عزيز بلال.. ذهب لتوقيع اتفاقية توأمة بشيكاغو فمات في محرقة
اعتذر عزيز بلال، الأستاذ الجامعي والمناضل الاقتصادي، عن تلبية دعوة الحضور لأشغال منتدى فكري في شيكاغو، يتوج بتوقيع اتفاقية توأمة بين المدينة الأمريكية وجماعة عين الذئاب التي كان يمثلها، وحاول جاهدا البحث في تلابيبه عن عذر يمكنه من تأجيل الحدث بسبب تزامن الملتقى مع نهاية الموسم الدراسي موعد الامتحانات مع ما يتطلبه الظرف من استنفار، خاصة أن الرجل كان حريصا على إعطاء الأولوية لمهمته كأستاذ جامعي، أكثر من مهمته كرئيس جماعة.
رفض المنظمون مقترح التأجيل وأصروا على الالتزام بالموعد المحدد سلفا، كما رفضوا فرضية تكليف من ينوب عن عزيز في هذه المهمة، فالرجل كان مطلوبا فورا للحضور إلى شيكاغو.
قبل أيام من سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية، شارك عزيز في مناظرة انعقدت بالرباط يوم أبريل 1982 حول موضوع: «نظريات التنمية.. الأزمة والعالم الثالث»، هناك قال كلاما قوبل بعاصفة من التصفيق، وهو يكشف عن أعطاب الاقتصاد المغربي، «إن المشروع التاريخي قد وجد وسيستمر وجوده في ضمير جماهيرنا وشعوبنا التي أصيبت بخيبة أمل كبيرة، سواء أكتبت لنا الحياة أو الممات». وكأن الرجل يعرف قدره الذي يمشي إليه مرفوع الهامة.
حل عزيز بشيكاغو وهو يتأبط ملف توأمة غير متكافئة، وحقيبة سفر مليئة بالكتب، كان يتأمل مفارقة رجل شيوعي في بلد رأسمالي، ويعيد قراءة توأمة هجينة، في الولايات المتحدة الأمريكية، معقل الامبريالية، بحث عزيز بعين الذئاب عن شرفة لاستنشاق هواء الرأسمالية، فجأة شاع خبر الفاجعة عبر قصاصة أنباء أعلنت وفاة عزيز بلال في حريق شب بفندق «هيلتون» الذي كان يقيم فيه، لم يكن أحد يعتقد أن الرجل الذي عشق العمل السري سيموت سرا، وسيظل موته لغزا، وستظل أسئلة المحققين بدون أجوبة.
قدر للرجل أن يموت في محرقة بفندق مصنف ورأسه مدفون في أوراقه، مات دون تفاصيل، وأوردت وكالة الأنباء خبر الرحيل بشكل مختصر، وكأن الموت في مدينة شيكاغو، ذات أعلى نسبة إجرام في أمريكا، مسألة عادية لا يراق حولها الكثير من الحبر. حتى الذين رافقوه في رحلته يفضلون الصمت لأنهم لم يتخلصوا من هول الصدمة رغم طول المسافة الزمنية. قيل إن النيران التهمت جسده وأوراقه، دون تقديم تفاصيل أخرى، بينما استغرب الكثيرون لرحيله في ليلة عيد ميلاده.
قبل ساعات قليلة عن احتراق الجناح الذي يقطن فيه، ظل الرجل يتحدث عن شراكة غير متكافئة، كان يناقش مع أحد منتخبي المدينة الأمريكية الفرق بين مدينة متوحشة وأخرى سائرة في طريق التوحش، ما أضحك المسؤولين الأمريكيين الذين استغربوا حين علموا أن العضو الجماعي كان كاتبا عاما في وزارة التشغيل، وهو من وضع أسس الضمان الاجتماعي، قبل أن يموت دون تعويض عن الوفاة.
في سنة 1984 أطلق اسم عزيز بلال على فصيل طفولي يدعى «الطلائع»، تابع سياسيا لحزب التقدم والاشتراكية، الحزب الشيوعي سابقا، لكن ما أثار الاستغراب أن التوأمة، التي كان من المقرر أن توقع سنة 1982 قبل أن تحترق أوراقها في غرفة فندق «هيلتون»، ولدت من جديد حيث خلقت سنة 1991 لجنة أطلق عليها اسم «لجنة توأمة الدار البيضاء وشيكاغو» على أنقاض توأمة محروقة، وتقرر أن تكون الشراكة قطاعية من خلال توقيع اتفاقية توأمة مستشفى ليلينوا بشيكاغو والمركز الاستشفائي ابن رشد سنة 1995، وأخرى مع بعض المدارس الحرة.
استقال يوسف بلال، نجل الراحل، من الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، احتجاجا على «الريع السياسي» الذي انخرطت فيه قيادة الحزب، واختار العيش في الولايات المتحدة الأمريكية غير بعيد عن المكان الذي شهد وفاة والده.