شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرخاص

عدوان تشريعي على المبادئ الدستورية

مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 23.02

إن المحاماة مهنة حرة، مستقلة، جزء من أسرة القضاء، وجناح من جناحي العدالة، تساهم في تحقيق الأمن القضائي، والدفاع عن الحقوق والحريات والنهوض بها، والمحامون بهذه الصفة يعتبرون شركاء للسلطة القضائية في تثبيت أسس دولة القانون وسيادة القانون، والدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم.

مقالات ذات صلة

مصطفى بن شريف :

من الطبيعي أن يتمسك المحامون بالمغرب، بأن تظل مهنة المحاماة حرة مستقلة، لأنه لا يجوز أصلا لغير المحامين مزاولتها، خلافا لما ورد في مشروع قانون المسطرة المدنية، وهو المبدأ الذي ورد في جميع القوانين المنظمة لها منذ الاستقلال، والتي عرفت خمسة قوانين: 1959 و1968 و1979 و1993 و2008، ولا يجوز للقوانين الإجرائية أو الموضوعية التعدي على المراكز والمكتسبات المهنية التي راكمتها مهنة المحاماة.

ومن جهة أخرى، فإن هيئات المحامين بالمغرب (نقباء ومجالس وجمعيات عمومية)، إلى جانب جمعية هيئات المحامين بالمغرب كإطار تنسيقي ومجال للتشاور، وتوحيد الموافق، والتوافق على القرارات في القضايا المهنية والتشريعية، والوطنية، لم تتردد في يوم من الأيام في الدفاع عن القضايا الوطنية والقومية، والحقوق والحريات والديموقراطية والإصلاحات الدستورية، وما زال دورها نشيطا، وازنا، وفاعلا، تؤمن بالحوار الديموقراطي، واحترام الرأي والرأي الآخر، لذلك لا يمكن تهميش المؤسسات المهنية، لما يتعلق الأمر بالشؤون المهنية أو بتشريع القوانين الإجرائية والموضوعية.

 

ضرورة إشراك هيئات المحامين

 

إن مسؤولية المحاماة لا تقل أهمية عن مسؤولية القضاء، وذلك بالنظر إلى كونهما يمثلان جناحي العدالة، وفي تحمل مسؤولية الحفاظ على مقومات العدالة كل من موقعه، في إطار زاوية كاملة بين القضاء والمحاماة في أداء رسالتهما وفي ضمان الأمن القضائي.

ونظرا إلى مكانة المحاماة وأهميتها في الحياة العملية والمجتمعية، ودورها المحوري في زرع ثقافة حقوق الإنسان، والتواصل مع جميع مؤسسات الدولة في إطار علاقة تكامل مع رسالتها النبيلة، القائمة على الدفاع عن الحقوق والحريات، والمساهمة في بناء دولة القانون، لم يعد ممكنا للحكومة أو البرلمان أو السلطة القضائية معالجة القضايا المهنية والتشريعية دون تعاون مع الهيئات المهنية ومع جمعية هيئات المحامين بالمغرب، وإشراكها في إعداد القرارات ومشاريع القوانين ذات الصلة بالممارسة المهنية.

وعدم التفاعل إيجابيا مع انتظارات المحامين والمتقاضين أمر يتعارض مع مقاصد دولة القانون، والديموقراطية التشاركية التي تعتبر مبدأ دستوريا، وكل إنكار لذلك يترتب عليه احتقان لا يمكن التنبؤ بنتائجه.

إن التذكير بمهام رسالة الدفاع تقتضيه شروط المرحلة، التي تتميز بالاحتقان الناتج عن أعمال الحكومة أو من في حكمها، والتي يفهم منها أنها تستهدف مهنة المحاماة، دون الإفصاح عن الأسباب والخلفيات صراحة، لكن بإعمال قراءة موضوعية لخطاب الحكومة، أو وزير العدل، أو رئيس مجلس النواب، نخلص إلى القول بوجود من يسعى إلى «شيطنة»، المحاماة كمدخل من أجل احتوائها، وتركيعها، عن طريق مباشرة الوسائل التشريعية والإدارية والقضائية.

ويعتبر التشريع الضريبي، ونظام التغطية الصحية، ومشروع قانون المسطرة المدنية، ومشروع قانون المسطرة الجنائية من بين الوسائل التي يتم تسخيرها في مواجهة مهنة المحاماة، وكأن رسالة الدفاع تمثل «معارضة سياسية راديكالية»، بقناع حقوقي.

لكن، ومهما يكن من أمر، فالحكومة تمارس السلطة التنفيذية، والبرلمان يمارس السلطة التشريعية وفقا للشكل المبين في الدستور، عن طريق إصدار تشريعات التي يجب أن تكون مطابقة لأحكام النصوص الدستورية، وإلا تعرضت للحكم بعدم الدستورية.

وهكذا، فالحق في التقاضي وحقوق الدفاع، والحق في محاكمة عادلة هي من الحقوق التي يكفلها الدستور، والاتفاقيات الدولية، الأمر الذي لا يجوز معه للمشرع إهدار هذه الحقوق أو تعطيلها، عن طريق وضع قيود عليها، أو بإغفال أو بإنكار القواعد الدستورية، عمدا أو عن غير عمد.

علما أن البرلمان وإن كان يمارس السلطة التشريعية، والتي هي في الأصل، كما يشير إلى ذلك سامي جمال الدين، في كتاب الرقابة على أعمال الإدارة، (ص: 33)، «سلطة تقديرية»، لكنها يجب أن تكون مطابقة للدستور، لكونها ليست سلطة مطلقة، بل مقيدة بحدود الدستور، خلافا لما يحصل مع مشروع قانون المسطرة المدنية.

ويؤخذ من بعض مواد مشروع قانون المسطرة المدنية، أنها تمثل وبحق تعديا على مبدأ المساواة بين الأفراد أمام القانون، والتحيز لمصلحة فئة معينة، علما أن القاعدة القانونية يجب أن تكون عامة ومجردة، الأمر الذي يفقد المشروع صفة التشريع أو القانون، لأن البرلمان مقيد بالدستور بوصفه يمثل السلطة التشريعية التي من مهامها تحقيق المصلحة العامة، وليس الدخول في «صراعات سياسية»، وفي تنازع مع المحاماة عن طريق تسخير التشريعات كوسيلة «للردع» دون سبب مشروع.

وهكذا، سأتولى دراسة موضوع «مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02، «عدوان تشريعي» على المبادئ الدستورية المتعلقة بحقوق الدفاع والحق في التقاضي والحق في محاكمة عادلة»، وذلك من خلال المحاور التالية:

 

أولا: المرجعية الدستورية لحقوق الدفاع والحق في التقاضي:

تعتبر حقوق الدفاع والحق في التقاضي مبادئ كونية ودستورية، وردت صراحة في الإعلانات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ونصت عليها دساتير العديد من الدول، ومن بينها المغرب، خاصة مع فترة «الانتقال الديموقراطي»، بعد 2011، حيث اختار المغرب التحول نحو بناء دولة ديموقراطية، يسودها الحق والقانون، ومثل هذا الاختيار دستور 2011، الذي تضمن مبادئ وحقوقا لم تكن مألوفة، ولا منصوصا عليها في دساتير 1962 و1970 و1972 و1992 و1996.

ومن أهم المبادئ الواردة في دستور 2011، نجد ما يلي:

  • التراتبية القانونية؛
  • فصل السلطات؛
  • مبدأ المساواة أمام القانون؛
  • الحقوق والحريات الأساسية؛
  • وفصل السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية؛
  • الحق في التقاضي؛
  • حقوق الدفاع والحق في محاكمة عادلة؛
  • مبدأ الأمن القضائي؛
  • الرقابة الدستورية السياسية أو القبلية على القوانين؛
  • الرقابة الدستورية البعدية أو الفرعية على القوانين، (معطلة من طرف الحكومة والبرلمان).

هذه المستجدات الدستورية، اعتبرها قسم واسع من الفقه الدستوري، بأنها تشكل مؤشرا على انتقال المغرب إلى مرحلة بناء دولة القانون، وفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

فإلى جانب التشريع الدولي، الذي أولى حماية لحقوق الدفاع والحق في التقاضي، والحق في محاكمة عادلة، انخرط المغرب في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، ومن أهمها، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966.

ونص دستور 2011، صراحة على دسترة «حقوق الدفاع» و«الحق في التقاضي»، و«الحق في محاكمة عادلة»، كما هو ثابت من الفصلين 120/ف1 و118/ف1 من الدستور.

ومن أجل مقاربة موضوع المرجعية الدستورية لحقوق الدفاع والحق في التقاضي، ارتأينا أن نتطرق إلى المرجعية الدستورية لحقوق الدفاع، ثم إلى المرجعية الدستورية للحق في التقاضي، وهما معا يعتبران من مقومات المحاكمة العادلة.

 

2

 

II)المرجعية الدستورية للحق في التقاضي:

إذا كانت حقوق الدفاع هي من الحقوق الدستورية الأساسية للإنسان، فإنه لا يجوز الانتقاص منها أو التضييق عليها أو تعطيلها بمقتضى تشريعات غارقة في عيوب عدم الدستورية، فالمشرع مطالب بأن يحقق التوازن بين حقوق الأفراد وحرياتهم، وبين مصالح الدولة، فإن نفس المبادئ تؤطر وتحكم الحق في التقاضي الذي يعتبر مبدأ دستوريا، ورد صراحة في الفصل 118/فقرة 1 من دستور 2011، وجاء فيه: «حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون».

إن دسترة الحق في التقاضي، يترتب عنها ضمانه، بموجب التشريعات النافذة في الدولة، وعدم جواز مخالفتها للمبدأ الدستوري المذكور، تضييقا أو نقصانا، أو بالتوسع فيها، تحت طائلة شبهة عدم الدستورية، لأنه حق دستوري أصيل، يحظر التعدي عليه بأي وسيلة، سواء كانت تشريعية أو تنفيذية، لأن حق التقاضي يكفله الدستور، ويتولى القانون تنظيمه في الحدود التي رسمها الدستور.

ما معنى الحق في التقاضي؟ وما هي مرتكزاته؟

إن الحق في التقاضي يتمثل في الإمكانية المخولة لكل شخص في اللجوء إلى القضاء لطلب الحماية القانونية والدفاع عن مصالحه وحقوقه التي يحميها الدستور.

وبناء عليه، نعتقد بأن النص على حق التقاضي في الدستور لا يجب أن يكون موضوع إنكار أو تقييد تشريعي، لأن حق التقاضي يعتبر من الحقوق العامة التي يكفلها الدستور، ومن أهمها مبدأ المساواة في التقاضي بين المواطنين، لأنه لا يجوز حرمان طائفة معينة من المواطنين من حق التقاضي في ظل وجود منازعة تمس بحقوقها وبمراكزها القانونية، الأمر الذي يشكل تعديا على مبدأ المساواة أمام القانون لحرمانها من حق التقاضي، وهو المبدأ الذي أكدت عليه المحكمة الدستورية العليا في مصر (الحكم الصادر في القضية رقم (67 لسنة 6 ق.د) جلسة 16 فبراير 1985، مجموعة أحكام المحكمة الدستورية، الجزء الثالث، ص: 145.)، في العديد من قراراتها وبشكل متواتر.

إن السلطة التشريعية لا تملك الحق في الاعتداء على مبدأ حق التقاضي، لكونه مبدأ دستوريا، لأن التضييق من الحق في التقاضي بمقتضى قوانين إجرائية أو موضوعية يصدرها المشرع، يشكل اعتداء على مبدأ سيادة القانون، وعلى مبدأ الفصل بين السلطات.

ولذلك فكل نص تشريعي يخالف النص الدستوري هو نص باطل وغير دستوري، لمخالفته القواعد الدستورية التي تحميه، ولذلك فإن الأصل في التشريع أن لا يقيد الإجراءات في التقاضي، أو وضع عراقيل أمام المتقاضين عن طريق جزاءات مالية أو غيرها من القيود.

ومن أهم الضمانات المقررة في الدستور المغربي للحق في التقاضي، نجد ما يلي:

  • مبدأ فصل السلط (الفصل 1)؛
  • مبدأ دستورية القواعد القانونية، وتراتبيتها (الفصل 6)؛
  • مبدأ استقلال القضاء (الفصل 107)؛
  • مبدأ حياد واستقلال القضاء (الفصل 109)؛
  • مبدأ الأمن القضائي (الفصل 117)؛
  • مبدأ الحق في محاكمة عادلة (الفصل 120)؛
  • مبدأ مجانية التقاضي (الفصل 121)؛
  • مبدأ علانية الجلسات (الفصل 123)؛
  • الحق في صدور أحكام داخل آجال معقولة وفي ممارسة الطعون (الفصل 120)؛
  • الحق في جبر الأضرار المترتبة على الأخطاء القضائية (الفصل 122)؛
  • الحق في تنفيذ الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء (الفصل 126).

ويستخلص من المبادئ الدستورية أنها تتكامل في ما بينها، لكونها تشكل ضمانة أساسية لحماية الحقوق والحريات، ومن بينها حقوق الدفاع والحق في التقاضي والحق في محاكمة عادلة، التي تعتبر مبادئ دستورية ملزمة للسلطة التشريعية، والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية (أي لجميع السلطات).

ولما كانت القواعد الدستورية تحتل المكانة الأسمى في الهرم القانوني، وبأن الاتفاقيات الدولية تعلو على القوانين الوطنية بعد المصادقة عليها ونشرها بالجريدة الرسمية، وبعد معاينة عدم تعارضها مع الدستور، يتعين على المشرع مراعاة هذه القواعد في تشريعه، بما يكفل ويحقق التكامل والتعاون بين القانون الدستوري والقوانين الإجرائية والموضوعية من جهة، ومع الاتفاقيات الدولية من جهة ثانية، وذلك من أجل ضمان إنتاج وإصدار منظومة تشريعية وطنية تتسم بالأمن القانوني كمدخل يكفل تحقيق الأمن القضائي.

إن حقوق الدفاع والحق في التقاضي يكتسيان حصانة دستورية (أحمد عبد الفتاح طه القصاص، التجريم الدستوري، دراسة تحليلية مقارنة، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2020، ص: 23)، في ظل سيادة حكم القانون، واحترام تراتبية القوانين، وهو المبدأ الذي أكد عليه دستور 2011، بحيث أصبح مبدأ سيادة القانون مرادفا لمبدأ المشروعية.

ولكن، لا معنى لمبادئ سيادة القانون، والتراتبية القانونية، والأمن القضائي، إذا لم يتم توفير الآليات المؤسساتية والتشريعية لحمايتها، وهو المبدأ الذي ينسحب أيضا على مبدأ حقوق الدفاع والحق في التقاضي والحق في محاكمة عادلة المنصوص عليها دستوريا.

إن الفصل 118/ف2 من الدستور ينص: «كل قرار اتخذ في المجال الإداري، سواء كان تنظيميا أو فرديا، يمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة».

إن الفصل 118 من الدستور، ينص على مبدأين أساسيين، وهما: مبدأ الحق في التقاضي، ومبدأ عدم تحصين أي قرار أو عمل إداري من رقابة القضاء، ليكون بذلك المشرع الدستوري قد عمل على دسترة دعوى الإلغاء، أو دعوى المشروعية لأول مرة في النظام الدستوري المغربي.

إن المشرع الدستوري، وإلى جانب تقرير حق التقاضي للأشخاص كافة (مادية أو اعتبارية)، كمبدأ دستوري أصيل، نص أيضا على مبدأ حظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء (مجدي محمود محب حافظ، موسوعة أحكام المحكمة الدستورية العليا من عام 1971 إلى عام 2008، الجزء الثالث، دار محمود للنشر والتوزيع، القاهرة، ص: 1787-1792)، وكذا عدم جواز إصدار قوانين تتضمن مقتضيات مخالفة للدستور، احتراما لمبدأ سمو الدستور الذي يعتبر من المبادئ الملزمة (قرار المجلس الدستوري رقم 937، بتاريخ 29 ماي 2014)، لأن تحقيق الأهداف الواردة في الدستور يجب أن يتم دون الإخلال بالمبادئ الدستورية (قرار المجلس الدستوري رقم 943، بتاريخ 25 يوليوز 2014)، أي أن مراقبة دستورية القوانين – شكلا وجوهرا- تستلزم استحضار المقاصد التي ابتغاها الدستور (قرار المجلس الدستوري رقم 937، بتاريخ 29 ماي 2014)، سواء بالانتقاص أو بالتوسع أو بإضافة قاعدة جديدة.

وحقوق الدفاع والحق في التقاضي، هي من الحقوق المتداخلة والمتشابكة، يصعب فصلها عن بعضها البعض، نظرا إلى وحدة الهدف المتمثلة في حماية حقوق المتقاضين أمام جميع المحاكم، وهو الأمر الذي يستفاد من أحكام الفصلين 118 و120 من الدستور، الأول يتعلق «بحق التقاضي»، والثاني نطاقه «حقوق الدفاع»، فهما معا ينظمان حقا من حقوق الإنسان، ويتكاملان في ما بينهما، عملا بالمبدأ الذي قررته المحكمة الدستورية بتأكيدها «أن الدستور متكامل في مبادئه وأهدافه وشروطه» (قرار المجلس الدستوري رقم 817، بتاريخ 13 أكتوبر 2011)، مما لا يجوز للمشرع مخالفة المبدأ المذكور.

 

ثانيا: حقوق الدفاع والحق في التقاضي في قضاء المحكمة الدستورية:

إن الحق في التقاضي وحقوق الدفاع، والحق في محاكمة عادلة، هي من الحقوق المضمونة بموجب الفصلين 118 و120 من الدستور، يحق لكل شخص (مادي أو اعتباري) الدفاع عن حقوقه، وعن مصالحه التي يحميها القانون. وفي هذا الإطار تعتبر الدعوى هي الوسيلة القانونية التي أقرها المشرع الدستوري، لكل شخص اللجوء إلى القضاء، لحماية والدفاع عن حقوقه من الاعتداء عليها أو المطالبة بها (محسن الصويب، ياسين مومن، إشكالات الإذن بالتقاضي في نزاعات أراضي الجماعات السلالية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد: 173، 2023، ص: 161)، كما سبق وأن أوضحنا بأن «حقوق الدفاع» و«الحق في التقاضي»، نطاقهما جميع المنازعات التي تعرض على المحاكم، بجميع أنواعها ودرجاتها، سواء كانت محاكم مدنية أو جنائية، أو إدارية، أو تجارية (…).

وهكذا يستخلص من عمل المحكمة الدستورية، أنها قررت عدة مبادئ مستمدة من أحكام الدستور، وتتعلق بضمانات ممارسة الحق في التقاضي وحقوق الدفاع، التي تشمل «ضمانات احترام حقوق الدفاع»، و«ضمانات احترام شروط المحاكمة العادلة».

 

I)- في ضمانات احترام حقوق الدفاع:

من أهم الضمانات الدستورية المتعلقة بحقوق الدفاع، التي وردت صراحة في قرارات المحكمة الدستورية، نجد من أهمها ما يلي:

  • ضمان مبدأ التكافؤ بين سلطتي الاتهام والدفاع (قرار المجلس الدستوري رقم 921، بتاريخ 13 غشت 2013)، (حق الاطلاع والحصول على الوثائق المدرجة في ملف الاتهام)؛
  • ضمانات ممارسة حقوق الدفاع بإعطاء محامي المتهم والطرف المدني الحيز الزمني الكافي لإعداد دفاعهما؛
  • ضمانات حق التقاضي بإعفاء الطاعن من تضمين عريضة الطعن في الانتخابات عنوان المنتخب المنازع في انتخابه (قرار المجلس الدستوري رقم 943، بتاريخ 25 يوليوز 2014).
  • ضمانات حق التقاضي بإعفاء الطاعن من وجوب تقديم عريضته من طرف المحامي في المادة الانتخابية (قرار المجلس الدستوري رقم 943، بتاريخ: 59 يوليوز 2014)، هذا المبدأ جدير بالملاحظة والدراسة المتبصرة.

 

II)- ضمانات احترام شروط المحاكمة العادلة، وعدم الجواز للمشرع بإضافة قاعدة قانونية جديدة من شأنها تغيير القاعدة الدستورية:

  • مراعاة مبدأ التناسب بين العقوبة والمخالفة (قرار المجلس الدستوري رقم 817، بتاريخ 13 أكتوبر 2011)؛
  • إحاطة قرار العزل من مسؤولية انتدابية بالضمانات القضائية (قرار المجلس الدستوري رقم 820، بتاريخ 18 نونبر 2011)، (الحق في الترشح).
  • مراعاة مبدأ التوازن بين حسن سير التحقيق وحسن ممارسة حقوق الدفاع (قرار المجلس الدستوري رقم 921، بتاريخ 13 غشت 2013)، وصدر قرار في إطار مراقبة المحكمة الدستورية أحكام القانون رقم 01-129، القاضي بتغيير المادة 139 من قانون المسطرة الجنائية، وجاء فيه: «إن امتداد مفعول الأمر بعدم تسليم محضر الشرطة القضائية وباقي وثائق الملف، كليا أو جزئيا إلى محامي المتهم ومحامي الطرف المدني، وعدم انتهائه إلا عشرة أيام قبل بدء الاستنطاق التفصيلي، من شأنه أن يخل بمبدأ التوازن بين حسن سير التحقيق وحسن ممارسة حقوق الدفاع، الذي يعد من ضمانات المحاكمة العادلة، مما يجعل القانون رقم 129.01 المذكور، من هذه الوجهة غير مطابق للدستور».
  • إحاطة مسطرة الجزاءات بأقصى الضمانات؛

ولما كانت حقوق الدفاع والحق في التقاضي والحق في محاكمة عادلة مبادئ دستورية، فإن عملية التشريع يجب أن تتم في إطار احترام كامل للمبادئ الدستورية، وهكذا أكدت المحكمة الدستورية أنه يتعين على المشرع بمناسبة إصدار قوانين، احترام المبادئ التي لها قيمة دستورية (قرار المجلس الدستوري رقم 660، بتاريخ 23 شنتبر 2007)، واحترام المبادئ الرامية إلى صيانة الحقوق والحريات الأساسية (قرار المجلس الدستوري رقم 630، بتاريخ 23 يناير 2007)، ومن ضمنها حق التقاضي المضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه ومصالحه التي يحميها القانون، وحقوق الدفاع، المنصوص عليها على التوالي في الفصلين 118 و120 من الدستور.

كما أن المشرع ملزم باحترام القواعد الدستورية، وذلك بالحرص على عدم إضافة قاعدة جديدة من شأنها تغيير القاعدة الدستورية نفسها (قرار المجلس الدستوري رقم 921، بتاريخ 13 غشت 2013)، كما لا يحق للمشرع تعطيل نفاذ قانون بقانون جديد (قرار المجلس الدستوري رقم 943، بتاريخ 25 يوليوز 2014)، تطبيقا لأحكام الدستور، (حالة المادة 9 من قانون المالية لسنة 2020 المتعلقة بتنفيذ الأحكام القضائية ضد الدولة والجماعات الترابية، التي عطلت مقتضيات الفصل 126 من الدستور).

كما أنه يتعين على المشرع أن يتجنب الإغفال التشريعي، أي بسكوت أو امتناع المشرع عن تنظيم الموضوعات التي تدخل ضمن اختصاصه، وذلك إما عمدا أو إهمالا، مما يؤدي إلى الإخلال بالضمانات الدستورية للموضوع محل التنظيم (عبد العزيز محمد سلمان، رقابة الإغفال في القضاء الدستوري، ص: 5، على موقع WWW.f.law.net د/مهند صالح الطراونة، العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في النظام البرلماني، ط1، دار الورق، الأردن، 2009).

وتجنب إضفاء صيغة الديمومة على تدابير استثنائية، وجوب تطابق القواعد القانونية مع الأهداف المتوخى منها في الدستور، حظر التمييز والإخلال بمبدأ المساواة، وعدم رجعية القوانين.

 

ثالثا: حقوق الدفاع والحق في التقاضي في ضوء العمل القضائي لمحكمة النقض ومحاكم الموضوع:

تعتبر محكمة النقض أعلى هيئة قضائية في المملكة، تتمثل وظيفتها في مراقبة العمل القضائي للمحاكم، ومعاينة مدى تقيدها بحسن تطبيق القانون تطبيقا سليما، على المنازعات المعروضة عليها، ومن أهدافها توحيد العمل القضائي، بمناسبة النظر في الطعون بالنقض ضد الأحكام والقرارات الانتهائية (إدريس بلمحجوب، قرارات المجلس الأعلى بغرفتين أو بجميع الغرف، الجزء الأول، مطبعة الأمنية، الرباط، 2005، ص: 10)، ولذلك «فإن قاضي النقض هو قاضي القانون».

وهكذا، سنتولى عرض بعض المبادئ التي تدخل ضمن حقوق الدفاع، والحق في التقاضي، من خلال العمل القضائي لمحكمة النقض ولمحاكم الموضوع.

لما كان مبدأ حقوق الدفاع والحق في التقاضي من المبادئ الدستورية، فهي جديرة بالحماية القضائية، وهكذا ورد في قرارات محكمة النقض ومحاكم الموضوع ما يلي:

  • عدم تمتيع الطاعن بالضمانات التأديبية المنصوص عليها في القانون، يعتبر خرقا لحق الدفاع الذي يعتبر من المبادئ العامة للقانون (حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، عدد: 322 بتاريخ 14 يونيو 2004).
  • عدم تنصيص القانون الداخلي لمؤسسة عمومية على إمكانية تنصيب المستخدم المتابع تأديبيا لمحام قصد الدفاع، لا يعني هذا حرمانه من حق الدفاع، ما دام هذا الحق من المبادئ العامة التي تسمو على القوانين الداخلية (حكم المحكمة الإدارية بالرباط، رقم 581 بتاريخ 11 يونيو 1998، ملف رقم: 1310/97).
  • عدم تبليغ المحكمة للمذكرة الجوابية المرفقة بوثائق حاسمة إلى الطرف الخصم، يجعلها خارقة للحق في الدفاع، مما يترتب على ذلك نقض القرار المطعون فيه، (قرار محكمة النقض عدد 733، بتاريخ 06 ماي 2009، ملف تجاري عدد: 489/3/2/2007).
  • عدم عرض وثيقة مدرجة بملف القضية على أطراف الدعوى لتحديد موقفهم بشأنها، يعتبر بمثابة خرق لحق من حقوق الدفاع الموجبة للنقض (قرار المجلس الأعلى عدد 844، بتاريخ 27 ماي 2009، ملف تجاري عدد: 241/3/2/2007).
  • إذا تقرر إخراج الملف من المداولة وأعيد إدراجه بالجلسة، وجب على المحكمة أن تستدعي الأطراف من جديد، وتتحقق من توصلهم بالاستدعاء تحت طائلة النقض، (قرار المجلس الأعلى عدد 310، المؤرخ في 14 مارس 2007، ملف تجاري عدد: 327/3/1/2005).

 

 3

 

رابعا: قراءة وتقييم للمقتضيات المتعلقة بحقوق الدفاع والحق في التقاضي والحق في محاكمة عادلة الواردة في مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 23.02 في ضوء المبادئ الدستورية:

سنحاول في هذا الفرع من الدراسة، مساءلة مدى تطابق الأحكام الواردة في مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 23.02 ذات الصلة «بحقوق الدفاع والحق في التقاضي والحق في محاكمة عادلة»، مع المبادئ الدستورية المؤطرة لتلك الحقوق.

إن «حقوق الدفاع والحق في التقاضي والحق في محاكمة عادلة» هي من الحقوق التي يحميها الدستور (الفصلان 118 و120 من الدستور)، ونصت عليها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)، والتي صادق عليها المغرب وتم نشرها بالجريدة الرسمية.

ولذلك فالمشرع وبمناسبة مناقشة ثم التصويت والموافقة على مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 23.02، ملزم بأن يستحضر المبادئ الدستورية في نصوصه، وأن يتأكد من عدم تعارضها مع أحكام الدستور، تحت طائلة عدم الدستورية، وبأنها تتلاءم مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.

والطعن في عدم دستورية القانون، يكون إما بصفة قبلية بعد المصادقة عليه، وقبل إصدار الأمر بتنفيذه، وفي هذه الحالة نكون أمام رقابة سياسية قبلية، يمارسها أصحاب الصفة، أو بصفة آلية، إذا تعلق الأمر بالقوانين التنظيمية، التي تخضع للرقابة الدستورية الإجبارية (إن القوانين التنظيمية تعد منبثقة عن الدستور ومكملة له وتغدو أحكامها بعد تصريح المحكمة الدستورية بمطابقتها للدستور امتدادا له، (راجع قرار المجلس الدستوري رقم 786/2010، بتاريخ 02 مارس 2010)، أو تكون لاحقة لإصدار القانون، وهي ما تعرف بالرقابة القضائية البعدية، أو الدعوى الدستورية الفرعية، المنصوص عليها في الفصل 133 من الدستور، وهي موضوع مشروع القانون التنظيمي رقم 15-86 «المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون»، والذي لم يصدر بعد، لأسباب سياسية ومالية، رغم عرضه على المحكمة الدستورية في مناسبتين، وهو ما ينم عن تعطيل الحكومة والبرلمان لوسيلة دفاعية جوهرية لمواجهة النصوص القانونية غير الدستورية، ولذلك نرى من الضروري التطرق إلى الشروط المؤطرة لمسطرة إحالة القوانين العادية على المحكمة الدستورية، ثم مناقشة حدود السلطة التقديرية للمشرع لما يتعلق الأمر بتنظيم الحقوق والحريات.

 

  • الشروط المؤطرة لإحالة القوانين العادية على المحكمة الدستورية:

مع دستور 1992، تم تبني حق الإحالة الاختيارية للقوانين العادية على القضاء الدستوري، وهو المبدأ الذي ورد أيضا في دستور 1996، ثم في دستور 2011، في الفصل 132، ويتعلق الأمر بإحالة القوانين التي صوت ووافق عليها البرلمان، وقبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور.

وهكذا، فالإحالة الاختيارية مقررة لأصحاب الصفة، وهم: الملك، رئيس الحكومة، رئيس مجلس النواب، رئيس مجلس المستشارين، خمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، ويتم البت فيها داخل أجل شهر، غير أن هذا الأجل يخفض في حالة الاستعجال إلى ثمانية أيام بطلب من الحكومة.

ومن المقرر قانونا، أن الإحالة لا تمثل طعنا في القوانين، بل هي مجرد «إحالة»، لا تستوجب أن تستند إلى حجج ووسائل طعن، لأن المحكمة الدستورية تمارس في هذه الحالة رقابة سياسية قبلية على القانون في جوانبه الشكلية والموضوعية.

ومن جهة ثانية، إن الإحالة وإن لم تستند إلى حجج ووسائل طعن، فإن ذلك لا يرتب جزاء عدم القبول، بالنظر إلى عدم وجود نص دستوري أو قانوني يقضي بذلك، ما دام أن الأمر يتعلق بإحالة وليس بطعن (يحي حلوي، المجلس الدستوري المغربي، دراسات وتعاليق (1994-2017)، الطبعة 1، مطبعة المعاريف الجديدة، الرباط، 2017، ص: 360).

إن المشرع الدستوري لم يشترط أن تكون رسالة الإحالة معللة بأسباب، بل إن الإحالة لتكون مقبولة يجب أن تكون في شكل رسالة مكتوبة، وأن تقدم من طرف أصحاب الصفة، وأن تتوفر على النصاب الدستوري لما تكون صادرة عن أعضاء البرلمان، وأن تكون موقعة، ويتعين توجيها إلى رئيس المحكمة الدستورية (راجع المادة 23 من القانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية، وقرار المجلس الدستوري رقم 1400/14، ملف رقم: 943/14.م.د، بتاريخ 25 يوليوز 2014).

لكن، ورغم عدم وجود نص دستوري يقضي بوجوب تعليل رسالة الإحالة على المحكمة الدستورية، إلا أن المادة 25 من القانون التنظيمي رقم 13/066 المتعلق بالمحكمة الدستورية، ورد فيها بأنه يمكن لرئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين أو أعضاء البرلمان، أن يدلوا إلى المحكمة الدستورية بما يبدو لهم من ملاحظات كتابية.

وهكذا يلاحظ بأن المشرع استعمل كلمة «يمكن» وليس «يجب» وهو ما يتوافق مع مضمون الإحالة المنصوص عليها في الدستور (الفصل 132/فقرة 3)، أي أن تعليل الإحالة ليس بشرط وجوبي، بل هو اختياري، مما يجوز لأصحاب الصفة إحالة مشروع القانون دون تعليل على المحكمة الدستورية، من أجل البت في دستورية القانون في جوانبه الشكلية والموضوعية.

 

  • حدود السلطة التقديرية للمشرع في مجال تنظيم الحقوق والحريات:

من المعلوم أن الحكومة ملزمة بأن ترفق مشاريع القوانين الرامية إلى سن تشريع جديد أو مراجعة تشريع قائم بدراسة حول آثارها، وذلك تطبيقا لأحكام المادة 19 من القانون التنظيمي رقم: 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها.

ويلاحظ بأن الحكومة لم تتقيد بأحكام المادة 19 أعلاه، بمناسبة إعداد مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 23.02،لأن الغاية من دراسة الآثار القانونية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والإدارية، هي تفادي التضخم في سن النصوص، وكذا عدم استقرار القانون، وعدم اضطراب الاجتهاد القضائي.

ومن جهة ثانية، يجب على الحكومة ملاءمة مشروع قانون المسطرة مع التشريعات الوطنية (من أهمها القانون رقم 28.08 المنظم لمهنة المحاماة)، والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب أو انضم إليها، مع وجوب القيام بالمشاورات القبلية مع الأطراف ومع المؤسسات المعنية بمشروع قانون المسطرة المدنية، وهو المبدأ الذي تنكرت له الحكومة ضدا على مقاصد الديموقراطية التشاركية.

إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق والحريات أنها سلطة تقديرية، ما لم يفرض الدستور على ممارستها قيودا لا يجوز تخطيها لضمان أن يكون الانتفاع بتلك الحقوق مقيدا وفعالا.

ولقد اعتبر المجلس الدستوري المغربي، أن السلطة التقديرية للمشرع يجب أن لا تتسم بالخطأ البين في التقدير، وهو ما يعني بأن القضاء الدستوري لا يراقب اختيارات المشرع، بل إن عمله يقتصر على مراقبة التشريع في ضوء الدستور (محمد أتركين، مباحث في فقه الدستور المغربي، مطبعة شمس برنيت، سلا الطبعة الأولى، 2020، ص: 269) (شكلا وموضوعا).

وفي جميع الأحوال، كل تأويل للدستور، يجب أن يكون تأويلا ديموقراطيا، تراعى فيه المبادئ والقواعد الدستورية المؤطرة للحقوق والحريات، والتي لا يجوز مخالفتها، وألا تنفصل النصوص القانونية عن الأهداف التي يتوخاها المشرع الدستوري، ومن أهمها المصلحة العامة، وضمان الأمن القانوني الذي يعتبر رافعة للأمن القضائي.

ومن المعلوم أن المطابقة القانونية لنص تشريعي مع الدستور تعتبر مسألة جوهرية ملزمة للمشرع، بحيث إنه ملزم بأن يحترم كل مشروع قانون المبادئ التالية (الأمانة العامة للحكومة، الدليل العام لمساطر معالجة مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية، سلسلة «الوثائق القانونية المغربية»، الطبعة الأولى، المطبعة الرسمية، الرباط، 2015، ص: 26):

  • تراتبية القواعد القانونية؛
  • المطابقة مع أحكام الدستور؛
  • الملاءمة مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب، وتم نشرها بالجريدة الرسمية؛
  • التقارب مع قوانين الاتحاد الأوروبي.

إن عدم احترام هذه القواعد في النص التشريعي، سيترتب عليه لا محالة إصدار قانون يتسم باضطراب دستوري وقانوني، يمثل وبحق تقصيرا أو عوارا تشريعيا، يتطلب زوال النصوص غير الدستورية، وهو المبدأ الذي ينسحب على مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 23.02، كما يتبين من الجدول التفصيلي في هذه الدراسة.

إن مبدأ سيادة وسمو الدستور يعني وجوب خضوع السلطة التشريعية لأحكام الدستور، والتشريع في إطاره، دون مخالفة مبادئه وقواعده، لأن سلطة المشرع لا يمكن أن تكون سلطة تقديرية مطلقة، بل هي سلطة تقديرية مقيدة بأحكام الدستور.

إن السلطة التقديرية للمشرع ليست مطلقة، بل مشروطة وجوبا بعدم مخالفتها للدستور، أي أنها سلطة مقيدة بالقواعد الدستورية يجب أن لا يعتريها خطأ في التقدير.

وإنه بالرجوع إلى مواد مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 23.02، يتبين بأن المشرع وان كان مفوض له بموجب الدستور، ممارسة السلطة التشريعية (الفصل 70 من دستور 2011)، إلا أن ذلك يجب أن يتم وفقا لأحكام الدستور، ولا حق للبرلمان بأن يتوغل في مجال الدستور، بإضافة قواعد قانونية جديدة، أو تغيير مضامين القاعدة الدستورية، فمثلا مبدأ المساواة أمام القانون كمبدأ دستوري، تم التعدي عليه بشكل ظاهر، لما عمد المشرع إلى «تقييد» حق التقاضي والحق في مباشرة الطعن بالاستئناف أو النقض، كما أنه أقام تمييزا بين المقاضين بسبب مراكزهم الاجتماعية، وأحدث تفاضلا بين الأشخاص المعنوية العامة من جهة، والأشخاص المعنوية الخاصة أو الأفراد من جهة أخرى، في تنفيذ الأحكام القضائية النهائية، بحيث إنه منح وضعا خاصا وامتيازا للأشخاص المعنوية العامة، في تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها، وهو ما يتعارض مع أحكام الفصل 126 من الدستور.

وهكذا، سنتولى عرض المقتضيات الواردة في مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 23.02، والتي لها اتصال مباشر أو غير مباشر بحقوق الدفاع والحق في التقاضي، والحق في محاكمة عادلة والموسومة بعيوب عدم الدستورية.

 

خامسا: عدم دستورية المواد المنصوص عليها في مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 23.02 لتعارضها مع «حقوق الدفاع والحق في التقاضي والحق في محاكمة عادلة» بوصفها مبادئ دستورية:

يعتبر قانون المسطرة المدنية أو قانون المرافعات المدنية أو قانون الشكل، هو القانون العام للإجراءات القضائية وغير القضائية، غايته حماية حقوق الأشخاص المادية والاعتبارية، وهو بذلك يمثل القانون الذي يحدد حقوق المتقاضين، وواجباتهم أثناء التقاضي، وهو فرع من فروع القانون الخاص، لكن إذا نظر إليه بوصفه ينظم وظيفة عامة للدولة، فهو في هذه الحالة فرع من فروع القانون العام (أحمد أبو الوفا، المرجع السابق، ص: 50).

لكن، ومهما اختلفت التسميات في الأنظمة القانونية، إلا أن قانون المسطرة المدنية يظل هو الشريعة العامة للتقاضي، الذي ينظم الإجراءات القضائية وغير القضائية، يبين كيفية توزيع الاختصاص بين جهات القضاء المختلفة، ويرسم القواعد المتعلقة برفع الدعاوى، والشروط الواجب توفرها في المقالات والطلبات، وبيان كيفية إدارة الدعوى، وآجال تقديم الدفوع والطعون، وكيفية إصدار الحكم وشروطه، وتحديد شروط تنفيذ الأحكام القضائية والإشكالات التي قد تعتريها.

ومن المعلوم أن الدستور يتكامل في مبادئه وأهدافه، ولذلك لا يجوز للمشرع أن يصدر تشريعات تتعارض مع المبادئ والأهداف المنصوص عليها في الدستور، والملاحظ بأن مشروع قانون المسطرة المدنية، أنه قيد حقوق الدفاع والحق في التقاضي، والحق في محاكمة عادلة، لما عمد إلى استحداث نصوص تحد من الحق في الولوج إلى العدالة، وإقامة تمييز بين المتقاضين، وتعطيل تنفيذ الأحكام القضائية النهائية الصادرة ضد أشخاص القانون العام، هذه الحالات وغيرها، تؤكد قيام مخالفة دستورية، لا يمكن تبريرها بمنطق «السلطة التقديرية للمشرع»، لأن الأمر لا يتعلق باختيار تدابير تشريعية مقررة في الدستور، مما يترتب على ذلك عدم دستوريتها. ومن صلاحيات المحكمة الدستورية مراقبة مشروع قانون المسطرة المدنية عند إحالته عليها من طرف أصحاب الصفة، لأن الدستور يتسم بالسمو على جميع القوانين، لذلك من الواجب تطبيقه نصا وروحا، وهو المبدأ الذي يتعين على المحكمة الدستورية مراعاته بمناسبة نظرها في القضايا التي تعرض عليها (قرار المجلس الدستوري، رقم 819/2011، صادر بتاريخ 16 نونبر 2011، منشور بالجريدة الرسمية عدد: 5997، بتاريخ 22 نونبر 2011، الصفحة 5562).

ومن المعلوم أن القانون (La loi) لا يعبر عن الإرادة العامة، إلا باحترام الدستور، والمبادئ ذات القيمة الدستورية (Cons. Const., décis. N° 85-197 DC, 23 août 1985)، وهو المبدأ الذي أخذ به المجلس الدستوري الفرنسي.

وهكذا نخلص إلى أن بعض مواد مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 23.02 لا تتوافق مع أحكام الدستور، ولا تعبر عن الإرادة العامة والمصلحة العامة للمجتمع أو الدولة، ولا تتلاءم مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب وتم نشرها بالجريدة الرسمية، بل إن المشرع خالف تلك المبادئ إما بشكل معتمد، أو أنه انزلق إليها بغير قصد، الأمر الذي يتطلب إنهاء المخالفات الدستورية من طرف المحكمة الدستورية، لأن تنظيم وتحديد الحقوق والحريات وإن كان من ولاية المشرع، لكن ذلك يخضع للرقابة المباشرة للقضاء الدستوري (عبد العزيز سالمان، قيود الرقابة الدستورية، دار نهضة القانون، 1998، ص: 108).

 

4

سادسا: مواد مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 23.02 المخالفة للقواعد والمبادئ الدستورية، مع تحديد فصول الدستور موضوع المخالفة الدستورية:

 

سنتولى عرض أوجه المخالفات الدستورية التي تعتري بعض نصوص مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 23.02، إما عمدا، أو إغفالا، أو تقصيرا، أو عن غير عمد، وذلك وفق التفصيل المبين أدناه. وهنا نورد مواد مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 23.02 المخالفة للدستور، وفصول الدستور موضوع المخالفة الدستورية من طرف مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 23.02، مع بيان الأسباب المرتبة لعدم دستوريتها.

 

– المادة 10 «(….) للمحكمة أن تحكم، تلقائيا أو بناء على طلب من النيابة العامة أو من أحد الأطراف، على كل من ثبت لها أنه يتقاضى بسوء نية، بغرامة لفائدة الخزينة العامة تتراوح ما بين 5.000,00 درهم و10.000,00 درهم (…)».

 

+الفصل 118 من الدستور ينص «حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون».

+ الفصل 120 ورد فيه «…حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم».

ولذلك فإن النص على الغرامة المالية فيه ما يخالف الفصلين 118 و120 من الدستور.

 

-المادة 17 «يمكن للنيابة العامة المختصة، وإن لم تكن طرفا في الدعوى، ودون التقيد بآجال الطعن المنصوص عليها في المادة السابقة أن تطلب التصريح ببطلان كل مقرر قضائي يكون من شأنه مخالفة النظام العام» (…).

 

+ الفصل 126: من الدستور ينص «الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع».

+الفصل 06: ينص على مبدأ المساواة بين جميع الأشخاص ذاتيين واعتباريين بما فيهم السلطات العمومية أمام القانون.

تعتبر دستورية القواعد القانونية، وتراتبيتها ووجوب نشرها مبادئ ملزمة، وليس للقانون أثر رجعي.

خرق مبدأ التكافؤ والمساواة بين النيابة العامة والمتقاضين.

 

– المادة 30 «مع مراعاة المقتضيات الخاصة، تختص المحاكم الابتدائية بالنظر:

-ابتدائيا وانتهائيا إلى غاية 30.000,00 درهم».

 

+ مخالفة أحكام الفصل 118/فقرة 1، التي تنص على أن حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه (…).

+ مخالفة الفصل 120 الذي يحمي حقوق الدفاع أمام جميع المحاكم، ومن أهمها حق التقاضي على درجتين.

 

-المادة 31 «تختص المحاكم الابتدائية بالنظر في القضايا التجارية التي لا تتجاوز قيمتها 80.000,00 درهم، كما تختص، في هذه الحدود، في جميع الطلبات المقابلة وطلبات المقاصة».

 

+ مخالفة مقتضيات الفصلين: 118/ فقرة 1 و120 من الدستور، لأن حق التقاضي غير قابل للتقييد بموجب نص قانوني، وذلك بإضافة قاعدة جديدة التي من شأنها تغيير القاعدة الدستورية نفسها.

 

– المادة 32 «يمكن للطرف المتضرر من الحكم الصادر ابتدائيا وانتهائيا، وفق مقتضيات المادتين 30 أعلاه و331 أدناه، طلب إلغائه أمام رئيس المحكمة الابتدائية المختص، داخل أجل 15 يوما من تاريخ تبليغه بالحكم (…).

يبت الرئيس أو من ينوب عنه في الطلب بحكم غير قابل لأي طعن (…)».

 

+المادة 32 من مشروع قانون المسطرة المدنية فيها تضييق لحق التقاضي وخرق لحقوق الدفاع، والحرمان من التقاضي على درجتين، مما تكون معه شبهة عدم الدستورية ثابتة، عملا بأحكام الفصول 117 و118 و120 من الدستور، نظرا إلى إضافة المشرع قاعدة جديدة غيرت وحرفت مضمون القاعدة الدستورية، بتقييدها لحق التقاضي ولحقوق الدفاع.

 

– المادة 62 «لا يمكن إثارة الدفوع بعدم القبول لأول مرة أمام محكمة الدرجة الثانية، باستثناء الأحكام الغيابية.

إذا انتهت المحكمة إلى الحكم بعدم قبول الدفع، ويتبين لها أن التمسك به لم يقصد منه إلا المماطلة والتسويف، أمكن لها الحكم على المتمسك به بغرامة لفائدة الخزينة العامة تتراوح ما بين 5.000,00 درهم و10.000,00 درهم (…)».

 

+عدم مراعاة مبدأ حق التقاضي يخالف أحكام الفصل 118 من الدستور.

+ مخالفة مبدأ ممارسة حقوق الدفاع الذي يعد من ضمانات المحاكمة العادلة، عملا بأحكام الفصل 120 من الدستور.

وبناء عليه تكون المادة 62 من مشروع قانون المسطرة المدنية غير مطابقة للدستور، نظرا إلى انطوائها على إجراء يقيد الحقوق الدستورية.

 

– المادة 76 «تقدم الدعوى أمام محاكم الدرجة الأولى، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، بمقال مكتوب يودع بكتابة ضبط المحكمة، مباشرة أو بطريقة إلكترونية، ويكون مؤرخا وموقعا من قبل المدعي أو محاميه أو وكيل المدعي».

 

+إن المقالات والطعون يجب أن تكون كتابية، تقدم بواسطة محام، والمدعي الذي لا يتوفر على موارد مالية للتقاضي من حقه أن يتمتع بالمساعدة القضائية، وهو المبدأ المنصوص عليه في الفصل 121 من الدستور.

+إن حسن تطبيق القانون وضمان الأمن القضائي يقتضيان بأن ترفع الدعاوى والطعون بواسطة محام، وليس عن طريق وكيل المعدوم الصفة والمركز القانوني.

 

– المادة 78 «يعتبر مكتب المحامي محلا للمخابرة معه وتبلغ إليه الإجراءات، باستثناء الأحكام التمهيدية القاضية بتحملات مالية والأحكام الفاصلة في الدعوى، ما لم يتفق الطرفان كتابة على خلاف ذلك».

 

+ لا يجوز اعتبار مكتب المحامي محلا للمخابرة إلا بموافقته، لأن الدعوى هي حق للمدعي، وهو ما يتعارض مع مهام المحامي المنصوص عليها في القانون رقم 28.08، المنظم لمهنة المحاماة.

+ اعتبار مكتب المحامي محلا للمخابرة، يعد مخالفة تشريعية لمفهوم الصالح العام، وعدم مراعاة الانسجام بين القوانين، لأن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، وأن على الجميع الامتثال له، وبذلك تكون المادة 78 من مشروع قانون المسطرة المدنية غير مطابقة للفصل 6 من الدستور.

 

– المادة 93 «إذا أخل أحد الأفراد بالاحترام الواجب للمحكمة، جاز لرئيس الجلسة أن يحكم عليه بغرامة تتراوح ما بين 1.000,00 درهم 10.000,00 درهم، ولا يقبل هذا الحكم أي طعن».

 

+خرق مبدأ حق التقاضي على درجتين، ومخالفة مبدأ حقوق الدفاع، مما تكون معه المادة 93 من مشروع قانون المسطرة المدنية غير مطابقة لأحكام الفصلين 118 و120 من الدستور.

 

-المادة 95 «تطبق أمام محاكم الدرجة الأولى قواعد المسطرة الكتابية، غير أن المسطرة تكون شفوية أمام المحاكم الابتدائية في القضايا المشار إليها في المادة 96 أدناه».

 

+ مقتضى المادة 95 من مشروع قانون المسطرة المدنية، يتنافى مع القيم والمبادئ الدستورية الرامية إلى تعزيز حماية حقوق المتقاضين، من خلال تكريس مبدأ تعميم نظام المساعدة القضائية على من لا يتوفر على موارد كافية للتقاضي، مما تكون معه المادة المذكورة غير مطابقة للفصل 121 من الدستور، الذي ينص على مبدأ مجانية التقاضي.

 

– المادة 96 «تطبق مسطرة المناقشة الشفوية في القضايا التالية:

– القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائيا وانتهائيا، طبقا للمادة 30 أعلاه؛

– قضايا الزواج والنفقة والرجوع إلى بيت الزوجية، والطلاق الاتفاقي وأجرة الحضانة؛

– القضايا المتعلقة بالحالة المدنية؛

– قضايا استيفاء ومراجعة الكراء؛

– القضايا الأخرى التي ينص عليها القانون».

 

+إن المادة 96 من مشروع قانون المسطرة المدنية، فيها ما يخالف أحكام الفصل 121 من الدستور، الذي يستوعب جميع القضايا المنصوص عليها في المادة أعلاه، وذلك عن طريق إعمال نظام المساعدة القضائية، وهو ما يتكامل مع القانون رقم 28.08 المنظم لمهنة المحاماة، الذي يفوض للمحامين ممارسة حقوق الدفاع دون سواهم، وهو ما يتوافق مع أحكام الفصل 120 من الدستور.

وبناء عليه، تكون المادة 96 أعلاه، غير مطابقة لأحكام الفصول 117 و118 و120 و122 من الدستور.

 

المادة 99 «إذا استدعى المدعي أو المحامي أو وكيل المدعي، بصفة قانونية، ولم يحضر في الوقت المحدد، أمكن للمحكمة البت في الطلب، إذا كانت تتوفر على العناصر الضرورية للفصل في الدعوى (…).

يجوز للمحكمة تأجيل القضية إلى جلسة مقبلة (…) إذا أشعرت برسالة من أحد الأطراف أو في الجلسة من أحد أقاربه أو جيرانه (…)».

 

+ إن المادة 99 من مشروع قانون المسطرة المدنية، فيها إهدار صريح لحقوق الدفاع، وللقواعد العامة المؤطرة للمحاكمة العادلة، ومخالفة للأهداف والغايات والمقاصد الدستورية، مما تكون معه المادة 99 غير مطابقة للفصلين 118 و120 من الدستور.

 

-المادة 256 «لا يتم سحب المبالغ أو الأشياء المودعة، إلا بأمر من رئيس المحكمة، أو من ينوب عنه:

– بناء على طلب يقدمه المودع له شخصيا؛

– بناء على طلب يقدمه وكيل المودع له، بناء على توكيل خاص من هذا الأخير؛

– بناء على طلب يقدمه محامي المودع له، متى كان المبلغ مودعا بحساب الودائع والأداءات.

– بناء على طلب يقدمه محام مرفق بتوكيل صادر عن المودع له».

 

+ إن تحقيق الأهداف الواردة في الدستور، يجب أن يتم دون الإخلال بالمبادئ الدستورية.

والمادة 256 من مشروع قانون المسطرة المدنية فيها تعدي صريح على صلاحيات المحامي وعلى الحقوق المكتسبة، وعلى القانون رقم 28.08 المنظم لمهنة المحاماة.

إن التنصيص على أن طلب سحب المبالغ المالية، يجب أن يقدمه المحامي وهو مرفق بتوكيل صادر عن المودع له، وهذا المقتضى يتعارض مع القانون رقم 28.08 أعلاه، ولا يسمح لمهنة المحاماة بالقيام بالمهام والصلاحيات التي حددها لها الدستور والقانون، مما تكون المادة المذكورة غير مطابقة لأحكام الفصل 120 من الدستور.

 

– المادة 259 «(….) تجري دائما محاولة الصلح بحضور الأطراف شخصيا، ما لم يتعذر ذلك لأسباب قاهرة وإلا أجريت، في غير حالات الطلاق والتطليق والتعدد، بواسطة وكلائهم أو محاميهم.

كما يمكن للمحكمة أن تسند إجراء الصلح إلى دفاع الأطراف أو الأشخاص أو المساعدين الاجتماعيين المؤهلين لهذه الغاية».

 

+إن مهنة المحاماة مهنة حرة، لا يجوز أصلا لغير المحامين مزاولتها؛ لذلك فإن الوكلاء غير مؤهلين الحلول محل المدعي أو المدعى عليه، لأنه عديم الصفة والمركز القانوني، وهو ما يعتبر تعديا على صلاحيات المحامي، لا يستقيم مع رسالة المحاماة ومع الأهداف التي توخاها القانون المنظم لمهنة المحاماة، وهي حقوق كفلها الدستور والقانون للمحامين في تمثيل المتقاضين والدفاع عنهم، لكن المادة 259 من مشروع قانون المسطرة المدنية، فيها إنكار وتعطيل لحقوق المحامين المكتسبة، مما تكون معه غير مطابقة لأحكام الفصول 6 و117 و118 و120 و121 من الدستور.

 

– المادة 314 «يمكن للأطراف أن يمثلوا من طرف محام.

يمكن أيضا تمثيلهم، في حالة تعذر الحضور الشخصي بمقتضى إذن من المحكمة».

 

+ إن المادة 314 من مشروع قانون المسطرة المدنية، تتضمن مقتضيات تعطل نفاذ مهنة المحاماة، وتحول دون مباشرة المحامين بوصفهم مؤهلين لتمثيل الأطراف في الدعوى والدفاع عنهم.

إن هذا الشرط ينال من مهام المحامي المسندة إليه بموجب القانون رقم 28.08، وهو مجاف لروح وجوهر رسالة المحاماة، ومعطل لآثارها، مناقض لمبدأ حقوق الدفاع، ومخالف بالتالي للفصل 120 من الدستور.

 

-المادة 340 يحكم في حالة رفض طلب التجريح على من قيمته بغرامة لا تتجاوز 10.000,00 درهم، أي بمناسبة تجريح قاض.

 

+ إن المادة 340 من مشروع قانون المسطرة المدنية، تخالف روح الفصلين 118 و120 من الدستور، لأن التقاضي حق مضمون، ومكفول للناس كافة.

والمادة المذكورة لما نصت على ترتيب جزاء أداء غرامة عند رفض طلب تجريح قاض، يعتبر نوعا من حظر التقاضي ومصادرة لحق دستوري، ومن ثم تكون المادة فيها ما يخالف الدستور يترتب عليها عدم دستوريتها.

 

– المادة 353 «يعتبر مكتب المحامي محلا للمخابرة معه وتبلغ إليه الإجراءات، (….).

يعتبر كل إجراء بلغ إلى المحامي في حسابه الإلكتروني المعد لهذه الغاية، أو عنوان بريده الإلكتروني، صحيحا».

 

+إن المادة 353 من مشروع قانون المسطرة المدنية، تخالف مبدأ الشرعية، لأنه لا يجوز اعتبار مكتب المحامي محلا للمخابرة، دون موافقة صريحة منه.

+ المادة المذكورة فيها تضييق وتعسف على المحامي، وتعدي على روح القانون رقم 28.08 المنظم لمهنة المحاماة، مما تكون مخالفة الدستور ثابتة عملا بأحكام الفصلين 6 و120 من الدستور.

 

-المادة 375 «تختص محكمة النقض، ما لم ينص قانون على خلاف ذلك، بالبت في:

– الطعن بالنقض ضد المقررات الانتهائية الصادرة عن جميع محاكم المملكة، باستثناء القرارات الاستئنافية الصادرة في مادة فحص شرعية القرارات الإدارية، والأحكام الصادرة في الطلبات التي لا تتجاوز قيمتها 80.000,00 درهم وفي الطلبات المتعلقة باستيفاء واجبات الكراء والتحملات الناتجة عنه، ومراجعة الوجيبة الكرائية».

 

+يستفاد من المادة 375 من مشروع قانون المسطرة المدنية، أنها تحظر حق الطعن بالنقض بالنسبة إلى طائفة من المتقاضين، الأمر الذي ينطوي على مصادرة لحقهم في التقاضي، فضلا عن إهدار المادة المذكورة لمبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق، مما يخالف الفصول 6 و118 و120 من الدستور، وتبعا لذلك تكون المادة 375 غير دستورية، لكون التقاضي هو حق دستوري أصيل قرره الدستور بنص صريح.

 

– المادة 376 «تقدم الدعاوى والطعون المشار إليها في البنود 1 و2 و3 من المادة السابقة، بواسطة مقال مكتوب موقع عليه من طرف أحد المحامين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض.

إذا كان أحد طرفي الطعن قاضيا أو محاميا، أمكن لمن يقاضيهما، الترافع شخصيا أمام محكمة النقض.

(…) تعفى من مساعدة المحامي الدولة والجماعات الترابية ومجموعاتها وهيئاتها والموصى على الجماعات السلالية، طالبة كانت أو مطلوبة، وذلك خلافا لمقتضيات الفقرتين 1 و3 أعلاه».

 

+ إن المادة 376 من مشروع قانون المسطرة المدنية، فيها مما يخالف مبدأ الشرعية وسيادة القانون، وهو المبدأ الذي يقضي بوجوب خضوع جميع سلطات الدولة للقانون واحترام حدوده في كافة أعمالها.

إنه ولما كانت المادة 376 أعلاه، تٌقِيمُ تمييزا بين المواطنين من جهة، وبين المواطنين والأشخاص المعنوية العامة في ممارسة الدعاوى والطعون، الأمر الذي يعتبر إخلالا بمبدأ الشرعية وسيادة القانون، وكذا مخالفة مبدأ المساواة بين المواطنين في مباشرة الحق في التقاضي، فهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا يجوز حرمان طائفة من هذا الحق، لأن فيه إهدار لمبدأ المساواة وهو ما يخالف مبادئ الدستور، لأن فيه تمييز بين المراكز القانونية للمواطنين دون أسس موضوعية.

ومن المقرر قانونا وقضاء أن الحق في التقاضي هو من الحقوق الدستورية (الفصل 118 من الدستور)، التي يجوز للمشرع أن يتدخل في حدود سلطته التقديرية، بتنظيمها واختيار الإجراءات التي يقتضيها حماية ذلك الحق، بشكل يضمن تحقيق العدالة، شريطة ألا يؤدي هذا التنظيم إلى الانتقاص من ذلك الحق أو إهداره.

ويستفاد من المادة 376 أعلاه، أنها تتضمن قواعد غير موحدة في مجال التقاضي والطعن في الأحكام، والمشرع لما أقام تمييزا غير مبرر بين المواطنين يشكل تعطيلا وتقييدا لحق التقاضي لفئة دون فئة أخرى، علما أن طرق الطعن في الأحكام ليست مجرد إجراءات يحدثها المشرع، بل هي من صميم الحقوق الدستورية.

كما أن صور التمييز بين المواطنين من جهة، أو بين المواطنين وأشخاص القانون العام تتعارض مع مبدأ المساواة، كما هو حاصل مع المادة 376 أعلاه، لكونها تحدث تقييدا أو تفضيلا أو استبعادا ينال بشكل تحكمي من الحقوق والحريات التي يحميها الدستور أو القانون، مما يحول دون ممارستها على قدم المساواة بين المتقاضين، وبذلك تكون المادة المذكورة غير مطابقة للدستور.

 

– المادة 377 «(…) في حالة الطعن بالنقض المقدم من طرف النيابة العامة، يتعين إنذارها بإتمام البيانات الناقصة».

 

+ إن المشرع أقام تمييزا واضحا بين النيابة العامة والمواطنين، بحيث لم يمكن الجميع من الوسائل الاجرائية عينها التي يقتضيها الدفاع عن حقوقهم، لأنه منح امتيازا للنيابة العامة وحرمان المواطنين منه، الأمر الذي تعتبر معه المادة 377 غير دستورية، لمخالفتها ضمانة الدفاع وخرقها لمبدأ المساواة أمام القانون، وبوجوب خضوع الدولة لأحكام الدستور.

 

– المادة 409 «إذا لم تقبل محكمة النقض طلب الإحالة من أجل التشكك المشروع، حكم على المدعي، غير النيابة العامة، بالمصاريف، كما يمكن الحكم عليه بغرامة مدنية لفائدة الخزينة العامة بين 10.000,00 درهم و50.000,00 درهم».

 

+المادة 409 من مشروع قانون المسطرة المدنية، تخالف مبدأي حق التقاضي وحق الدفاع ذات القيمة الدستورية، عملا بأحكام الفصلين 118 و120 من الدستور. والمشرع بتنصيصه على الحكم بالغرامة المالية، في حال عدم قبول محكمة النقض لطلب الإحالة من أجل التشكك المشروع على طالبه، فيه تقييد لحق التقاضي ومساس خطير وبشكل تحكمي للحقوق والحريات التي يكفها الدستور، الأمر الذي يحول دون ممارسة تلك الحقوق على الوجه المقرر في الدستور، وعلى قدم المساواة بين النيابة العامة والمواطنين. وهو ما يعتبر عملا منافيا ومتعارضا مع الضوابط المؤطرة للعدالة، التي يجب أن يقوم عليها نظام التقاضي في الدولة، وبناء عليه تكون المادة المذكورة عديمة الدستورية.

 

المادة 425 «يحكم على المدعي عند رفض المقال (مخاصمة القضاة) بغرامة بين 10.000,00 درهم و50.000,00 درهم لفائدة الخزينة العامة».

 

+ إن المادة 425 من مشروع قانون المسطرة المدنية، لم تستحضر المقاصد التي قررها الدستور، وعلى العكس من ذلك، فإنها تمثل وبحق إخلالا بالمبادئ الدستورية، ومن أهمها الحق في التقاضي والحق في الدفاع عن الحقوق والحريات التي يحميها الدستور، بموجب الفصول 6 و118 و120، لأنه وإن كان يحق للمشرع تنظيم مجال التقاضي، فإن ذلك يتعين أن يتم وفق أحكام الدستور والشروط الواردة فيه، لأن الدستور متكامل في مبادئه وأهدافه وشروطه، وليس في الدستور ما يسمح بفرض الغرامات بمناسبة مباشرة حق التقاضي، مما تكون معه المادة المذكورة غير مطابقة للدستور.

 

– المادة 502 «لا تقبل الحجز الأشياء التالية:

1-أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية ومجموعاتها وهيئاتها (…)».

 

+ المادة 502 من مشروع قانون المسطرة المدنية، فيها تعطيل صريح، ومخالفة صريحة لأحكام الفصل 126 الدستور التي نص بأن الأحكام النهائية الصادر عن القضاء ملزمة للجميع.

ولما كانت المادة المذكورة تستثنى أموال وممتلكات أشخاص القانون العام (باستثناء المؤسسات العمومية) من الحجز، فإن ذلك يعتبر خرقا لمبدأ المساواة أمام القانون، وخرقا لمبدأ الحق في التقاضي ولحقوق الدفاع المنصوص عليها في المواد 6 و118 و120 من الدستور، لأنه ليس من حق المشرع أن يمنح امتيازا لأشخاص القانون العام ويحرم منه الأشخاص المادية والاعتبارية الخاصة، ولذلك يكون المشرع قد تبنى تمييزا تحكميا يخالف مبدأ المساواة أمام القانون، الذي كفله الدستور، وتضمن مساسا بالحق في التقاضي والحق في الدفاع.

وفي هذا الإطار لا يمكن للمشرع التذرع بالسلطة التقديرية في ممارسة التشريع لما يتعلق الأمر بتنظيم الحقوق والحريات، لأن المشرع في هذه الحالة قيد الحقوق الدستورية، وأفرغها من مضامينها الحقيقية، أمام مخالفة مبدأ المساواة أمام القانون، بسبب تباين المراكز القانونية، بل الأصل أن يتعامل المشرع معاملة متكافئة مع الجميع دون تمييز بين أشخاص القانون الخاص وأشخاص القانون العام.

 وبناء عليه، يكون المشرع قد خرج عن القيود والقواعد والضوابط والمبادئ الدستورية لمساسه بالحقوق والحريات التي يكفلها الدستور، وتكون بذلك المادة 502 غير مطابقة للدستور.

 

-المادة 552 «يقدم كل طعن بالبطلان في إجراءات الحجز العقاري (…) ويحكم على المدعي الذي خسر دعواه بغرامة قدرها 10.000,00 درهم (…)».

 

+ما ورد في المادة 552 من مشروع قانون المسطرة المدنية غير مطابق للدستور، بحيث إن الفصل 118/فقرة 1 من الدستور ينص بأن حق التقاضي «مضمون». ولما نصت المادة 552 أعلاه، بأن من يخسر الطعن ببطلان إجراءات الحجز يحكم عليه بغرامة قدرها 10.000,00 درهم، تكون قد قيدت «حق التقاضي» وأهدرت «حقوق الدفاع»، التي يكفلها الدستور بموجب الفصل 120.

وبناء عليه، يكون المشرع قد انحرف بالسلطة التقديرية لما اختار جزاء الغرامة المالية، الأمر الذي يتعارض مع الأهداف المقررة في الدستور، وهو ما يشكل مخالفة دستورية لعدم احترام المشرع، القواعد الدستورية وذلك لثبوت إضافة قاعدة جديدة تنال من القاعدة الدستورية نفسها، وهو ما يشكل عدوانا ومصادرة للحقوق والحريات التي يكفلها الدستور.

والمشرع بتنصيصه على الغرامة المالية بمناسبة ممارسة حق التقاضي، يشكل قيدا يقوض حقوق الدفاع وحق التقاضي، ويكون بذلك المشرع قد عطل الحقوق التي يحميها الدستور، ولذلك تكون المادة المذكورة مخالفة للدستور.

 

– المادة 571 «لا يقبل الأمر الصادر عن قاض التنفيذ في جميع الأحوال أي طعن».

 

+ ما نصت عليه المادة 571 من مشروع قانون المسطرة المدنية، يشكل مخالفة صريحة للدستور، لأنه لا يجوز للمشرع تقييد حق التقاضي أو إهدار حقوق الدفاع، نظرا إلى ما يشكله ذلك من مصادرة لحقوق يكفلها الدستور، بموجب الفصلين 118 و120.

ويستفاد من أحكام المادة 571 أعلاه، أنها مخالفة للدستور لما عمدت إلى حرمان المتقاضي من مباشرة الطعن على درجتين، لأنه لا يجوز تحصين أي حكم ابتدائي من الطعن أمام هيئة قضائية أعلى درجة.

وبناء عليه يكون المشرع قد أهدر حقوقا كفلها الدستور، لما عمد إلى تقييد حق التقاضي وخرق حقوق الدفاع والحق في محاكمة عادلة، وهو ما يشكل انزلاقا تشريعيا، يناقض مفهوم الدولة الديموقراطية كأساس لقيام الدولة القانونية، لأن تفويض الدستور للمشرع بتنظيم موضوع معين، يجب أن لا ينال من الحقوق التي يكفلها الدستور، سواء بنقضها أو الانتقاص منها، بل إن تنظيم هذه الحقوق يجب أن يكون منصفا ومبررا ومعللا تحت طائلة عدم الدستورية.

وبناء عليه، وبالنتيجة تكون المادة المذكورة فيها ما يخالف الدستور (الفصلان 118 و120).

 

خلاصات:

من خلال استقراء المواد الواردة في مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 23.02، والمشار إليها أعلاه، يمكننا استنتاج ما يلي:

– تنكر المشرع لمبدأ الأمن القانوني ولمبدأ الأمن القضائي، إما إغفالا أو عمدا (الفصل 117 من الدستور).

– خرق مبدأ دستورية القواعد القانونية، وتراتبيتها بوصفها قواعد ملزمة للكافة (الفصل 6 من الدستور).

– التعدي على مبدأ «ممارسة مهنة المحاماة للمساطر القضائية وغير القضائية، وهو ما يتعارض مع القانون رقم 28.08، المنظم لمهنة المحاماة»؛

– المساس بمبدأي استقلال المحاماة وحصانة الدفاع؛

– تحميل المحامي التزامات تتعارض مع قيم مهنة المحاماة ومع المركز القانوني للمحامي، والتي ليست من مهامه أو من واجباته؛

– خرق مبدأ المساواة بين المتقاضين؛

– خرق مبدأ مجانية التقاضي؛

– خرق مبدأ الحق في التقاضي؛

– خرق مبدأ الحق في محاكمة عادلة؛

– خرق مبدأ حقوق الدفاع.

ولذلك، فالبرلمان مدعو بأن يستحضر بمناسبة مناقشة مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 23.02 القواعد والمبادئ الدستورية المشار إليها أعلاه، من أجل ضمان إصدار قانون مطابق للدستور، وخال من مثالب عدم الدستورية.

إن المحكمة الدستورية معنية بحماية الدستور الواجب التطبيق في نصه وروحه (قرار المجلس الدستوري رقم: 819/2011، بتاريخ 16 نونبر 2011، الجريدة الرسمية عدد: 5997 مكرر بتاريخ 22 نونبر 2011، ص: 5562)، وهو ما يتعين عليها مراعاته بمناسبة نظرها في جميع القضايا التي تعرض عليها، والتي من المرتقب أن يحال عليها مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 23.02، لأن الدستور له السمو على كل من عداه، ويتعين على الجميع مواطنات ومواطنين ودولة، التقيد بأحكامه ومبادئه.

وهكذا، لا يجوز للمشرع أن يعطل جوهر الحقوق والحريات التي يحميها الدستور بعلة تنظيم هذه الحقوق، بالحد من مداها، بل ينبغي أن يتم ذلك وفقا للدستور، وليس من أجل غايات سياسية، لأن الحقوق (الحق في التقاضي، الحق في الدفاع، الحق في محاكمة عادلة) تؤطرها قواعد موحدة، ولذلك لا يحق للمشرع أن ينال منها، أو يحد منها، أو يعطل النفاذ إليها، الأمر الذي يعتبر إخلالا صريحا بالحماية التي يكفلها الدستور لتلك الحقوق جميعها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

I)- المرجعية الدستورية لحقوق الدفاع:

إن حقوق الدفاع تستمد مرجعيتها من القوانين الوطنية، ومن التشريعات الدولية، ولا يجب أن تفهم حقوق الدفاع بأن نطاقها هو القوانين الإجرائية الجنائية، بل تشمل أيضا القوانين الإجرائية المدنية والإدارية والتجارية، وكذا القانون المنظم لمهنة المحاماة، إضافة إلى القوانين الموضوعية.

بالنسبة إلى المرجعية الدولية المؤطرة لحقوق الدفاع، نجد المواد 7 و8 و10 و11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، (اعتمد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم: 215 ألف (د-3) بتاريخ 10 دجنبر 1948)، المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 (تم اعتماده بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200-أ(د-21)، بتاريخ 16 دجنبر 1966، ودخل حيز النفاذ بتاريخ 23 مارس 1976، وقع عليه المغرب في 19 يناير 1977، وصادق عليه بظهير رقم: 4-78-1، بتاريخ 21 ماي 1979، ونشر بالجريدة الرسمية عدد: 3525، بتاريخ 21 ماي 1980)، والمادة 48 من ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي، والاتفاقية الأوروبية المتعلقة بحقوق الإنسان (المادة 6).

وللإشارة، فقد أكدت المادة 16 من إعلان حقوق الإنسان والمواطن في فرنسا إبان الثورة الفرنسية المؤرخ في: 26 غشت 1789 على حقوق الدفاع، والإعلان المذكور، يعتبر مبدأ دستوريا في فرنسا، ورد صراحة في تصدير دستور الجمهورية الخامسة، المؤرخ في 04 أكتوبر1958. (Le préambule de la Constitution Française de 1958 dispose «le peuple français proclame solennellement son attachement aux droits de l’homme et aux principes de la souveraineté nationale tels qu’ils été définis par la déclaration de 1789 (…..).)

وجاء في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية «الناس جميعا سواء أمام القضاء، ومن حق كل فرد لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون».

وحقوق الدفاع يجب أن تستغرق جميع القوانين، سواء كانت إجرائية أو موضوعية، وهو ما يعني بأنه ليس نطاقها قانون المسطرة المدنية أو قانون المحاماة، أو قانون السلطة القضائية، ولذلك فإن القواعد الناشرة لحقوق الدفاع قد ترد في القوانين الإجرائية أو في القوانين الموضوعية.

ومن المعلوم أن القوانين، تنقسم إلى قوانين تبين حقوق الأشخاص، وتحدد كيف ينشأ الحق وكيف ينقضي، أي القوانين المقررة للحقوق، كالقانون المدني والتجاري والعقاري، وقوانين تبين المسطرة التي يتعين مباشرتها للدفاع وحماية تلك الحقوق، أي قانون الشكل (أحمد أبو الوفا، أصول المحاكمات المدنية، الدار الجامعية، بيروت، 1983، ص: 46). والعديد من مقتضيات القوانين الإجرائية المدنية تتعلق بالنظام العام (مدلول النظام العام، هو كل قاعدة آمرة Impérative، تحقق مصلحة عامة وتمس النظام الأعلى للمجتمع، ولا يجوز الاتفاق على عكسها، والقاضي ملزم أن يحكم تلقائيا ببطلان الإجراءات، كما يحق لكل طرف في الدعوى أن يثير ذلك)، خاصة تلك المتعلقة بالمبادئ الأساسية في التقاضي، كمبدأ علانية الجلسات، طرق الطعن في الأحكام وآجالها وتنفيذ الأحكام (أحمد أبو الوفا، المرجع السابق، ص: 48).

ومن أهم حقوق الدفاع، نجد الحق في توكيل محام، والحق في الاطلاع على أوراق الملف، الحق في الطعن، الحق في محاكمة عادلة، وهي بذلك تعرف بأنها مجموعة من الضمانات المخولة للمتقاضين، من أجل حماية حقوقهم خلال جريان الدعوى، الأمر الذي يعني بأن حقوق الدفاع هي من الحقوق الأساسية ذات قيمة دستورية، نطاقها قانون المسطرة الجنائية، وتوسعت لتشمل جميع القوانين الإجرائية الأخرى، وكذا القوانين الموضوعية.

إن المشرع لم يُعَرِّفْ حقوق الدفاع، وهو الأمر الذي تولاه الفقه، وجاء في تعريف الفقيه إدريس العلوي العبدلاوي، للحق في الدفاع بأنه «كل ما يخوله القانون للخصم من وسائل في الخصومة لتكوين الرأي القضائي لصالحه، توصلا إلى الحكم لصالحه في النهاية» (- إدريس العلوي العبدلاوي، الوسيط في شرح المسطرة المدنية، الجزء الأول، مطبعة النجاح الجديدة، الدر البيضاء، ص 1، 1998، ص: 314).

ومن جهة أخرى، عرف الفقيه المصري عزمي عبد الفتاح، حق الدفاع، بأنه «حق الخصم في أن يسمع القاضي وجهة نظره، فإذا أصدر القاضي حكمه دون سماع الخصم الآخر، أو تمكينه على الأقل من إسماع القاضي دفاعه، كان الحكم مشوبا بالإخلال بحق الدفاع» (عزمي عبد الفتاح، واجب التقاضي في تحقيق مبدأ المواجهة باعتباره أهم تطبيق لحق الدفاع، دار النهضة العربية، القاهرة، 1990، ص:6).

إن حقوق الدفاع تندرج ضمن مجال حقوق الإنسان، وسلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، هي سلطة تقديرية مقيدة بقيود دستورية، بحيث إنه لا يوجد تناقض بين حق الدفاع كحق دستوري أصيل، وبين تنظيمه تشريعيا، بشرط ألا يتخذ المشرع هذا التنظيم وسيلة لتقييد أو إعاقة هذا الحق أو إهداره (المحكمة الدستورية العليا المصرية، قضية رقم: 15، لسنة 14 قضائية، المحكمة الدستورية العليا، «دستورية»).

وجاء في المادة 198 من الدستور المصري أن «المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وسيادة القانون، وكفالة الحق في الدفاع ويمارسها المحامي مستقلا».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى