شوف تشوف

الرأي

عفاريت رئيس الحكومة يخرجون

أستعير من رئيس الحكومة عبد الاله بنكيران وصفه الذي كان يطلقه على خصومه، العفاريت والتماسيح وغيرها من الكائنات التي تظهر أو لا تتراءى، للدلالة على حالة اكتساح انتخابي قام به «عفاريت» حقيقيون لأكبر المدن المغربية وأغناها في الموارد.
في المجاز السياسي أن العفاريت وحدها تطلع من تحت الأرض، أو تنبعث من صدام القناديل لتنفيذ رغبات مكتشفيها، كما في أساطير الأولين والآخرين. وإذا حق لخصوم رئيس الحكومة استعمال الوصف نفسه في رد الصفعة أو التحية بمثلها، فإن تعلم لغة العفاريت قد يُصبح له مدارس متخصصة في الخطاب السياسي والإعلامي.
قبل أن يكتب أحمد بوكماخ عن قصة «أحمد والعفريت»، كان المغاربة يربطون بعض الإنجازات التي تبدو خارقة بالعفاريت. كأن يقال عن فلان: إنه عفريت، كناية على قدرته على النجاح، أو أنه يعرف طريق الخروج من المآزق. لكن العفاريت الذين أخرجهم رئيس الحكومة لم يأتوا من الفضاء، ولم يتسلحوا بمعدات يعجز العقل عن تفكيك ألغازها، فالأمر أقرب إلى ظاهرة سياسية منها إلى شيء آخر. فالظواهر ترتبط بالمفاجآت في الغالب، ومن بديهيات علم السياسة أن التوقعات فن قائم الذات، لذلك كان الانصراف إلى إقرار الخطط ذات الأرقام المتسلسلة عند حدوث ما يبعث على الدهشة، والمشكلة أن نخب السياسيين في البلاد لا تهتم بهذا الجانب، على رغم حيويته وحتميته.
دعونا نبسط الصورة، ففي الوقت الذي كانت فيه قناة «دوزيم» تبث مقاطع فاضحة من سهرة غنائية قوبلت بنوع من الامتعاض، إنما كانت في حقيقة الأمر تدفع الناخبين إلى النفور من خطاب هجين غير مقنع. وطالما أن مقر القناة يوجد في عين السبع بالدار البيضاء، فقد جاء الجواب من ناخبي العاصمة الاقتصادية ميالا إلى التحفظ، يزدري الاستخفاف بالوازع الأخلاقي.
ويتعين على دهاقنة التحليل أن يدركوا أبعاد ميل مدينة كبرى، تمثل شرايين الحركة الاقتصادية والتجارية، في اتجاه معين. أقربه أن المال كان يصارع المال، مع اختلاف مجالات استخدامه. ولم يكن صدفة أن الأحزاب السياسية اختارت مقراتها في الرباط، بينما المركزيات النقابية وأرباب العمل تمسكوا بالدار البيضاء أكثر. وماذا عسى أن تفعل قناة مثل «دوزيم» خرجت من رحم القطاع الخاص الذي كانت صوته، ثم لاذت إلى القطاع العام تستجدي عطاءات الفقراء من فواتير الماء والكهرباء، في مقابل خدمات الرقص والغناء ودرجة الصفر في السياسة.
هذه واحدة. والثانية أنه في الوقت الذي كانت القناة الأولى تبث بدورها سهرات مهرجان «موازين»، وفق الحمولة التي تؤشر عليها، غاب عن مسؤوليها أن العاصمة الرباط التي قالت الأرقام إنها حجت بالملايين إلى تلك السهرات، ستنعطف هي أيضا في اتجاه التصويت لفائدة تيار آخر. فأين اختفت تلك الملايين؟ ولا يمكن، والحالة هذه، استثناء المدينة الحمراء مراكش من الإصابة بهذه العدوى، كما أكادير وطنجة. فالخطاب الإعلامي حين يخفق في أداء مهمته النبيلة والهادفة، ينجم عن ذلك ارتدادات كما في الزلزال.
جانب من تفسير الظاهرة السياسية في المغرب يرتبط بالأداء الضعيف لوسائل الإعلام الرسمية كونها رغبت في أن تلعب دورا أكبر منها، وليس من اختصاصها أصلا. وحين يطفو على السطح لاعبون في غير أحجامهم ومسؤولياتهم، يكون طبيعيا أن يحدث النفور. غير أن هذا التوصيف لا يعني أن دور الإعلام يتحدد في شن الحرب على هذا الحزب أو هذا التيار. بل عكس ذلك تماما، فالأحزاب والأفكار نتاج واقع أكبر، ودور الإعلام أن ينقل الصورة كما هي، من دون أي تحيز أو إسقاط. ولم يثبت أن أي تجربة إعلامية حلقت إلى التطور، خارج الواقع، استطاعت أن تحدث مشارب مؤثرة داخل الرأي العام.
المشكل الإعلامي قائم، بل إنه جزء من مشاكل أخرى متشابكة ومتداخلة. وليس لأحد أن ينزعج من تجريب النموذج التركي مثلا. مادامت القنوات الرسمية تغدق على المشاهدين وجبات عسيرة الهضم من المسلسلات التركية المدبلجة إلى العامية. من يذكر ماذا فعل «حريم السلطان» وفي تاريخ المغرب ما يغني عن مئات المسلسلات التي تشد المشاهدين إلى تاريخهم وجذورهم وهويتهم.
لا علينا فالمشكل الإعلامي، إنما يعكس أزمة خطاب. ومن المفارقات أنه في الوقت الذي حقق الغرب قفزات نوعية، ذات أبعاد سياسية واقتصادية وحقوقية، تعذر عليها إقرار منتوج إعلامي يواكب هذا الطموح. لأن القائمين على تدبير الشأن الإعلامي أبعد عن استيعاب الحقائق المغربية.
قد لا تكون هناك علاقة مباشرة بانبعاث عفاريت رئيس الحكومة وسقطة الإعلام الرسمي الذي يسبح ضد التيار. إلا أن الثابت أن خطاب هؤلاء العفاريت في الحرب على الفساد لم يستثن القلاع الإعلامية. ففي المحصلة لا فرق بين التلويح بتقارير المجلس الأعلى للحسابات بمظاهر الاختلالات التي شابت التدبير المحلي في بلديات وعموديات، ومفعول تقارير المفتشية المالية التي طالت بعض مؤسسات الإعلام الرسمي.
بعد هذا يأتي من يسأل: كيف تمكن رئيس الحكومة من إخراج عفاريته؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى