شوف تشوف

الرأي

عزاء النساء

جهاد بريكي

قبل أيام قليلة وقعت جريمة اهتزت لها دولة الكويت، وقلب كل امرأة ورجل يؤمنان بحق الجنسين في الحياة وتقرير المصير عبر بقاع العالم. فقد أقدم أحدهم على طعن امرأة حتى الموت على مرأى ومسمع طفلتها في وضح النهار، القاتل كان متحرشا ذا سلطة لم يستلطف فكرة أن يرفض فقرر الاعتداء عليها، لتواجهه القتيلة بمطرقة القانون ويتم القبض عليه ثم إخلاء سبيله. فما كان من متحرش عربي يرى نفسه سيدا على كل بنات حواء ولم يستطع إلى الآن استيعاب قدرة امرأة على رفضه ومواجهته بالقانون إلا أن يتوجه نحو ضحيته ويغرس سكين الكبت والجهل والعنجهية الذكورية في جسدها البريء. حادث مأساوي نعرفه جيدا نحن المهووسون جدا بشرف الأنثى وسمعتها ولباسها وصوتها. تعاطف المجتمع العربي مع الضحية ومع القاتل. فكانت ردود الأفعال والتعاليق والمداخلات تنقسم لقسمين، المستنكر للجريمة لأنها جريمة وهذا يكفي ليجعله متعاطفا مع الضحية، والمستنكر المتسائل لماذا قتلها!؟، الذي ينتظر جوابا قد يفسر وجهة رأي القاتل في القتل. وكأن القتل رأي من الأساس. تماما كالذي تخبره أن متحرشا تحرش بك فينطلق مباشرة ليتفحص شكلك ولباسك، باحثا عن عذر دفع المجرم لجريمته. نحن نعرف جيدا هذا التحوير الذي يحصل غالبا عندما يتعلق الأمر باعتداء على امرأة، ماذا فعلت، وماذا ارتدت، كيف تكلمت، وكيف نظرت، وكيف ضحكت!؟ لا بد أنها هي من أقدمت على استفزازه ليمد يده ويتلمس جسدها. لا بد أن ضحكتها أغرته بالاقتراب ونظرتها أوحت له باختراق خصوصيتها، وهل لها فعلا خصوصية!؟ كلها أسئلة يطرحها من يبحث للذكر المعتدي عن حجة تخفف وطأة جريمته.
يتحول الموضوع من أي جزاء يستحقه المجرم، إلى كيف يمكن أن نجرم الضحية، تماما كأن تجد بيتا تشتعل في أركانه نيران حمراء تلفحه. فتجلس أمامه دون فعل شيء لأنك تريد أن تعرف كيف انطلقت شرارة هذا الحريق. تحوير وشكوك وتدليس جعل أغلب بنات حواء يلجمن ألسنتهن عن اعتداءات مفجعة، ويفضلن الصمت وتجرع السم ورؤية المغتصب والمتحرش ينعم بالأمن والسلام أمام أنظارهن حتى لا يواجهن مجتمعا سيحولهن لمجرمات بمجرد ما أن يفتحن أفواههم.
قد يتحرش فنان بفنانة أو مخرج أو منتج، ثم تواجهه الفنانة على الملأ لتُستنفر العدالة والأمن ويُتابع المتهم بجدية وتدرس الأدلة كائنا من كان، هذا في دول تفهم أن الجريمة في حق أنثى لا تختلف أبدا عن جريمة في حق الذكر، أما عندما نتوجه بأعيننا نحو شعوب ترى في الإناث مواطنات درجة ثانية وكائنات يجوز في حقهن مالا يجوز في حق مواطني الدرجة الأولى، تتحول منصات التواصل لمحاكم شعبية تخوض في عرض الضحية ومن جاء بها إلى الحياة، تبحث عن شيء في صورها تبرر بها كبت جلادها، تبرر دون خجل متحججة بكونها هي من اختارت أن تغادر منزلها وتتعرض لكل هذا، فلو أنها اكتفت بمطبخها لما أصابها شيء. ردود أفعال تجعل النساء يشعرن بأنهن ملك للشارع، وأن كل ما يمكن أن يحصل معهن في الشارع العام وحتى في مواقع التواصل لا بأس به ما دامت قررت التواجد هناك.

الأمثلة كثيرة، وتصل أحيانا لدرجة تفضل فيها الصمت بدل خوض معارك تبدأ بالتشكيك في شرفك وعرضك، ثم توجهك السياسي، ثم معتقدك الديني، فيكفي أن تدافعي عن حق إحداهن في مقاضاة مُعنفها ومتباعته سواء كان زوجا أو أخا أو غيره، حتى ترى الحيرة التي تعلو وجوه الكثير، متسائلين عن أي أجندة أجنبية تخدمين !؟ وبأي دين تؤمنين!؟ وهل جئت لزعزعة استقرار الأمن الأسري المغربي وتشويه سمعته !؟ شكوك تثار حول كل من نطقت بكونها ضحية، وتهم جاهزة تثبت في حقها دون حاجة لسماعها ولا لمعرفة قصتها. يكفي أنها أنثى، والجريمة في حق الأنثى لها ما لها وعليها ما عليها.
المريح نوعا ما في ما حصل في الكويت أن كل الشخصيات العامة، والمؤثرات صاحبات الملايين متابع، والفنانات وغيرهن تفاعلوا مع الموضوع بشكل لافت وحولوه لقضية رأي عام أجبرت العدالة على ملاحقة الجاني بشكل صارم بعدما كانت قد أفرجت عنه ليحقق جريمته، متجاهلة استغاثات القتيلة وأهل بيتها. الشيء الذي قد نحتاجه بشدة لإيصال صوت من لم تجد في المجتمع رحيما أو متعاطفا يبحث لها عن القصاص، لا لجلادها عن الأعذار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى