بين الفينة والأخرى، تخرج بعض المنابر الإعلامية الكبرى في العالم بأخبار تخص المغرب، بطريقة غرائبية.
عندما نشرت كل الصحف الدولية الكبرى -كلها حرفيا- خبرا مفاده أن المهدي بن بركة كان «جاسوسا» لصالح الاستخبارات التشيكوسلوفاكية، ولا واحدة من هذه الصحف التي تهافتت على الخبر نشرت وثيقة واحدة تحمل تأكيدا على هذه «العمالة».
الخطير أن الخبر تضمن معلومات مفادها أن بن بركة كان يحصل على تذاكر طائرات وحجوزات في الفنادق مقابل تقديمه بعض الأخبار، دون أن تُدلي الجهة التي سربت الخبر منذ البداية بأي وثيقة تحمل توقيع أو خط يد بن بركة، أو أي صورة له مع أحد ضباطها.
كل ما نُشر وثيقة من تلك المراسلات المخابراتية التي كانت تُجريها، ولا تزال، كل الأجهزة الأمنية حول العالم، ويمكن أن تتضمن «أي كلام» وتوثقه.
والدليل أن وثائق من هذا النوع جمعتها الخارجية الأمريكية من سفارتها في الرباط قبل أكثر من خمسين عاما، وتضمنت مرة خبرا عن احتمال رؤية المغاربة صحونا طائرة فوق منطقة العرائش والقنيطرة. فهل تأتي هذه الصحف لتقول إن كائنات فضائية نزلت بالقرب من أحد الرعاة وطلبت منه إرشادها مثلا إلى أحد المواقع؟
خبر بن بركة بدوره نزل من الفضاء.
وقبله، نُشر مرة خبر تداولته الصحافة البريطانية على وجه الخصوص، وكان مصدره باحث بريطاني مغمور أصدر ورقة «علمية» من بضع صفحات، الله وحده يعلم المصدر الذي بناه عليها، وقال إن السلطان المغربي المولى إسماعيل، الذي حكم المغرب لسنوات ومات سنة 1727، أنجب طيلة حياته ألف ولد!
وهذا الرقم مبالغ فيه جدا. المولى إسماعيل عرف تاريخيا بالسلطان الفاتح الذي وحد المغرب وأسس عاصمة حُكمه وبنى قصرا في مكناس أذهل حجمه كل زواره من السفراء الأجانب، بمن فيهم سفراء الملك الفرنسي لويس الرابع عشر. ورغم أن المعطيات التاريخية التي تستحق الدراسة ترتبط بالعلاقات بين هذا السلطان المغربي وملوك فرنسا وبريطانيا وهولندا وإسبانيا والبرتغال، فقد تُركت كلها جانبا وركز لنا هذا الباحث على تكهنات لا تقوم على أي أساس علمي، ليحاول إحصاء عدد أولاد سلطان واحد من السلاطين الذين عرفتهم الثقافة الإسلامية، حيث كان من العادي جدا أن يتوفر كل واحد منهم على أعداد من الزوجات، بالإضافة إلى الجواري والخدم.
الأمر أشبه بمحاولة إحصاء المرات التي تناولت فيها شخصية تاريخية الطعام، ومحاولة الخروج برقم ونشره في «دراسة تاريخية».
عدد أبناء المولى إسماعيل الذين ساهموا في تاريخ المغرب واضطلعوا بمهام سياسية معروف ولا يصعب إحصاؤهم على أي باحث. يكفي التوجه صوب المخطوطات ورسائل هذا السلطان نفسه إلى أبنائه الذين ولاهم وقتها على جهات المغرب وصولا إلى تخوم الصحراء الإفريقية، لمعرفة الأدوار التي قام بها كل واحد منهم.
لكن الإثارة التاريخية، خصوصا عند الإنجليز، لا تكمن إلا في ما يتعلق بما يُسمى «الحياة الخاصة».
المشكل ليس في التنقيب في مثل هذه المواضيع، ولكن في ما يتم اعتماده أثناء التنقيب.
الفترة التي قضاها المولى إسماعيل في الحكم، والتي تقدر بخمسة وخمسين عاما، كانت حافلة جدا بالأحداث. وعدد أولاده الذين قد يكون أنجبهم من كل الزيجات التي مر بها، لا يوجد نهائيا ما يؤكده. خصوصا وأن مؤرخي ذلك الوقت وموظفي السلطان وجامعي الأخبار، والمؤرخين مثل المؤرخ المغربي الناصري صاحب «الاستقصا»، الذي توفي قبل وصول المولى عبد العزيز إلى السلطة وجمع في أكبر محاولة توثيق مغربية، أهم الأحداث التي عرفها المغرب منذ قيام الدولة الإسلامية به، وصولا إلى أخبار عصره، لم يتطرق إلى هذا الجانب من حياة أي شخصية في تاريخ المغرب. ولو أن المولى إسماعيل أنجب فعلا ألف ولد، لما فات «الناصري» أن يُشير إليه.
لكن ما العمل إذا كانت مثل هذه «الأخبار» تختبئ في انتظار من يوقظها في الطرف الآخر من الكرة الأرضية، حتى لو كانت نائمة في خيال صاحبها فقط؟
يونس جنوحي