عبود يكشف كيف أصبح الجيش الجزائري معقلا للفساد الإداري
يونس جنوحي
تبدو اليوم لوائح أسماء أعوان الجنرالات، الذين لقبهم هشام عبود في هذه المذكرات بـ«رجال الظل»، كما لو أنهم شواهد قبور لبقايا «المافيا» التي لا يزال ظلها مُلقى على الجو العام في الجزائر.
يتعلق الأمر بطبقة من الموظفين جمع بينهم الاشتغال لصالح النافذين من جنرالات «المافيا»، ويتعلق الأمر أيضا بأكثر من تجربة مدنية وعسكرية وسياسية تحول أصحابها من مواطنين جزائريين إلى ما يشبه «الخدم» مقابل تعويضات وامتيازات مكنتهم من جمع ثروة «لا بأس بها» مقارنة مع الثروة التي جمعها هؤلاء الجنرالات.
ترقية بدون منطق
يقول هشام عبود إن بعض العسكريين حكوا له أن الجنرال خالد نزار لم يكن يعمل المنطق أثناء اختيار من سوف يحصل على الترقية. بل كان رجال «المافيا» يتعمدون أثناء اختيار الموظفين، خصوصا الملحقين العسكريين في السفارات الأجنبية والموظفين في دواوين الجنرالات الكبار، إذكاء الحروب بين هؤلاء الذين وقع عليهم الاختيار.
فقد كانوا يتبادلون الاتهامات في ما بينهم، بخصوص الأقدمية والكفاءة واستحقاق المنصب، في وقت كان فيه الجنرالات يستمتعون بالمشهد.
إلى درجة أن أحد المقربين من الجنرال خالد نزار لمح مرة شابا في مقتبل العمر، نحيف البنية، يقترب بهدوء من المكان الذي يقف فيه هذا المسؤول الكبير في الجيش. وظن في البداية أن الأمر يتعلق بضابط جديد جاء ليعمل تحت إمرته وقد يكلفه بقيادة سيارته الخاصة أو توصيل أبنائه إلى المدرسة. لكنه فوجئ، عندما تم تقديمه إليه، بأنه سيكون رئيسه الجديد في العمل!
كاد هذا المسؤول أن يفقد صوابه. لكن هل يستطيع الاتصال بالجنرال خالد نزار للاحتجاج مثلا ضد القرار؟ أو أن يستنكر تعيين رئيس فوقه يصغره سنا، بل وفي عمر أبنائه؟ لا أحد طبعا يستطيع التعليق على مثل هذه القرارات.
وقبل أن يبلع صاحبنا الصدمة، كان هناك مسؤولون آخرون مستعدين لأداء مبالغ طائلة رشاوى للمسؤول الجديد لكي يُذل المسؤول القديم أو يعامله بمزاجية. لقد كانت تلك طريقة الجنرالات في الانتقام ممن يعملون تحت إمرتهم لمدة طويلة.
حرفي يتحول إلى مسؤول عسكري
كان هذا ممكنا في الجيش الجزائري ما بين سنوات 1980 و1990. إذ لم تعد المناصب العسكرية والإدارية في الجيش حكرا على قدماء جيش التحرير الوطني أو المتقاعدين من الجيش الفرنسي وأبنائهم. بل تفنن الجنرال خالد نزار ومن معه في جعل المؤسسة العسكرية حكرا فقط على الذين يختارهم هؤلاء الجنرالات حتى ولو لم يكونوا يتمتعون بأي خبرة عسكرية تُذكر.
ومن بين هؤلاء، أعطى هشام عبود المثل بـ«إبراهيم بلكردوح». يقول عنه إنه صباغ حرفته طلاء واجهات العمارات والمنازل.
كان هذا الأخير ممن استفادوا من فراغ المناصب العسكرية عندما قررت الإدارة السماح لبعض العسكريين الذين ولجوا الجيش من باب الانتماء إلى جيش التحرير الوطني وحملوا السلاح ضد فرنسا، بمتابعة دراستهم الجامعية. فعندما غادر المئات لمتابعة دراستهم في مختلف جامعات الجزائر، كانت الإدارة تعرف خصاصا في أطر الجيش، فجاء إبراهيم بلكردوح «بخفّة» لكي يترقى بسرعة البرق من مجرد وافد جديد على الجيش بدون خبرة ولا تكوين، إلى أن أصبح أحد كبار أعوان الجنرالات الكبار الذين يقررون في الجيش. وأصبح مسؤولون في الدولة، عسكريين ومدنيين، ينتظرون دورهم لكي يلتقوا بالسيد إبراهيم بلكردوح لكي يصلوا من خلاله إلى أصحاب القرار الذين كانوا يحكمون الجزائر بالفعل.
لقد كان ملف هذا الأخير فارغا في إدارة الجيش. فقد أكد هشام عبود أن ملفه في الإدارة لا يضم سوى شهادة تكوين في شعبة التكوين المهني في مجال الصباغة والطلاء، لكنه رغم ذلك استطاع الترقي في السلم الإداري للمؤسسة العسكرية، رغم أن إنجازاته الوحيدة، يؤكد هشام عبود، كانت هي طلاء جدران زنازين الحبس الانفرادي الذي يلج إليه العسكريون أثناء صدور العقوبات في حقهم. ومن طلاء الجدران، ارتقى إبراهيم بلكردوح لكي يصبح الذراع الأيمن لأكثر من جنرال جزائري، وأصبحت كلمة منه، أو إشارة من يده، كافية لكي تتغير حياة أعداد كبيرة من الجزائريين، مدنيين وعسكريين.