شوف تشوف

الرأيالرئيسية

عدم انسجام الهيئات الأوروبية

يتكون الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي من المفوضية الأوروبية، المسؤولة عن تنفيذ سياسة الاتحاد الأوروبي، والمجلس الأوروبي، وهو الهيئة الحاكمة للاتحاد الأوروبي. وبالمقابل، هناك البرلمان الأوروبي، وهو الهيئة التشريعية للاتحاد الأوروبي، التي لا تحوز سلطة التشريع إلا انطلاقا من اقتراحات المفوضية التي لها كامل هذه الصلاحية.

قد تكون هناك اختلافات بين المفوضية الأوروبية، باعتبارها الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، والبرلمان الأوروبي، باعتباره الهيئة التشريعية، في عدة مجالات. مثلا:

 يعتبر الإجراء التشريعي للاتحاد الأوروبي معقدا مؤساساتيا، ويمكن أن يتضمن مفاوضات بين المفوضية، التي تقوم باقتراح مشاريع القوانين والبرلمان ليس عليه إلا تبنيها ومناقشتها.

لكن تحدث مرارا اختلافات في الرأي، حول محتوى القوانين المقترحة، مما قد يؤدي إلى تأخير اعتمادها وحتى تأجيلها.

 بالمقابل، يتمتع البرلمان الأوروبي بسلطة مواجهة ترشيحات المنتخبين، لتولي مهام المفوضية العليا. إذا لم توافق، مثلا، بعض أطياف أعضاء البرلمان المتطرفة على التعيين، فسيتعين على المفوضية اقتراح تعيين آخر، وهذا في حد ذاته جزء من الضغوط، التي تجعل هيئة الاتحاد التنفيذية لُقْمَة في مهب رياح مختلف اللوبيات التي تتربص بها؛ فرغما عن أن البرلمان لديه، أيضا، سلطة محاسبة أعضاء المفوضية، على فشلهم في أداء واجباتهم؛ لكن كل هذا التطاحن الخفي يسفر أحيانا عن استقالات غير معلنة وصراعات داخلية، ناتجة عن اختلافات في أولويات الاستراتيجية الأوروبية، وتوجهاتها بين الهيئتين، مما قد يؤدي إلى توترات في تنفيذ سياسة الاتحاد الأوروبي جملة.

من المهم أن نشير إلى أن هذه الاختلافات المؤسساتية هي جزء لا يتجزأ من تعثر كمال الممارسة الديمقراطية للاتحاد الأوروبي، ولا تساعد دوما على ضمان الشفافية، في القرارات المتخذة داخل الاتحاد الأوروبي.

 فبعض القرارات التي اتخذها البرلمان الأوروبي تتعارض مع السياسة التنفيذية الأوروبية، واتفاقيات الشراكة مع بلدان من الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط. كما أنها مخالفة لاتفاقيات الشراكة المبرمة مع دول الجوار القاري، مثل المغرب.

 ورغم أن مثل هذه القرارات غير ملزمة قانونيا، وقد اعتبرت جهرا غير منسجمة مع سياسة الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بالعلاقات الدولية، فالذي يجب اعتماده، كما يؤكد مرارا المراقبون الدوليون، أن يتم استحضار قواعد الشفافية داخل البرلمان الأوروبي، حتى تكون فعالة في عدم السماح للأحزاب، اليسارية واليمينية المتطرفة، باختطاف والتلاعب بقرارات هذه الهيئة التمثيلية القارية، لخدمة قضاياها المغرضة والمنحرفة، عن زوايا التفاوض العقلاني المعتدل وعن مصالح الأطراف المتعاقدة.

فإذا كانت للبرلمان الأوروبي قواعد الشفافية المعمول بها، لضمان أن أنشطته وقراراته تبقى متاحة للرأي العام الدولي، وأن فعلا أعضاءه يخضعون للمساءلة على أنشطتهم، فعليها كذلك أن تتضمن متطلبات الإفصاح عن المصالح، وخفايا تضارب المصالح، ولوازم التحقق، في حال إن كانت لها تبعات مالية لصالح جهة ما.

فهل أصبح البرلمان الأوروبي رهينة بيد تيارات معينة في ظل غياب معظم أعضائه، وأصبح مقيدا بمفاهيم متطرفة على حساب مصالح الدول الأعضاء وقيم الاتحاد الأوروبي.

صحيح أن البرلمان الأوروبي يتكون من أعضاء منتخبين من قبل مواطني الاتحاد الأوروبي، وأن قراراته تعكس آراء وأولويات هؤلاء الأعضاء. لكن الحقيقة التي لا يجهر بها، للأسف، أن فعلا لبعض الاتجاهات أو المجموعات السياسية تأثير أكبر داخل البرلمان الأوروبي أكثر من غيرها، سيما عندما تكون مشاركة أعضاء البرلمان الأوروبي ضعيفة الحضور.

هناك مجموعات معينة تسعى إلى إبطاء الديناميكية الإيجابية التي تعيشها الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجارة الاستراتيجية الجنوبية دولة المغرب السيادية.

ومن المتوقع أن تكون هناك، حسدا، لوبيات سياسية خفية أكثر تطرفا، تسعى إلى إبطاء أو إضعاف هذه الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب بكل الوسائل الحربائية.

والخطير أيضا أن تؤثر هذه التصورات المتطرفة، أو الإيديولوجيات البائدة، على قرارات البرلمان الأوروبي، وعلى حساب مصالح الدول الأعضاء وقيم الاتحاد الأوروبي، دون القيام بأي إجراء رقابي للحد من نفوذها.

بشكل عام، حافظ الاتحاد الأوروبي على التزامه بشراكة قوية مع المغرب، والتي تشمل جوانب مثل ملفات التجارة والتعاون الإقليمي والهجرة والأمن. وقد تم التأكيد على ذلك أخيرا في البيانات والتصريحات الصحفية الصادرة عن المفوضية الأوروبية ومجلس الاتحاد الأوروبي.

 ومع ذلك، من المهم معرفة أن البرلمان الأوروبي هو هيئة ديمقراطية تم التخطيط لها على الورق، وتم تخيلها في عقول المؤسسين الأوائل، أنها تتخذ القرارات عن طريق التصويت، وبالتالي فعليها أن تعكس إرادة غالبية أعضاء البرلمان الأوروبي، وليس قلة لها حسابات تعود إلى الحرب الباردة. ومن المهم أن تعمل هيئات الاتحاد الأوروبي معا، للتأكد من أن القرارات المتخذة تتوافق مع مصالح الدول الأعضاء، وقيم الاتحاد الأوروبي.  

جمال أكاديري

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى