيقيين في نظره كانوا في الظل، وبعيدين تماما عن منطقة «بن أكنون».
مضى عبود بعيدا، محاولا تبرئة ساحة صديقه، حيث قال إنه يستبعد تماما أن يكون البشير متورطا في استغلال النفوذ أو مراكمة الثروة من وراء سلطته العسكرية.
ولم يفته أيضا أن يؤكد وجود حالات داخل كبار شخصيات الجيش الجزائري خلال مرحلة «العُشرية السوداء»، كانوا يشتغلون بجد لاستعادة الأمن في بعض المناطق التي عرفت عمليات مواجهات مسلحة بين المتطرفين والجيش، ولم يسعوا وراء الترقيات أو الاختلاسات.
لكن، بالمقابل، كانت الغابة الكثيفة من الأسماء التي استغلت البذلة والرتبة العسكرية، شاسعة جدا ومُظلمة.
لكن كيف يمكن لرجل ألا يتسخ وهو يخوض حربا داخل بركة وحل؟ يقول عبود إنه لا يستبعد أبدا أن يكون صديقه أدرك الحقيقة وراء تلك الحرب التي قادتها المافيا، شأنه شأن صديقين آخرين له، وهما الكولونيل البخاري وعبدو.
انتهى الكوماندان البشير بأن جُرد من صلاحياته العسكرية، وبقي بدون مهمة. عندما كتب عبود هذه المذكرات وأدخل عليها آخر التعديلات لنشرها سنة 2001، كان قد سأل عن صديقه الكوماندان البشير، وعلم أنه بدون مهمة، وهي العقوبة التي فرضت على عدد من العسكريين الذين رفضوا الانخراط في حملة مافيا الجنرالات، في انتظار الإحالة النهائية على التقاعد. في نظر هشام عبود فإن هذه النقطة لوحدها دليل كاف على أنه كان على حق بخصوص مواقف صديقه عندما كان في قلب «غرفة العمليات».
الجلادون
كان هناك عدد كبير من الجلادين في الجزائر، وهشام عبود يقول إنه عرف اثنين منهم. حيث بدأ الاثنان عملهما في أحداث أكتوبر 1988 الأليمة. وكانا يعذبان المعتقلين لنزع الاعترافات. كانا يحملان اسمين مستعارين هما «مصطفى» و«يزيد». وكلاهما كانت لديهما سمعة سيئة جدا. اليزيد كان معروفا في العاصمة بحكم أنه كان متزوجا من ابنة أسرة جزائرية ثرية جدا، وكانت لديه مشاكل أسرية كثيرة لكنه لم يكن قادرا على الطلاق لأسباب مادية. إذ إن إغراء المال الذي تملكه زوجته، كان أقوى من تأثير المشاكل الأسرية التي كان غارقا فيها، حتى أن الجزائريين كانوا يطلقون عليه ألقابا تحمل إيحاءات جنسية خادشة للحياء.
كان الاثنان منخرطين في هذه الحرب الأهلية التي قادها الجيش ضد المدنيين، ويتحركان في الكواليس للتأثير في عسكريين وأمنيين وعناصر من الدرك.