يونس جنوحي
وحده دفء احتكاك عجلات الشاحنات والسيارات والناقلات، مع زفت الطريق الوطنية رقم 10، كفيل بإعادة نوع من الدفء إلى الصدور التي أرعبتها الثواني العشرون -تقريبا- للزلزال المدمر الذي أتى على عشرات الدواوير والقرى المنسية ودك منازلها المتواضعة فوق رؤوس سكانها الطيبين.
إلى حدود كتابة هذه الأسطر، لا تزال المساعدات التي خصصتها الجمعيات والأفراد والمواطنون الصالحون، تتوافد على طريق مراكش. بقي فقط على المسؤولين العمل على تسهيل عبور كل هذه الناقلات المحملة نحو الوجهة الأكثر تضررا من الزلزال، خصوصا في إقليم تارودانت الشاسع.
ما يقع حاليا، أن جل المساعدات تصل عبر مراكش إلى تارودانت، وهو ما أدى إلى تأخر وصول المساعدات إلى القرى والمداشر الجبلية الواقعة في الجهة المقابلة لجبل تيزي نتاست، مرورا عبر أولاد برحيل نحو «تيگوگا».
هناك عشرات القرى لم تصلهم أي مساعدات لليلة الثالثة على التوالي. الناجون، والذين تم انتشالهم بسواعد الشباب الذين هبوا لإزالة الأنقاض، بقوا ينتظرون وصول صناديق الخبز من أولاد برحيل ونواحي تارودانت لساعات، فيما يتم انتشال المئات من الذين قضوا تحت ركام منازلهم الطينية .حجم التضامن الذي أبان عنه المغاربة ليس مُفاجئا. هناك نساء قدمن ما معهن من الحلي، وهناك أصحاب محلات تجارية عرضوا مخازن السلع أمام قوافل المساعدات، وقليلون منهم طلبوا مبالغ رمزية فقط مقابل شحن الأحذية والملابس للناجين في قرى معزولة تماما.
لكن هذا لا يمنع من مطالبة السلطات بالضرب بيد من حديد على «تجار الأزمة»، إذ سجل المواطنون في نواحي تارودانت وجود حالات من الجشع التجارية، بعد إقدام بعض تجار الخبز، على التنقل بسياراتهم إلى مراكز بعض البلدات المعروفة بالكثافة السكانية العالية، وشرعوا في بيع الخبز بدرهمين ونصف، أي أكثر من ضعف السعر العادي. ولولا استنكار السكان والشباب المتحمسين للتنقل صوب المناطق المنكوبة، لازدادت وتيرة الجشع.
هناك مشكل آخر يتعلق بوصول المساعدات إلى المناطق الأكثر تضررا. ويتعلق بصعوبة المسالك وانعدام الطرق في بعض النقط الكيلومترية المؤدية صوب التجمعات القروية في قمم الجبال.
قرى جبل تيزي نتاست على سبيل المثال، يتطلب الوصول إليها قطع مسافات في منعرجات جبلية غير معبدة، وهو ما يطيل مدة وصول المساعدات. بل في الأيام العادية، ينتظر الناس لثلاثة أيام، وأكثر، للتنقل من قرى الجبل إلى مركز مدينة تارودانت، أو أولوز في الاتجاه صوب ورزازات.
أما في نواحي تيگوگا فالوضع أكثر تعقيدا. حسب إحصاء 2014، فإن عدد السكان يتجاوز 4500 نسمة. وهناك 22 دوارا تابعا للبلدة، ترابيا واقتصاديا أيضا. والوصول إلى هذه الدواوير، في الظروف العادية، يتطلب مجهودا كبيرا، فما بالك بالوصول إليها الآن. المُنتخبون يأتون إلى هذه الجماعات والدواوير في الحملات الانتخابية، وبعدها يختفون تماما إلى أن يكونوا في حاجة مرة أخرى إلى الأصوات الانتخابية.
مرة أخرى، أبانت الجمعيات المحلية أنها تقوم مقام المسؤولين في المنطقة. شباب مجندون لأزيد من 72 ساعة متواصلة، بدون نوم تقريبا، يعملون ليلا في عمليات التنقيب في الأنقاض لانتشال الجثث، يجدون أسرا مات كل أفرادها. وفي الصباح يواصل فريق منهم المساعدة في تقليب الركام، فيما آخرون ينسقون هاتفيا لإرشاد قوافل المساعدات. وبين الفينة والأخرى تظهر نسوة تعرضن حليهن الذهبية والفضية على جامعي المساعدات وتتبرعن بها لإطعام ما تبقى من الناجين.
يحدث كل هذا، والعالم يصلي من أجل سكان منطقة الحوز مراكش وسوس، المناطق الأكثر تضررا من الزلزال المدمر.
نسبة كبيرة من سكان المنطقة لا يزالون يتذكرون زلزال أكادير المدمر الذي ضرب سنة 1960 وحصد أزيد من عشرة آلاف روح رغم أن قوته لم تتعد خمس درجات ونصف كانت كافية لإسقاط المدينة بأكملها. أما الكارثة الحالية فقد سجلت هزات عنيفة بقوة تفوق 7 درجات بقليل، لكن المأساة تكمن في انقراض قرى ومداشر، يسكنها الآلاف، كانت تعيش عزلة قبل الزلزال، وبعده أيضا.
رحم الله الموتى، وعجل بنجاة من نجا. طالما كانت تلك القرى أرضا تُنتج الفقهاء وحفظة القرآن الكريم، والمواطنين الصالحين الذين لا يطلبون أي شيء، سوى العيش فوق خط الفقر، بقليل.