شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرخاص

عدوان تشريعي على المبادئ الدستورية

مشروع قانون المسطرة المدنية رقم 23.02

إن المحاماة مهنة حرة، مستقلة، جزء من أسرة القضاء، وجناح من جناحي العدالة، تساهم في تحقيق الأمن القضائي، والدفاع عن الحقوق والحريات والنهوض بها، والمحامون بهذه الصفة يعتبرون شركاء للسلطة القضائية في تثبيت أسس دولة القانون وسيادة القانون، والدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم.

مقالات ذات صلة

مصطفى بن شريف :

من الطبيعي أن يتمسك المحامون بالمغرب، بأن تظل مهنة المحاماة حرة مستقلة، لأنه لا يجوز أصلا لغير المحامين مزاولتها، خلافا لما ورد في مشروع قانون المسطرة المدنية، وهو المبدأ الذي ورد في جميع القوانين المنظمة لها منذ الاستقلال، والتي عرفت خمسة قوانين: 1959 و1968 و1979 و1993 و2008، ولا يجوز للقوانين الإجرائية أو الموضوعية التعدي على المراكز والمكتسبات المهنية التي راكمتها مهنة المحاماة.

ومن جهة أخرى، فإن هيئات المحامين بالمغرب (نقباء ومجالس وجمعيات عمومية)، إلى جانب جمعية هيئات المحامين بالمغرب كإطار تنسيقي ومجال للتشاور، وتوحيد الموافق، والتوافق على القرارات في القضايا المهنية والتشريعية، والوطنية، لم تتردد في يوم من الأيام في الدفاع عن القضايا الوطنية والقومية، والحقوق والحريات والديموقراطية والإصلاحات الدستورية، وما زال دورها نشيطا، وازنا، وفاعلا، تؤمن بالحوار الديموقراطي، واحترام الرأي والرأي الآخر، لذلك لا يمكن تهميش المؤسسات المهنية، لما يتعلق الأمر بالشؤون المهنية أو بتشريع القوانين الإجرائية والموضوعية.

 

ضرورة إشراك هيئات المحامين

 

إن مسؤولية المحاماة لا تقل أهمية عن مسؤولية القضاء، وذلك بالنظر إلى كونهما يمثلان جناحي العدالة، وفي تحمل مسؤولية الحفاظ على مقومات العدالة كل من موقعه، في إطار زاوية كاملة بين القضاء والمحاماة في أداء رسالتهما وفي ضمان الأمن القضائي.

ونظرا إلى مكانة المحاماة وأهميتها في الحياة العملية والمجتمعية، ودورها المحوري في زرع ثقافة حقوق الإنسان، والتواصل مع جميع مؤسسات الدولة في إطار علاقة تكامل مع رسالتها النبيلة، القائمة على الدفاع عن الحقوق والحريات، والمساهمة في بناء دولة القانون، لم يعد ممكنا للحكومة أو البرلمان أو السلطة القضائية معالجة القضايا المهنية والتشريعية دون تعاون مع الهيئات المهنية ومع جمعية هيئات المحامين بالمغرب، وإشراكها في إعداد القرارات ومشاريع القوانين ذات الصلة بالممارسة المهنية.

وعدم التفاعل إيجابيا مع انتظارات المحامين والمتقاضين أمر يتعارض مع مقاصد دولة القانون، والديموقراطية التشاركية التي تعتبر مبدأ دستوريا، وكل إنكار لذلك يترتب عليه احتقان لا يمكن التنبؤ بنتائجه.

إن التذكير بمهام رسالة الدفاع تقتضيه شروط المرحلة، التي تتميز بالاحتقان الناتج عن أعمال الحكومة أو من في حكمها، والتي يفهم منها أنها تستهدف مهنة المحاماة، دون الإفصاح عن الأسباب والخلفيات صراحة، لكن بإعمال قراءة موضوعية لخطاب الحكومة، أو وزير العدل، أو رئيس مجلس النواب، نخلص إلى القول بوجود من يسعى إلى «شيطنة»، المحاماة كمدخل من أجل احتوائها، وتركيعها، عن طريق مباشرة الوسائل التشريعية والإدارية والقضائية.

ويعتبر التشريع الضريبي، ونظام التغطية الصحية، ومشروع قانون المسطرة المدنية، ومشروع قانون المسطرة الجنائية من بين الوسائل التي يتم تسخيرها في مواجهة مهنة المحاماة، وكأن رسالة الدفاع تمثل «معارضة سياسية راديكالية»، بقناع حقوقي.

لكن، ومهما يكن من أمر، فالحكومة تمارس السلطة التنفيذية، والبرلمان يمارس السلطة التشريعية وفقا للشكل المبين في الدستور، عن طريق إصدار تشريعات التي يجب أن تكون مطابقة لأحكام النصوص الدستورية، وإلا تعرضت للحكم بعدم الدستورية.

وهكذا، فالحق في التقاضي وحقوق الدفاع، والحق في محاكمة عادلة هي من الحقوق التي يكفلها الدستور، والاتفاقيات الدولية، الأمر الذي لا يجوز معه للمشرع إهدار هذه الحقوق أو تعطيلها، عن طريق وضع قيود عليها، أو بإغفال أو بإنكار القواعد الدستورية، عمدا أو عن غير عمد.

علما أن البرلمان وإن كان يمارس السلطة التشريعية، والتي هي في الأصل، كما يشير إلى ذلك سامي جمال الدين، في كتاب الرقابة على أعمال الإدارة، (ص: 33)، «سلطة تقديرية»، لكنها يجب أن تكون مطابقة للدستور، لكونها ليست سلطة مطلقة، بل مقيدة بحدود الدستور، خلافا لما يحصل مع مشروع قانون المسطرة المدنية.

ويؤخذ من بعض مواد مشروع قانون المسطرة المدنية، أنها تمثل وبحق تعديا على مبدأ المساواة بين الأفراد أمام القانون، والتحيز لمصلحة فئة معينة، علما أن القاعدة القانونية يجب أن تكون عامة ومجردة، الأمر الذي يفقد المشروع صفة التشريع أو القانون، لأن البرلمان مقيد بالدستور بوصفه يمثل السلطة التشريعية التي من مهامها تحقيق المصلحة العامة، وليس الدخول في «صراعات سياسية»، وفي تنازع مع المحاماة عن طريق تسخير التشريعات كوسيلة «للردع» دون سبب مشروع.

وهكذا، سأتولى دراسة موضوع «مشروع قانون المسطرة المدنية رقم: 23.02، «عدوان تشريعي» على المبادئ الدستورية المتعلقة بحقوق الدفاع والحق في التقاضي والحق في محاكمة عادلة»، وذلك من خلال المحاور التالية:

 

أولا: المرجعية الدستورية لحقوق الدفاع والحق في التقاضي:

تعتبر حقوق الدفاع والحق في التقاضي مبادئ كونية ودستورية، وردت صراحة في الإعلانات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ونصت عليها دساتير العديد من الدول، ومن بينها المغرب، خاصة مع فترة «الانتقال الديموقراطي»، بعد 2011، حيث اختار المغرب التحول نحو بناء دولة ديموقراطية، يسودها الحق والقانون، ومثل هذا الاختيار دستور 2011، الذي تضمن مبادئ وحقوقا لم تكن مألوفة، ولا منصوصا عليها في دساتير 1962 و1970 و1972 و1992 و1996.

ومن أهم المبادئ الواردة في دستور 2011، نجد ما يلي:

  • التراتبية القانونية؛
  • فصل السلطات؛
  • مبدأ المساواة أمام القانون؛
  • الحقوق والحريات الأساسية؛
  • وفصل السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية؛
  • الحق في التقاضي؛
  • حقوق الدفاع والحق في محاكمة عادلة؛
  • مبدأ الأمن القضائي؛
  • الرقابة الدستورية السياسية أو القبلية على القوانين؛
  • الرقابة الدستورية البعدية أو الفرعية على القوانين، (معطلة من طرف الحكومة والبرلمان).

هذه المستجدات الدستورية، اعتبرها قسم واسع من الفقه الدستوري، بأنها تشكل مؤشرا على انتقال المغرب إلى مرحلة بناء دولة القانون، وفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

فإلى جانب التشريع الدولي، الذي أولى حماية لحقوق الدفاع والحق في التقاضي، والحق في محاكمة عادلة، انخرط المغرب في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، ومن أهمها، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966.

ونص دستور 2011، صراحة على دسترة «حقوق الدفاع» و«الحق في التقاضي»، و«الحق في محاكمة عادلة»، كما هو ثابت من الفصلين 120/ف1 و118/ف1 من الدستور.

ومن أجل مقاربة موضوع المرجعية الدستورية لحقوق الدفاع والحق في التقاضي، ارتأينا أن نتطرق إلى المرجعية الدستورية لحقوق الدفاع، ثم إلى المرجعية الدستورية للحق في التقاضي، وهما معا يعتبران من مقومات المحاكمة العادلة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

I)- المرجعية الدستورية لحقوق الدفاع:

إن حقوق الدفاع تستمد مرجعيتها من القوانين الوطنية، ومن التشريعات الدولية، ولا يجب أن تفهم حقوق الدفاع بأن نطاقها هو القوانين الإجرائية الجنائية، بل تشمل أيضا القوانين الإجرائية المدنية والإدارية والتجارية، وكذا القانون المنظم لمهنة المحاماة، إضافة إلى القوانين الموضوعية.

بالنسبة إلى المرجعية الدولية المؤطرة لحقوق الدفاع، نجد المواد 7 و8 و10 و11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، (اعتمد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم: 215 ألف (د-3) بتاريخ 10 دجنبر 1948)، المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 (تم اعتماده بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200-أ(د-21)، بتاريخ 16 دجنبر 1966، ودخل حيز النفاذ بتاريخ 23 مارس 1976، وقع عليه المغرب في 19 يناير 1977، وصادق عليه بظهير رقم: 4-78-1، بتاريخ 21 ماي 1979، ونشر بالجريدة الرسمية عدد: 3525، بتاريخ 21 ماي 1980)، والمادة 48 من ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي، والاتفاقية الأوروبية المتعلقة بحقوق الإنسان (المادة 6).

وللإشارة، فقد أكدت المادة 16 من إعلان حقوق الإنسان والمواطن في فرنسا إبان الثورة الفرنسية المؤرخ في: 26 غشت 1789 على حقوق الدفاع، والإعلان المذكور، يعتبر مبدأ دستوريا في فرنسا، ورد صراحة في تصدير دستور الجمهورية الخامسة، المؤرخ في 04 أكتوبر1958. (Le préambule de la Constitution Française de 1958 dispose «le peuple français proclame solennellement son attachement aux droits de l’homme et aux principes de la souveraineté nationale tels qu’ils été définis par la déclaration de 1789 (…..).)

وجاء في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية «الناس جميعا سواء أمام القضاء، ومن حق كل فرد لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون».

وحقوق الدفاع يجب أن تستغرق جميع القوانين، سواء كانت إجرائية أو موضوعية، وهو ما يعني بأنه ليس نطاقها قانون المسطرة المدنية أو قانون المحاماة، أو قانون السلطة القضائية، ولذلك فإن القواعد الناشرة لحقوق الدفاع قد ترد في القوانين الإجرائية أو في القوانين الموضوعية.

ومن المعلوم أن القوانين، تنقسم إلى قوانين تبين حقوق الأشخاص، وتحدد كيف ينشأ الحق وكيف ينقضي، أي القوانين المقررة للحقوق، كالقانون المدني والتجاري والعقاري، وقوانين تبين المسطرة التي يتعين مباشرتها للدفاع وحماية تلك الحقوق، أي قانون الشكل (أحمد أبو الوفا، أصول المحاكمات المدنية، الدار الجامعية، بيروت، 1983، ص: 46). والعديد من مقتضيات القوانين الإجرائية المدنية تتعلق بالنظام العام (مدلول النظام العام، هو كل قاعدة آمرة Impérative، تحقق مصلحة عامة وتمس النظام الأعلى للمجتمع، ولا يجوز الاتفاق على عكسها، والقاضي ملزم أن يحكم تلقائيا ببطلان الإجراءات، كما يحق لكل طرف في الدعوى أن يثير ذلك)، خاصة تلك المتعلقة بالمبادئ الأساسية في التقاضي، كمبدأ علانية الجلسات، طرق الطعن في الأحكام وآجالها وتنفيذ الأحكام (أحمد أبو الوفا، المرجع السابق، ص: 48).

ومن أهم حقوق الدفاع، نجد الحق في توكيل محام، والحق في الاطلاع على أوراق الملف، الحق في الطعن، الحق في محاكمة عادلة، وهي بذلك تعرف بأنها مجموعة من الضمانات المخولة للمتقاضين، من أجل حماية حقوقهم خلال جريان الدعوى، الأمر الذي يعني بأن حقوق الدفاع هي من الحقوق الأساسية ذات قيمة دستورية، نطاقها قانون المسطرة الجنائية، وتوسعت لتشمل جميع القوانين الإجرائية الأخرى، وكذا القوانين الموضوعية.

إن المشرع لم يُعَرِّفْ حقوق الدفاع، وهو الأمر الذي تولاه الفقه، وجاء في تعريف الفقيه إدريس العلوي العبدلاوي، للحق في الدفاع بأنه «كل ما يخوله القانون للخصم من وسائل في الخصومة لتكوين الرأي القضائي لصالحه، توصلا إلى الحكم لصالحه في النهاية» (- إدريس العلوي العبدلاوي، الوسيط في شرح المسطرة المدنية، الجزء الأول، مطبعة النجاح الجديدة، الدر البيضاء، ص 1، 1998، ص: 314).

ومن جهة أخرى، عرف الفقيه المصري عزمي عبد الفتاح، حق الدفاع، بأنه «حق الخصم في أن يسمع القاضي وجهة نظره، فإذا أصدر القاضي حكمه دون سماع الخصم الآخر، أو تمكينه على الأقل من إسماع القاضي دفاعه، كان الحكم مشوبا بالإخلال بحق الدفاع» (عزمي عبد الفتاح، واجب التقاضي في تحقيق مبدأ المواجهة باعتباره أهم تطبيق لحق الدفاع، دار النهضة العربية، القاهرة، 1990، ص:6).

إن حقوق الدفاع تندرج ضمن مجال حقوق الإنسان، وسلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، هي سلطة تقديرية مقيدة بقيود دستورية، بحيث إنه لا يوجد تناقض بين حق الدفاع كحق دستوري أصيل، وبين تنظيمه تشريعيا، بشرط ألا يتخذ المشرع هذا التنظيم وسيلة لتقييد أو إعاقة هذا الحق أو إهداره (المحكمة الدستورية العليا المصرية، قضية رقم: 15، لسنة 14 قضائية، المحكمة الدستورية العليا، «دستورية»).

وجاء في المادة 198 من الدستور المصري أن «المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وسيادة القانون، وكفالة الحق في الدفاع ويمارسها المحامي مستقلا».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى