عدالة أجرية
توصلت الحكومة والنقابات والباطرونا إلى مشروع اتفاق حول العرض الحكومي المعدل، الذي يشمل زيادة 500 درهم في أجور الموظفين المرتبين في السلالم ما دون السلم 10 بالرتبة 5، وزيادة 400 درهم ابتداء من السلم 10 بالرتبة 6.
وبدون شك فإن قبول النقابات، على مضض، للزيادة الهزيلة في الرواتب بعد سبع سنوات عجاف يخفي في طياته مشكلا جوهريا حول العدالة الأجرية ببلدنا، فكتلة الأجور تلتهم سنويا حوالي 11 ألف مليار سنتيم، أي ما يعادل 11 في المائة من الناتج الداخلي الخام و33 في المائة من نفقات الميزانية العامة، لكنها لا توزع بطرق عادلة ومنصفة بين نصف مليون موظف، حيث يعيش 11 في المائة من موظفي الدولة بأجرة صافية لا تتجاوز 3000 درهم، بينما نصف الموظفين لا تتجاوز أجورهم دون احتساب الاقتطاع الضريبي 6000 درهم و76 في المائة لا تتعدى 10 آلاف درهم يقتطع منها حوالي 30 في المائة من الضريبة على الدخل.
لا يمكن للموظف أن يشعر بصمام أمان السلم الاجتماعي والاستقرار وفي المقابل لا يمكن لدواليب الإدارة أن تتطور إذا استمرت خريطة الأجور بشكلها المعطوب، فالموظف في حاجة لأن يشعر بوجود العدالة عندما يقارن نفسه بالأفراد الذين ينتمون إلى نفس ميدان عمله، وإذا استنتج أنه يحظى بنفس معاملة الآخرين فإنه يشعر بالعدالة وإذا استنتج العكس فإن ذلك يؤدي به إلى الشعور بالدونية ويدفعه إلى اللامبالاة وعدم الاكتراث وتحويل الوظيفة إلى مصدر آمن للدخل دون عناء .
لقد حان الوقت إذن لإجراء إصلاحات جوهرية على نظام الرواتب العمومية، يضع حدا للخلل الخطير الذي وقع خلال تراكم العقود الماضية، والتشوهات الكبيرة في الرواتب التي قسمت الموظف المغربي إلى موظف محظوظ وآخر شقي.
وليس هناك من مدخل للمراجعة الشاملة بعيدا عن فلسفة العدالة الأجرية القائمة على التحفيز التي تجعل الموظف العمومي على قدم المساواة داخل كل القطاعات العمومية.
ويفترض هذا الإصلاح الإجهاز نهائيا على ما يسمى الأنظمة الخاصة والخصوصية التي تحولت إلى حديقة خلفية لتوزيع البريمات والمكافآت التي يستفيد منها 170 ألف موظف محظوظ.
والأكيد أن الحكومة ينبغي أن تتجاوز تلك الفلسفة البالية التي تحدد منظومة الأجور على الدرجة أو السلم، واستبدالها بمنطق التدبير القائم على أساس الكفاءات المكتسبة في ميدان المعرفة والمهارة، الأعباء والجهود المبذولة، المسؤولية والمخاطر المتحملة، وتوجيه التعويضات لتناسب الغرض الذي أحدثت من أجله.
لذلك ليس هناك من حل سوى استعمال مبضع التشريح لاستئصال أورام التشوهات الأجرية وإعمال منطق التناسب بين العمل والأجر، وإلا ستبقى دار الإدارة على حالها، رغم تضخم خطابات الإصلاح المفترى عليه.