شوف تشوف

الرأي

عصر القراصنة والأباطرة

جاء في كتاب «قراصنة وأباطرة» لنعوم تشومسكي أن قرصانا وقع في أسر الإسكندر الكبير، الذي سأله كيف تجرؤ على إزعاج البحر؟ كيف تجرؤ على إزعاج العالم بأسره؟ فأجاب القرصان: لأنني أفعل ذلك بسفينة صغيرة فأدعى لصا، وأنت الذي يفعل ذلك بأسطول ضخم تدعى إمبراطورا. فهذه هي قصة أمريكا والعراق اليوم.

يقول «تشومسكي»: «إن جواب القرصان على الإمبراطور كان (أنيقا وممتازا)، لأنه (يلتقط بدقة العلاقة بين الولايات المتحدة ومختلف اللاعبين الصغار على مسرح الإرهاب الدولي)».

إن النموذج «الأمريكي» والقراصنة الصغار في العالم، هو عصر القراصنة والأباطرة. فأما الأول فيذكر بقصة الشقي «بانشو فيا»، الذي بدأ حياته عام 1910م كزعيم عصابة لقطع الطرق. وعندما اندلعت الثورة في المكسيك تحول الرجل بين ليلة وضحاها إلى بطل شعبي، فأخذ «ينهب القطارات ويعطي المال إلى الفقراء، ويقود غارات جريئة، ويسحر النساء بمغامراته الفروسية»، وكان يبدو كمزيج بين روبن هود ودون جوان. وأخيرا بعد قتال مرير انتصر في الثورة الجنرال «كارنزا»، وعاد بانشو فيا مدحورا إلى وطنه في ولاية «شيهوا هو» الشمالية، وبدأ تحت دافع اليأس يشتم أمريكا. ولكنه في عام 1916م عبر الحدود الأمريكية وقتل في «كولومبوس»، بولاية نيومكسيكو، هو وعصابته 17 أمريكيا. وكان رئيس الجمهورية يومها «وودرو ويلسون»، الذي حثه فريق الصقور من حوله أن قوة كبرى بحجم الولايات المتحدة يجب أن ترد الصاع بعشرة أصواع. وفعلا أرسل الرئيس الأمريكي عشرة آلاف جندي في مارس 1916م أخذ ذلك اسم «الحملة العقابية»، تحت إمرة بيرشنغ الرهيب، ولكن الذي حدث أن «الشعب المكسيكي الذي سخط على فيا، عندما عاد إلى قطع الطريق صار يعبده، لأنه يواجه جيشا أمريكيا قويا، وبدأ الناس يعطون بيرشنغ معلومات مضللة»، وبقي «فيا» حرا طليقا، وبدا أنه يسبق الأمريكيين دوما بخطوة إلى الأمام. ومع حلول صيف العام كثفت أمريكا الحملة إلى 123 ألف جندي، ولكن لم يجنوا سوى الحر والغبار والبعوض. وفي يناير عام 1917م فشلت الحملة العقابية وانسحبت القوات الأمريكية، «في تراجع من أكثر الأنواع إذلالا»، وهكذا نجا بانشو فيا من العقاب.

وأما «النموذج الثاني» فأمريكا هي التي أسقطت في أكتوبر 1976م طائرة كوبية بقنبلة قتل فيها 73 راكبا، بمن فيهم كل الفريق الكوبي الأولمبي، حامل الميدالية الذهبية. وأمريكا هي التي ضربت عواصم عربية، بما فيها ملاجئ المدنيين (ملجأ العامرية في العراق)، وأمريكا هي التي ألقت القنبلة النووية على هيروشيما، وأمريكا هي التي أبادت السكان الأصليين في أمريكا بالبنادق ووضعت بقاياهم في (محميات)، وأمريكا هي التي تمد إسرائيل بخيل ورجال، بما فيها تمكينها من بناء السلاح النووي بما يهدد السلام العالمي، وأمريكا هي التي تعيق العدل العالمي بنظام «الفيتو»، وأمريكا هي التي انسحبت مع إسرائيل من «مؤتمر دربان»، بسبب لمس مشكلة العنصرية عام 2001. وأمريكا هي التي قامت بالانقلاب على مصدق في إيران، بكلفة خمسة ملايين دولار، جندت فيها المرتزقة من الحرافيش والزعران على يد الاستخبارات المركزية ونهب إيران لفترة طويلة لاحقا، وأمريكا هي التي هددت (محكمة العدل الإنسانية)، في حال طلب أحد رجالها للقضاء العالمي الذي وقعت عليه 132 دولة، أنها سوف تنقذه بالقوة المسلحة. وفي مجلة «دير شبيغل» الألمانية (عدد 44- 2001)، جاء في مقالة الهندية «أراندهاتي روي Arundhati Roy»، داعية السلام، تحت عنوان «الحرب تعني السلام، أو السلام هو الحرب»، ثم قامت باستعراض «لائحة الحروب الأمريكية: «1950- 1953 كوريا- غواتيمالا 1954 و1967- 1969- إندونيسيا 1958- كوبا 1959-1961 – الكونغو 1965- لاوس 1964- 1973- فيتنام  1961- 1973- كمبوديا  1969- 1970- غرينادا 1983 – ليبيا 1986- السلفادور في الثمانينيات، وكذلك نيكاراغوا- باناما 1989- العراق 1991». وعلقت على أحداث 11 شتنبر أنها غيرت أمورا جوهرية خمسة: الحرية والتقدم والرفاهية والتقنية ومفهوم الحرب، لتصل إلى جملة لاذعة: إنهم يريدون منا أن نعتبر فجأة أن الخنازير أصبحت خيلا، وأن العذارى انقلبت ذكورا وأن الحرب هي السلام. وعند ظاهرة طالبان، تقول إن  حرب العشرين سنة كلفت 40 مليار دولار في أفغانستان وسبعة ملايين لاجئ، ومليونا ونصف المليون قتيل، وعددا من الألغام الأرضية يفوق عدد السكان تقدر بحوالي 15 مليون لغم أرضي ضد الأفراد، يموت من انفجارهم كل شهر أربعون طفلا. «وإذا كان التقدم والحداثة قد دخلا أفغانستان، فقد جلب التقدم على صورة مدفع فوق ظهر حمار»، فلم تعرف أفغانستان سوى صناعة الموت وانتزعت الرحمة من قلوبهم، لنكتشف بمرارة أن حرب الجهاد الإسلامية سابقا لم تكن إسلامية، بقدر أنها كانت حربا أمريكية خاضها شباب مسلمون مغفلون. وكما يقول النيهوم: «إن اللعب بالنار لا يجعل النار لعبة». ولم يتغير الأمر كثيرا بعد انسحاب بايدن.

إنها لائحة لجرائم لا تنتهي على يد الإمبراطور الذي ينافق له الجميع اليوم. إنه بقدر ما توجد داخل أمريكا «حرية تفكير»، بقدر ما توجد فبركة «لحرية التعبير»، كما يقول تشومسكي في كتابه «أباطرة وقراصنة»، بقدر ما يوجد قرصنة وإرهاب للآخرين خارج أمريكا، فهذه هي المعادلات الثلاث التي تحكم أمريكا.. ألا إنه لن يكون هناك سلام أو طمأنينة، طالما كان العالم مكونا من شريحتين: مستكبرين ومستضعفين. إحداهما مكونة من 20 في المائة من الأغنياء يأكلون 80 في المائة من خيرات العالم، وطالما لا يحتكمون إلى كلمة السواء. وعندما أرسل محمد صلى الله عليه وسلم رسله إلى العالم، طالبهم «بكلمة السواء»، أن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله. فهذا هو التوحيد الذي جاء به الإسلام، ولكن أمريكا تريد أن تجعل من نفسها قوة فوق بشرية تمنح وتمنع وتذل وترفع، وجرت سنة التاريخ أن الكبرياء يسبق السقوط، كما جاء في الإنجيل. وأن باب «هلاك الأمم» هو إقامة الحد على الضعيف دون القوي، إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. والشريف الأمريكي اليوم لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون. والضعيف يقام عليه الحد، لأنه انتهك أمن العالم.

نافذة:

لن يكون هناك سلام أو طمأنينة طالما كان العالم مكونا من شريحتين مستكبرين ومستضعفين إحداهما مكونة من 20 في المائة من الأغنياء يأكلون 80 في المائة من خيرات العالم

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى