حسن البصري:
توفيت والدتك أثناء تشجيعك من المدرجات، كيف عشت هذا الحادث المأساوي؟
نعم إنه ليوم حزين فقدت فيه والدتي، فور إعلاني فائزة في نزال صعب أمام ملاكمة إيطالية، برسم نصف نهاية كأس محمد السادس للملاكمة، التي دارت في مراكش سنة 2014. لقد تفاجأت بسقوط والدتي حين كانت سعيدة بانتصاري وهي حينها بمدرجات القاعة المغطاة، حيث كانت تتابع المواجهة القوية لابنتها.
هل اعتادت والدتك متابعة مبارياتك؟
لا أبدا لقد كانت تسألني عن نتائجي وتدعو لي قبل كل مواجهة بالفوز والسلامة، وكانت تحرص على أن أكون متألقة، وأنا بدوري أتفاءل بها وأتشوق لسماع صوتها ودعواتها سواء قبل المباريات أو بعدها.
كيف قررت والدتك السفر إلى مراكش لمتابعة نزالك دون سابق إشعار؟
اتصلت بي والدتي هاتفيا قبل المباراة وقالت لي إن والدي رفض حضورها إلى مدينة مراكش، وأصر على أن يأتي إلى التظاهرة وحده أي دون أن ترافقه في رحلة التشجيع، كنت أعلم أنها مريضة بداء السكري وأنها تتناول الدواء وأن سفرها وضغط المواجهة قد يزيدا من متاعبها الصحية لكنها أصرت على المجيء إلى مراكش.
حل بمدينة مراكش إلى جانب أفراد عائلتك جمهور غفير من سيدي مومن..
نادرا ما نشاهد في لعبة الملاكمة متابعة جماهيرية وتنقلا للمشجعين من مدينة إلى أخرى، هذا يقتصر على كرة القدم، لكن في تلك المباراة امتلأت القاعة المغطاة لمراكش، ولاحظت أن الأنصار أتوا من الدار البيضاء ومن الحي الذي أقطنه لمساندتي، وتردد اسمي كثيرا في القاعة ما زاد من حماسي وأربك الملاكمة الإيطالية.
نعود إلى لحظة سقوط والدتك في المدرجات، ما تفاصيل هذه الواقعة؟
بعد رفض والدي مجيء أمي للقاعة، اتصلت به والتمست منه المواقفة على حضور النزال، ورافقها في رحلتها زوجي وشقيقي وكانت معهم ابنتي التي كانت صغيرة السن، حلوا بالقاعة المغطاة من أجل مؤازرتي في مواجهة هامة. تبادلنا التحية عن بعد قبل بدء النزال وكانت والدتي تتفاعل مع المواجهة، لأنه لأول مرة تتابعني مباشرة من الميدان. كان ذلك على ما أذكر يوم الأربعاء على الساعة الثامنة والنصف مساء، اهتزت المسكينة فرحا بمجرد إعلان الحكم عن فوزي ثم هوت مغشيا عليها، لتفارق الحياة على الفور، إثر نوبة قلبية. وخلف هذا الحادث صدمة في نفوس أسرة الملاكمة المغربية بمراكش، والتي هبت لمؤازرتي ودعمي في هذه النكبة.
هل علمت بوفاة والدتك مباشرة بعد نهاية النزال؟
لم أعلم بذلك فقد منعت من التوجه للمدرجات بعد انتهاء النزال، وقيل لي إن الوالدة سقطت من شدة فرحها وتشجيعها، وطمأنني بعض المرافقين على صحتها، لكن ما حصل هو أنها توفيت في القاعة المغطاة رغم نقلها على وجه السرعة إلى المستعجلات. عشت لحظات ترقب رهيبة بعد أن تم نقلها إلى المستشفى، لقد قيل لي إن الأمر يحتاج لإسعافات أولية بسيطة، لكن القضية تحولت إلى فاجعة حقيقية في الدورة الرياضية.
من أشعرك بخبر الوفاة؟
حين توجهت والدتي إلى المصحة عدت إلى الفندق وبدأت أتلقى مكالمات تحمل التهاني والأماني في جو من الفرح، اتصلت بشقيقاتي في الدار البيضاء حيث تقبلت منهن التهاني، وخلال المكالمة عم صمت رهيب بيت أسرتي لم أفهم اعتقدت أن عطبا ما حصل في الهاتف، لكنهم قطعوا الخط لأنهم علموا في تلك اللحظة خبر وفاة أمي. على الفور اتصلت بزوجي الذي رافقها إلى قسم المستعجلات استفسرته عن وضعية والدتي لم يجب واكتفى بالصمت، قبل أن يغالبه البكاء ويكشف لي حقيقة الوفاة. لم أشعر إلا وأنا أطلق صرخة كبرى زرعت الرعب في الفندق، تجمع حولي كل أفراد المنتخب الوطني وعشت نكبة حقيقية أفسدت العرس.
هل رفضت المشاركة في المباراة النهائية بعد هذا الحادث المأساوي؟
حصلت الفاجعة مساء الأربعاء، وكان علي خوض النزال النهائي يوم الخميس، في ظرف حرج، رغبة مني في تلبية رغبة والدتي التي كانت تريد أن تتأهل ابنتها للمباراة النهائية وتفوز باللقب حتى ترفع راية بلدها المغرب في هذا المحفل الدولي. فزت عن جدارة واستحقاق، بعد أقل من 24 ساعة على وفاة والدتي، كان الموقف صعبا.
هذه التظاهرة التي ستبقى راسخة في ذهني وفي ذهن كل من عاش الحدث الكبير، حيث عرف رحيل أمي إلى دار البقاء. لقد انتابني شعور غريب فوق حلبة قاعة بن شقرون في مشهد مؤثر ترك جرحا غائرا في نفسي ونفس الجماهير وأسرة الملاكمة الوطنية. بكل صدق كدت أن أضع حدا لمساري الرياضي لولا تدخل الجامعة ودعم الجماهير وزوجي ووالدي.
والدك كان على حق حين رفض وجود والدتك في القاعة المغطاة؟
نعم كان محقا لأنه يعرف أكثر من أي شخص آخر وضعها الصحي، ويعلم أن فرحتها إذا زادت عن حدها ستتحول إلى فاجعة. لقد ترعرعت في عائلة رياضية، بحكم أن رب أسرتي مارس رياضة الملاكمة بجمعية الشاوي للملاكمة التي يترأسها الرئيس الأسبق للجامعة الملكية المغربية للملاكمة مصطفى وسام، وأهلي ساعدوني على ممارسة الرياضة.
ولكنك عدت إلى المنافسة على الألقاب..
في سنة 2017، اعتزلت مؤقتا الملاكمة حيث خضعت لعملية قيصرية وأنجبت ابنتي الثانية، لكن بعدها بسنتين عدت لأستأنف نشاطي واستعدت طراوتي البدنية، ثم نجحت في نيل برونزية بطولة العالم كإنجاز خارق وغير مسبوق.. لقد حققت حلم والدتي الراحلة التي قالت وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة: «الحمد لله حققت لي خديجة حلمي». وهذا يكفيني.