شوف تشوف

الرأي

عفا الله عما سلف؟

الانتقال من سنة إلى أخرى، ومن ضفة غادرناها بأهوالها وانزلاقاتها وبعض إشراقاتها، إلى ضفة جديدة لم تتوفر لنا كل المفاتيح لفك شفراتها، يستدعي منا تبني تقليد النقد الذاتي بعد أن تتبخر أدخنة الاحتفال، فغالبا ما تغيب ثقافة المساءلة والاعتراف عن حياتنا الفنية التي نختار لها المسالك السهلة، بغض النظر عن الإحباطات والأخطاء مهما بلغت جسامتها، مفضلين التشبث بمقولة «عفا الله عما سلف» السائدة في مجالات أخرى إلى حد التخمة والابتذال.
بهذه الطريقة تمكن الأوصياء الرسميون على القطاع الفني عام 2015 من أن يخلقوا الحدث من اللاحدث حين تعاملوا بكثير من الهواية والارتباك مع فيلم «الزين اللي فيك» لنبيل عيوش، فأحدثوا ضجة في فنجان ساهمت في تلميع عالمي لفيلم تافه ملأ الدنيا وشغل الناس بالرغم من كونه يدخل ضمن خانة المثل العربي القديم: «أسمع جعجعة ولا أرى طحينا». لكن الضجيج أسفر مع ذلك عن تشويه صورة المغرب دوليا ليحتل مراتب متدنية في منظومة الحريات، ولعل هذا بالذات ما كان يطمح إليه عيوش الذي تفرغ تماما للانتقام من بلده الأصلي في مهرجانات بلده الثاني، فرنسا، الذي أغرقه بالتكريم والاحتفاء والجوائز ضمن لعبة قذرة اعتادت باريس أن تمارسها كلما تعلق الأمر بالمغرب.
وعلى نفس المنوال، ورغم أننا لا ندري لحد الساعة أي ذبابة قرصت (كما يقول التعبير الفرنسي) صارم الفاسي الفهري حين قرر – أو تلقى أمرا بذلك – بأن يمنع الفيلم الأمريكي «اكزودوس، آلهة وملوك» للمخرج ريدلي سكوت، أياما قليلة بعد توليه إدارة المركز السينمائى المغربي. مباشرة بعد ذلك اندلعت ضجة عالمية تسخر من كون المغرب قادرا على احتضان تصوير أضخم الإنتاجات السينمائية العالمية لكنه غير قادر على مشاهدتها! وأمام هذه الضجة لم يملك الفاسي الفهري أو أولئك الذين أملوا عليه قرارا ارتجاليا، سوى السماح بعرض الفيلم الأمريكي بعد حذف حوالي 30 ثانية منه لا تغني ولا تسمن من جوع، فيما فضلت بعض الشركات الدولية الانتقال إلى دبي أو تونس لتصوير أفلامها مخافة أن تتسلل أصابع الرقيب المغربي إلى حقها المصون بقوة المال وجبروته في التعبير بطريقتها الخاصة.
إنها حوادث سير أخرجت القطار الفني المغربي عن سكته خلال العام المنصرم. وكي لا تتكرر مثيلات لها خلال العام الجديد، لا بد لنا أن نتخلى عن سياسة عفا الله عما سلف، وعن شعار «شوف وسكت».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى