عطاء من لا يملك
عطاء من لا يملك، بهاته العبارة يمكن وصف رسائل الطمأنة التي وزعها بسخاء عبد الإله بنكيران تجاه الدولة والحكومة و«جوقة» المعارضة كما وصفها. رئيس الحكومة الأسبق، الذي يقود حزبا معارضا بمعاش استثنائي سمين، دشن ولايته الحزبية في أول بلاغ له برسالتين، الأولى موجهة لحكومة أخنوش مفادها الإعلان عن معارضة برلمانية هادئة ومسؤولة دون الاصطفاف إلى «جوقة» المعارضين، وكأنه يقود معارضة عددية وازنة، بينما حزبه لا يملك في مجلس النواب سوى مجموعة برلمانية وثلاثة أعضاء بمجلس المستشارين تصارع النظام الداخلي من أجل البقاء على قيد الحياة.
أما الرسالة الثانية فهي، كما جرت العادة، موجهة بشكل مشفر للدولة وتذكيرها بدوره في حماية الاختيار الديمقراطي وعدم النبش في نتائج البيجيدي والابتعاد عن معارضة الشارع، رغم أنه يدرك قبل غيره أنه لا يملك أي امتداد في الشارع بعدما خسر كل رأسماله السياسي في قرارات لا زالت الحكومات المتتالية تؤدي ثمنها للحفاظ على السلم الاجتماعي.
والغريب في بلاغ بنكيران أنه يدعو لطي صفحة الماضي وكأن تلك الصفحة من صنع قوى غيبية، فهل نسي أن كل الكوارث التي تواجهها الحكومة القائمة اليوم وما سيأتي بعدها من الحكومات هي من تداعيات وإرث ولايته، التي فخخت البلد بقضايا اجتماعية يمكن أن تنفجر في كل لحظة وحين. فمن يقف وراء قرارات اعتماد سياسة التعاقد التي تهدد بمسيرات احتجاجية لا منتهية؟ ومن رفع الدعم عن مواد المحروقات ليترك المواطن في مواجهة تقلبات السوق الدولية؟ ومن فرض قانون تحرير أسعار المواد الغذائية وجعل جيوب المغاربة تحت رحمة قانون العرض والطلب وغيرها من الملفات الاجتماعية الحارقة.
القارئ لبلاغ بنكيران يخرج بخلاصة أساسية هي أن الحزب لا زال يعاني من عمى الألوان السياسي ومن أعراض هذا الداء السياسي، هو فقدان قيادة الحزب القدرة على التمييز بين السياقات والفصل بين ألوان المعارضة والأغلبية، بل أكثر من ذلك يجعلهم يعارضون حينما يكونون أغلبية ويصمتون حينما يكونون في المعارضة. فحينما يصل الحزب إلى هاته الدرجة التي تتساوى عندهم درجة الألوان السياسية، إلى درجة تقترب من توحد المعارضة والدعم في لون واحد.