عبور المانش واجتياز المحيط
في مونتريال الكندية أطلعني صهري أبو حميد على خبر رجل عبر المحيط الهادي على ظهر زورق من صناعته في رحلة 209 أيام وبتجديف 15 ساعة يوميا. قال الرجل (بايدن) أنه عبر الأطلنطي من قبل وتمرن جيدا ولكنه هذه المرة فعلها قرير العين هانيها بعد أن فعل ما لم يفعله هانيبال في اجتياز الألب في الشتاء.
أكتب هذه الأسطر وأنا غارق في ثلوج كندا ودرجة حرارة عشرين تحت الصفر ما تتجمد له المفاصل وتضرب فيه أوبئة الرشح (الرواح) والأنفلونزا. قال السيد القادم من أوتوا محمود ركبتني (الكوحبة) أنا وزوجتي ونخشى على طفلنا الرضيع. سألني النصيحة وبالكاد حفظ نصائحي من أخذ الأرترومايسين والتبخير ومضاد الحساسية وموسع القصبات والراحة وشرب كمية هائلة من السوائل الدافئة.
وحين أسمع عن تسلق هيمالايا للعشاق وكيف مات بعضهم في الصقيع مختنقا بنقص الأوكسجين ورشح الرئة، أتعجب من هذا الإنسان وأتذكر قول القرآن وكان الإنسان أكثر شيء جدلا. وفي الواقع لا يوازي تسلق إيفيرست إلا عبور القنال الإنجليزي سباحة، يتم عبورها يتم في ماء بارد، وملح أجاج، وأمواج كالجبال، وتيارات تقذف السابح في اتجاه مضاد، يصل فيها السباح نصف ميت. أحيانا بدرجة حرارة خطيرة31؛ لذا فمن عبر المانش عليه أن يتدرب قبلا، ويشحم جسمه جيدا بالأكل الدسم لفترة أسابيع، فإذا غطس في الماء غطى جسده بالشمع، لابسا نظارات ضد الشمس، ومحرم عليه حبل ومساعدة واتكاء على قارب حتى يصل الشاطئ. ومن سبح لم يقطع في العادة 33 كم، بل كما فعل جينو دي فلوريان (Gino Deflorian) السويسري في 20غشت 2013 فقطع مسافة 44 كم في 11 ساعة و 6دقائق بعد أن جدف بذراعيه 35100 مرة بمعدل 54 ضربة في الدقيقة. سبح أولا مع التيار إلى الشمال الشرقي ثم انعطف إلى الجنوب الغربي من الساحل البريطاني في سامفير هو (Samphire Hoe) إلى نقطة كاب جريس نيس (Cap Gris Nez) على الشاطئ الفرنساوي. ونظرا لخطورة هذه السباحة فقد حرمتها فرنسا من ساحلها؛ فيقدم العابرون الهواة من شاطئ بريطانيا، ومن عبر القناة حتى عام 2012 بلغ 1341 سباحا، ويعتبر ملك المانش الأمريكي كيفن مورفي (Kevin Murphy) الذي قطعه 34 مرة ولكنه تعرض للأهوال من احتشاء قلب وخلع أكتاف وعمليتين جراحيتين تاب بعدها عن السباحة والماء منذ عدة سنوات، فهزمه المانش ولكنه أخذ منصب السكرتير الفخري لاتحاد عابري المانش (Channel Swimming & Piloting Federation).
وبين يونيو وسبتمبر من عام 2013 تقدم أكثر من 300 للعبورو منهم من بلغ السبعين؛ فجنون الإنسان وحب التحدي وهيروين المغامرة هائل.
من هؤلاء ينجح من كل خمسة واحد ويموت ثمانية، كما حصل مع السباحة البريطانية سوزان تايلور (Susan Taylor) فقد استمرت في السباحة حتى أنهكت، وقبل وصول الشاطئ الفرنساوي بقليل شعرت بأن قلبها يخذلها فصرخت طلبا للنجدة. قالت لمن جاء للمساعدة: لم أعد أشعر بأطرافي السفلية، ثم فاجأها الموت، وكان السبب احتشاء قلب صاعق. أما جينو فلوريان فكان معه خمسة: طالبتان من شيكاغو وواحد سبعيني وآخر ياباني من هيروشيما وكان هو الخامس. أما الياباني فقد قذفه الموج بعيدا قبل خمس كم من الشاطئ الفرنسي فاستسلم وانسحب. وتابع البقية.
ليس كل راغب في السباحة والعبور يقولون له تفضل، بل يسجل في الاتحاد، ثم يؤخذ إلى جزيرة مالوركا، حيث عليه أن يسبح لمدة ست ساعات متواصلة بدون انقطاع، وفي درجة حرارة16 ، وحاليا يريدون رفعها إلى ثمان ساعات للاستدلال على طاقة التحمل. وأثناء السباحة هناك سفينة مرافقة له تعطيه الشراب والطعام كل 40 دقيقة حيث أن مستوى حرق الطاقة يصل إلى 800 كالوري في الساعة، ولكن بعد النصر ننسى التعب أليس كذلك؟