حسن البصري
يعيش منتخب الفتيان المغربي أجواء مونديال الناشئين الذي تحتضنه أندونيسيا، يقضي اللاعبون أيامهم في التعايش مع درجة حرارة مرتفعة ونسبة رطوبة لا تحتمل.
شاءت الصدف أن تقيم البعثة المغربية في أحد فنادق مدينة سورابايا، مهد الحضارات وعاصمة إقليم جاوة شرق أندونيسيا، والتي تعد ثاني أكبر مدينة في البلاد بعد العاصمة جاكرتا.
إلى هنا يبدو الأمر عاديا، فالقرعة هي التي تحدد خصوم المنتخبات وتحدد أمكنة إقامتهم، وتتحكم في تحركاتهم على مدار المنافسات.
لكن المثير في هذا الحدث الكوني، أن ترمي القرعة بمنتخبنا الوطني للفتيان في مدينة وطأ تربتها الرحالة المغربي ابن بطولة، وقضى فيها أياما قبل ولادة الكرة بقرون.
في كتابه: «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار»، يتحدث ابن بطوطة عن رحلته إلى مدينة سورابايا والتي كانت مجرد تجمع سكني في جزيرة جاوة.
«خمسة وعشرون يوما وصلنا إلى جزيرة جاوة، وهي التي ينسب إليها اللبان الجاوي، رأيناها على مسيرة نصف يوم وهي خضرة نضرة. ولما وصلنا المرسى خرج إلينا أهلها في مراكب صغار ومعهم جوز النارجيل والموز والعنبة والسمك، وأذن لنا في النزول إلى البر فنزلنا إلى البندر».
كانت زيارة رحالة إلى بلد بعيد يستنفر الحكام، ففي سرد الحكاية يتحدث ابن بطوطة عن استقباله من طرف السلطان في مدينة سمطرة، لتقديم اعتماده كزائر من بلاد بعيدة، بدأ رحلته من مدينة طنجة إلى ربوع العالم دون تأشيرات أو نقط تفتيش في الحدود.
قال ابن بطوطة، أمير الرحالة المسلمين، إن مدينة سورابايا التي يوجد فيها اليوم منتخب الفتيان المغربي، كانت قرية محاطة بأسوار من خشب، واستفاض في سرد العديد من الحكايات المشوقة حول طبائع الشعوب وعاداتهم، وقال إنها تعيش تحت رحمة صفعات النسائم البحرية المحملة بالحرارة والرطوبة.
هذا ما قاله طبيب المنتخب الوطني للفتيان بالأمس، بعد مرور أزيد من سبعة عقود من الزمن، حين أوضح بأن خصم المنتخب الوطني في أندونيسيا هو المناخ بحرارته ورطوبته التي تخنق الأنفاس، اسألوا زميلنا سفيان الراشيدي عن حجم الاختناق.
في المدينة التي نزل فيها ابن بطوطة يقضي منتخبنا أيام المونديال دون أن يقتفي القائمون على المنتخب أثر الرحالة ويفخروا به بين الدول، وهو الذي أسس لأدب الرحلات وجعلنا ننعت كل شخص جوال بـ «ابن بطوطة».
من المصادفات العجيبة أن يولد ابن بطوطة في طنجة ويدفن فيها ويتحول قبره إلى مزار سياحي، بينما ظل ملعب المدينة الكبير يحمل اسم الرحالة دون أن يكتب الاسم على بوابته. حتى اعتقد أهل طنجة أن قرار تسمية الملعب باسم رحالة يحتاج لتزكية من «الفيفا» بدل قرار من المجلس الجماعي.
لذا ظل الملعب الذي وصف بـ «تحفة النظار» بدون اسم ولا بطاقة هوية كابن ولد خارج سرير الشرعية، ليس هو الوحيد طبعا فملعب مراكش وملعب أكادير وملاعب أخرى بنايات بدون اسم أو عنوان.
مر الرحالة المغربي من مدينة يحط فيها منتخبنا الرحال، لنفرح بهذا السبق التاريخي الذي يمنح لبلدنا شرعية كتابة التاريخ، لكن الترحال في هذا الزمن أصبح حكرا على صناع محتويات الإثارة، وعلى السياسيين الرحل الذين يجدون متعة في التنقل بين الأحزاب السياسية وتغيير جلدهم عند الضرورة، كما استهوى اللاعبين الذين يمارسون الترحال الكروي بين فريق وآخر، دون أن يكون لمرورهم أثر.
قال «ابن عطعوطة» وهو لاعب رحالة قضى عمره في التنقل من فريق لآخر، حتى صعب عليه فتح حقيبته، إن «التاريخ يكتبه الهائمون على وجوههم».
وكل تشابه في الأسماء فهو من قبيل الصدفة.